فضاء شاسع من الأمل يركض فيه قلبي حين اتذكرهم، والهج بدعاء متصل علني أرد اليهم في عالمهم البعيد بعض الذي أظن أني قصرت فيه هذه الحياة الدنيا، كم هي زائلة وهي بين يدي من أحبها وتمرغ في ترابها ثم الأمر ينتهي إلي مثل هذه اللحظة التي أقف عندها بذكريات لا تمحوها الأيام ابداً، نعم هم معي في سكناتي وحركاتي ومعي حين اندفاع الاسي بين اضلعي اتذكر أنني كنت إذا ألم الهم بي أنطلق من »قصر العيني« حيث أدرس الطب في سنواتي الأولي بهذه الكلية العريقة، إلي حيث مكتبه في مركز مطبوعات اليونسكو أول »طلعت حرب«، أصعد في ثوان معدودة، أبثه شجني فيدعوني إلي ما تقدم من حياته وهي مليئة بالعُسر والعثرات وفي أرجائها من كل ناحية، الغدرة والظلم والظلمة والمشاءون بنميم والكذبة، كان عبد المنعم الصاوي، الكاتب والاديب والوزير الانسان عنواناً للصدق والحب الرفيع. إلي الغايات النبيلة ويصر الكاتب الصحفي القدير موسي صبري بعد أن طالع مسودة »أطباء نبغوا في الأدب« ان يكون هذا الكتاب ضمن سلسلة كتاب اليوم وفي الشهر الذي يعقب كتابه »والحب ايضاً يموت«، وفرحت الأوساط الأدبية بهذه الحالة المتفردة من الحب والشهامة الخالدة، ويتبني الدكتور محمد عناني موقفاً نقدياً وزيادة في المحبة يأخذ بيدي إلي أبعد من ذلك ويحفز طاقة الإبداع داخلي ويقدم روايته »أيام موحشة« لتتوهج المسيرة بين الطب والأدب، هنا آسي الابدان وهناك مطبب الأرواح، أدعو له بطول العمر محمد عناني الشاعر الشاهق والمبدع النادر في عالم يزدحم بالمرضي الذين ختم الغل علي قلوبهم، وأتذكر الجليل عبد الوارث الدسوقي حين أفسح لي صدر صفحة الرأي بالاخبار كل ثلاثاء أطل منها علي حياة جديدة بين السياسة والادب والملاحقة اليومية للاحداث الجسام، أذكره حين حاول بعضهم منعي عن الكتابة في هذا المكان بحجة أنني أتطرق في رأيي حول اجتياح العراق بقوات التحالف، وبقيت أكثر من ستة أشهر في هذا الخط المتمرد وهو يصر علي أن يبقي مقالي في مكانه، ولا أنساه ما حييت الدكتور عبد العزيز شرف رحمه الله وكأنه يقف معي في اتجاهين الوذ بهما لبناء ثقافي متميز داخل وزارة التربية والتعليم لنكون قوة ضاربة من المثقفين من كل اتجاه، كانوا يمثلون الضمير الوطني بحق اسماعيل صبري عبد الله، كامل زهيري، عبد العزيز حمودة، أحمد فؤاد باشا، يحيي الجمل، فتحي عبد الفتاح، جابر عصفور، سعد هجرس ، ماهر شفيق فريد، وأسماء ربما تضيق المساحة عن ذكرهم كانوا عظاماً في موقفهم معي في هذه التجربة التي لا تتكرر الا مع رجل مثل حسين كامل بهاء الدين، انني أرنو إلي أفق كهذا الذي يمثل مجد الاساتذة الكبار، وهم يشقون أمامنا ظلاماً كرسه الجهلة والأغبياء لكي يسدوا المنافذ علي الشباب الطامحين، وأذكر حينما أردت أن أحث المرجفين علي أن يتخلوا عن بعض خنوعهم أثناء الحرب علي العراق دعوت اصدقاءنا من الفنانين المرموقين، سهير المرشدي وأشرف عبد الغفور وهناء عبد الفتاح، ومرسي خليل لالقاء أشعار بدر شاكر السياب، وأمطرت القاعة في ساقية عبد المنعم الصاوي ساعتها بالشجن والبكاء وآيات من آهات حزينة علي ما صار إليه حال أمتنا العربية من هوان، أتذكر الراحلين والذين لم يلحقوا بهم وهم يتواصلون عبر قضية الانسان التي هي أكبر من المحن ومن الخونة والظالمين والذين يجيدون التنصل وقلب ظهر المجن لمن اخلصوا لهم وقت الشدائد وعاونوهم في النوائب وأعانهم علي صروف الدهر يوم تنكر لهم الكثيرون وسعوا في اقصائهم عن أماكنهم التي لا ريب زائلة. إنني أتطلع لذلك اليوم الذي أستطيع أن اعيشه صادقاً مخلصاً، طاهراً من أدران المخاتلة والتنكر، وأوصاب البغي التي يغري بها دائما الكرسي الزائل والمنصب الحائل، أتطلع الي غد أملكه ولا يملكني وأرجوه لكل من أحب لكي نمسح عن هذا الوطن العزيز دمعته الكبيرة التي هي بحجم البحار وفي إتساع المحيطات.