السؤال المطروح وبشدة علي جميع الأصعدة، هل يعود الاستقرار من جديد إلي ليبيا؟ بعد أكثر من ست سنوات من شلالات الدم، وحالة الاحتراب الداخلي بين قطاعات الشعب الليبي، وانقسام سياسي وقبائلي ومناطقي، سقط خلاها آلاف الضحايا منذ ثورة فبراير 2011 وحتي الآن، مع ظهور كبير للجماعات المتطرفة، التي تجاوزت خطورتها حدود ليبيا إلي دول الجوار في العالم العربي واوربا، وطوال الأزمة كان المجتمع الدولي خلالها عاملا مهما في إسقاط النظام السابق، وحاول ان يساعد في إيجاد حل عبر اهتمام من الاممالمتحدة، من خلال العديد من المبعوثين المختصين لهذا الملف. وجاء الدكتورغسان سلامة الذي عينته الاممالمتحدة مبعوثا جديدا لها، وهو اختيار متميز فهو لبناني ينتمي إلي المنطقة العربية، اي يتحدث بنفس لغة القوم في ليبيا، أستاذ علوم سياسية، تولي من قبل مناصب وزارية في بلده، ليحمل أملا جديدا في إيجاد حل، حيث بدأ مهمته علي الفور من خلال تقديمه لخطة العمل الجديدة من أجل ليبيا، أمام الاجتماع الدولي الذي عُقد في مقر الأممالمتحدة في نيويورك، علي هامش اجتماعات الجمعية العامة في سبتمبر الماضي. وتقوم الخطة المقترحة علي خمس مراحل، تبدأ بتعديل الاتفاق السياسي الذي تم في مدينة الصخيرات المغربية وأفضي لتشكيل حكومة »الوفاق الوطني»، ومن عقد مؤتمر وطني برعاية الأمين العام للأمم المتحدة، بمشاركة الأطراف السياسية في البلاد جميعها، وحث هيئة صياغة الدستور لمراجعته وتنقيحه، قبل مطالبة مجلس النواب بالدعوة لاستفتاء دستوري وانتخابات برلمانية ورئاسية، علي أن تتم المرحلة الأخيرة من الخطة (الاستفتاء والانتخابات) في سبتمبر من العام القادم لتشكل بذلك نهاية المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد. وطالب سلامة إلي ضرورة تحقيق تقدم ملموس في مجالات عدة (خلال تنفيذ الخطة)، خاصة فيما يتعلق بالإعداد للانتخابات المقبلة، وإقامة حوار مع الجماعات المسلحة، بهدف إدماج أفرادها في العملية السياسية والحياة المدنية، وتوحيد الجيش الليبي، مع استمرار جهود المصالحة واتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة قضية النازحين. وقد لاقت خطة العمل الجديدة دعما أوربيًا من العواصم المعنية بالازمة. ومن الطبيعي ان تكون هناك ملاحظات من جهات عديدة علي خطة العمل، الا ان ذلك لا ينفي أهمية خطة سلامة، في انها نزعت القدسية المزيفة عن الاتفاق السياسي المعروف باسم اتفاق الصخيرات في المغرب، والذي تم التوافق عليه في ديسمبر 2015 وعلي اساسه تسير الحياة السياسية، حيث تم مد عمل مجلس النواب، وتشكيل مؤسسات وادوار جديدة تُمارس عملها باعتراف دولي، ومنها رئيس الوزراء والمجلس الرئاسي، وأجاز فتح باب التعديلات لبعض نصوصه، خاصة المادة الثامنة التي اكتشف الجميع انها »أم المشاكل» امام اي حل للازمة الليبية، حيث تعطي مهام القائد الاعلي للجيش الليبي، وتعيين عدد من المناصب القيادية إلي المجلس الرئاسي، وهو ما يمس دور المؤسسة العسكرية بعد الجهود التي قامت بها، في سبيل توحيد الجيش من جهة، ومن مواجهة الجماعات الإرهابية في ليبيا. ولعل فكرة الحوار الشامل تمثل »الحل السحري للأزمة»، خاصة إذا كان هناك حرص من القائمين عليه والداعين له، علي دعوة الجميع بدون استثناء احد، مهما كان من المشاركة فيه، سوي تلك الجماعات الإرهابية، وهي معروفة للجميع دوليا وليبيا، فقد جرب الليبيون خلال السنوات الماضية، الحوارات علي مستوي المؤسسات، بين الداعمين لمجلس النواب والمتحفظين علي عمله منذ البداية، كما سعت جهات عديدة إلي حوار مناطقي، قائم علي أساس قبلي، ولَم يجد حتي علي مستوي محدود، وكلها لم تسهم بشكل إيجابي في التوصل إلي حل للأزمة. المطلوب الآن حوار بين ثوار فبراير 2011 وأنصار ثورة الفاتح من المنتمين لحقبة القذافي، خاصة والنتائج التي أثمرت من سقوط النظام الماضي، ليست مثمرة، وهم كلهم ليبيون حتي الجماعات المسلحة مطلوب مشاركتها في العملية السياسية، ودمجها في المؤسسة العسكرية والأمنية، طالما لم تتورط في سفك دم الليبيين، وتقبل بالتخلي عن سلاحها. واقتصر دورها علي إسقاط النظام السابق.