لازالت المحاولات المتعمدة للإساءة لميدان التحرير مستمرة لتشويهه كرمز لنجاح ثورة 25 يناير في إسقاط نظام الحكم الفاسد بفضل صمود الشعب وإصراره ومساندة الجيش وتضحيات الشهداء فقد تحول الميدان إلي هايد بارك للتعبيرعن الرأي ومزار سياحي حرص كل السياح و المسئولين الأجانب علي زيارته لعلهم يكتشفون عبقرية المكان الذي شهد وقائع الثورة وأحداثها الجليلة يوماً بيوم، وربما تصور بعضهم أن طبيعة المكان واتساعه وتعدد مداخله وتميز موقعه ساعدت علي تحوله لساحة معركة غير متكافئة من حيث موازين القوي ما بين ثوارعزل يرفعون مطالبهم العادلة وبين قوي بوليسية غاشمة استخدمت الرصاص المطاطي و الحي والقناصة صائدي العيون ويعاونهم بلطجية مستأجرون كجيش غير نظامي يهاجم بحرفية وجرأة مستخدمين جميع أسلحة الخسة والدناءة من سلاح أبيض وزجاجات المولوتوف والدواب والكرابيج في يوم حاسم سمي إعلاميا بموقعة الجمل .. لكن عبقرية الثوار التي انتجتها المحنة لم تأت فقط من ساحة الميدان المناسبة للكر والفر بل من زعامات نشأت وقادت وابتكرت طرقا للمقاومة دون خوف ومن روح التضحية التي جعلت الروح تهون فداءً للحرية .. وعلي مدي المليونيات المتعاقبة استطاع البلطجية غالباً أن يندسوا بين المتجمعين بالميدان ليفسدوا حالة السلم بافتعال الخلافات أو لمحاولة إجلاء المعتصمين بالقوة، فالميدان مفتوح لجميع المصريين دون تمييز وتحدث الكوارث عندما لا يتم التحقق من هوية الداخلين أيام التظاهرات ، بالإضافة إلي الأعداد الكبيرة من الباعة الجائلين الذين اعتادوا علي التجمع بالميدان مستغلين الزحام لزيادة مبيعاتهم وتركتهم شرطة المرافق يحتلون ما شاءوا من مساحة الميدان ليحولوا التظاهرات الوطنية إلي مهرجانات وأعلام ومأكولات ومشروبات وخلال أوقات الفوضي تنتهز كلا الفئتين الفرصة لإحداث الفوضي ، ففي جمعة الغضب الثانية اكتشف الشباب عند تفتيش الداخلين للميدان عدة أشخاص يخفون أسلحة بيضاء بهدف القيام بأحداث عنف لإفساد المشهد العظيم .. تكرار اندساس البلطجية بين تجمعات الناس لإفساده والإساءة للثورة والميدان لا يمكن أن يحدث مصادفة بل هي أحداث مدبرة ومدفوعة الأجر ممن يهدفون لزعزعة الأمن وإحداث الفوضي والإساءة لهيبة الميدان .. فالبلطجية لا يتحركون من تلقاء أنفسهم ولا يقدمون خدماتهم المشينة إلا إذا قبضوا الثمن مقدما. وأتاح عدم تواجد الشرطة بأعداد كافية الفرصة للفئات المخربة لتنفذ مخططاتها الفوضوية وآخرها الإعتداء علي مذيعة بإحدي القنوات الفضائية اثناء أدائها لعملها يوم الجمعة الماضية وعندما تدخل أحد الضباط لأداء واجبه وتمكن بصعوبة من انقاذها هاجمه أعدادا كبيرة من البلطجية والباعة الجائلين وأوسعوه ضربا وسرقوا سلاحه الميري وكادوا يفتكون به لولا عناية الله تعالي ، هذا الحادث المؤسف يحتم ضرورة تأمين الميدان وتعزيز قوات الشرطة من حيث العدد والتسليح وإخلاء الميدان تماماً من الباعة الجائلين والقبض علي كل من تسول له نفسه القيام بأعمال بلطجة أو عنف .. وأخطر دلالاته اهتزاز هيبة الشرطة التي لولاها ما تجرأوا علي الإعتداء علي الضابط الذي لم يكن مدعما بقوة كافية لحفظ الأمن.. الوضع الأمني يحتاج إلي الحسم والسرعة فليس معقولا أن ننتظر تحقيق الوعود بعودة الشرطة للعمل بكامل طاقتها خلال ثلاثة شهور.. فلن نستطيع أن نعيش المزيد من الخوف من البلطجية الشرسين موتي القلوب.. لن نستطيع الإنتاج أو جذب السياحة دون الأمن .. فلتسرع الشرطة لاستعادة ما تبقي من هيبتها. ميدان التحرير يئن مما شهد من أحداث جسام.. فمن يرعي حرمته؟