علي مدي عقود عاني الشعب الأفغاني ويلات النزاع المسلح.. الآلاف والآلاف عانوا انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب علي مر السنين دون أدني مساءلة.. وفي إطار تعزيز مبادرات العدالة الجنائية حول العالم، درست المحكمة الجنائية الدولية في تقريرها الأخير قضايا عديدة من جرائم الحرب، وأشارت إلي جرائم الحرب المرتكبة في أفغانستان. وتسعي فاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، للحصول علي موافقة لفتح تحقيق رسمي في مزاعم ارتكاب جرائم حرب في أفغانستان، بعد أن انتهت إلي أن هناك »أساسا معقولا للاعتقاد بأن هذه الجرائم قد ارتكبت بالفعل هناك» وتعتقد بنسودا أن هناك أدلة تشير إلي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الفترة من يوليو 2002 حتي يومنا هذا. لكن المدعية لم تذكر أي أطراف بعينها ستخضع للتحقيق. ذكر هذا التقرير أن الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة الأفغانية من شهر يناير2007 حتي شهر ديسمبر 2015 كانت مسئولة عن مقتل حوالي 17 ألف مدني، بالإضافة إلي ذلك فإن هذه الجماعات شنت هجماتٍ أيضاً علي أماكن مدنية مصونة مثل المدارس والدوائر الحكومية والمستشفيات والمساجد والمؤسسات الخيرية الإنسانية. أشارت المحكمة في تقريرها أيضا إلي تعذيب السجناء والاعتداءات الجنسية والمعاملة السيئة مع السجناء وغير ذلك من التعديات المُرتكبة من قِبل أمن الدولة، والشرطة، والقوات الحدودية والشرطة المحلية (الشرطة الشعبية). ذُكر في هذا التقرير أن نسبة 35 إلي 50 في المئة من المحبوسين من أجل قضايا مرتبطة بالحرب يواجهون تعذيباً ومعاملةً سيئة. فيما يخص جرائم القوات الأمريكية في أفغانستان يذكر التقرير أن القوات العسكرية الأمريكية والعاملين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية »IA قاموا بتعذيب 88 سجيناً علي الأقل (61 منهم تم تعذيبهم من قِبل الجيش الأمريكي و27 سجيناً آخر تم تعذيبهم من قِبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية). ذكر التقرير أن هذه الجرائم ارتُكِبت بين الأعوام 2003 و2004 عندما كان الرئيس الأمريكي جورج بوش يتولي السلطة، وكان الجيش الأمريكي يتعاملَ مع هؤلاء السجناء بطريقة شائنة أهدروا كرامتهم في منشآت اعتقال سرية تابعة لوكالة المخابرات المركزية (سي.آي.إيه) وفي مناطق أخري أطلق عليها »المواقع السوداء». ويوضح التقرير أن الجرائم لم تكن فردية، بل كانت جزءاً من »ممارسات الاستجواب المعتمدة في محاولة انتزاع معلومات استخباراتية من المعتقلين». وقال إنه »هناك أساس معقول للاعتقاد بأنه قد تم ارتكاب هذه الجرائم المزعومة في إطار تدعيم سياسة، تستهدف الحصول علي معلومات من خلال استخدام طرق استجواب تنطوي علي أساليب قاسية أو عنيفة، من شأنها دعم أهداف الولاياتالمتحدة في الصراع في أفغانستان». تعد هذه هي المرة الأولي التي يوضع فيها ملف مرتكبي جرائم الحرب في أفغانستان والتي تشمل جرائم القوات الأمريكية علي طاولة المحكمة الجنائية الدولية. ومع أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ليست عضواً في المحكمة؛ إلا أن رعايا أمريكا إذا ارتكبوا جريمة في دولةٍ تُعتبر عضوا في المحكمة، فبإمكان المحكمة أن تتابع القضية، وبما أن أفغانستان عضو في المحكمة الجنائية الدولية، فإن جرائم الحرب المرتكبة من قِبل القوات الأمريكية تدخل ضمن دائرة صلاحيات هذه المؤسسة. يذكر أن أفغانستان التي لم تصدق علي معاهدة روما (اتفاقية دولية أسست المحكمة الجنائية الدولية في 1998)، أقرت صلاحية المحكمة في فبراير 2003، مما أجاز للأخيرة التحقيق في جرائم مرتكبة علي أراضيها اعتبارا من مايو من العام نفسه. وسيركز الادعاء علي مزاعم عن جرائم ارتكبت منذ الأول من مايو 2003 علي الأراضي الأفغانية وجرائم حرب مرتبطة ارتباطا وثيقا بالوضع في أفغانستان قيل إنها ارتكبت منذ الأول من يوليو 2002 علي أراضي دول أخري. وإذا وافق قضاة المحكمة علي الطلب فسيقوم مكتب الادعاء »بالتحقيق، في إطار التفويض الممنوح له والوسائل المتاحة بطريقة مستقلة ومحايدة وموضوعية، في جرائم ضمن اختصاص المحكمة والتي قيل إن أيا من أطراف الصراع المسلح قد ارتكبها». رغم أن المحكمة الجنائية الدولية لم تذكر إحصائيات محددة حيال جرائم الحرب المرتكبة طوال سنوات الحرب وما أعقبها من فترة تواجد القوات الأجنبية في أفغانستان، إلا أن تقريرهم الأخير أشار إلي نماذج محدودة من جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الأمريكية تجاه السجناء الأبرياء. في الحقيقة ليس الاعتقال وتعذيب السجناء الأبرياء الأفغان الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها القوات الأمريكية، بل إن هذه القوات خلال عقدٍ ونصفٍ من الزمن تسببت في مقتل وإصابة آلاف الأفغان الأبرياء في غارات ليلية وغيرها وبين الضحايا كبار السن والأطفال والنساء، واعتقلت القوات الأمريكية كذلك أشخاصاً أبرياء كثيرين قضي بعضهم نحبه خلال التعذيب. كل هذه الجرائم ارتكبت عمداً وتُحسب ضمن جرائم الحرب. فهل ستفتح هذه الخطوة الطريق إلي العدالة لعدد لا يحصي من الضحايا هناك؟ • مروي حسن حسين