إذا لم يكن السياسيون والعسكريون الليبيون قد استوعبوا الدرس من الأضرار الجسيمة التى لحقت بالشعب الليبى نتيجة الخلافات والصراعات، وتنامى الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وإذا لم تمارس القوى النافذة دوليا وإقليميا، ضغوطا عليهم فربما يكون مصير خريطة الطريق التى اقترحها مبعوث الأممالمتحدة ووصفها أمينها العام بأنها فرصة ثمينة يتعين اغتنامها للتوصل إلى تسوية، كمصير اتفاق الصخيرات، الذى وضع الخطوط العريضة لحل الأزمة قبل نحو عامين ولم يتم تنفيذه بسبب اعتراض مجلس النواب عليه ورفضه منح الثقة لحكومة الوفاق الوطنى التى شكَّلها بمقتضاه فايز السراج. صحيح أن الخطة لاقت دعماً دولياً وترحيبا إقليمياً ومن أطراف ليبية كثيرة، إلاَّ أن الطريق ليس مفروشاً بالورد مما جعل المبعوث غسان سلامة يؤكد أكثر من مرة أن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما تنص المرحلة الثالثة للخطة يتطلب أن يقبل الجميع بنتائجها النهائية مهما تكن، مستشعراً فيما يبدو صعوبة ذلك نظراً لكثرة عدد الأطراف واختلاف توجهاتها ومصالحها وأهدافها.كما أكد ضرورة أن يقر مجلس النواب التعديلات التى ستجرى على اتفاق الصخيرات ويسن القوانين اللازمة للاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات وأن يعمل الجميع على تحسين الوضع الأمنى وتحقيق الاستقرار السياسى، وتوسيع نطاق المصالحة الوطنية والدخول فى حوار مع الجماعات المسلحة لدمج عناصرها فى العملية السياسية وإعادتهم إلى الحياة المدنية مع العمل بالتوازى على تنفيذ مبادرة لإعادة توحيد الجيش،ومعظمها قضايا صعبة تحتاج إلى جهود مستميتة متواصلة وإجراءات لبناء الثقة المفقودة وإبداء حسن النية والالتقاء فى منتصف الطريق بالتخلى عن مقولة: تنفيذ كل مطالبى أو لا اتفاق. الخطة التى بدأت مرحلتها الأولى فى تونس الأسبوع الماضى لتعديل اتفاق الصخيرات لحذف المادة الثامنة الخاصة بقيادة الجيش المرفوضة من مجلس النواب ومن قائد الجيش الوطنى خليفة حفتر وللاتفاق على بديل لها مع خفض عدد أعضاء المجلس الرئاسى إلى ثلاثة وفصله عن الحكومة الانتقالية وتحديد عدد أعضاء واختصاصات المجلس الأعلى للدولة(الغرفة الاستشارية للبرلمان)أبدى رئيس لجنة الحوار بمجلس النواب تفاؤله بها قائلا: إنها أول خريطة طريق واضحة لا تركز على الأسماء بقدر ما تركز على استعادة مؤسسات الدولة التى قال المبعوث الدولى إن بعضها مخطوف وبعضها منقسم وبعضها نائم.لكن المتحدث باسم المؤتمر الوطنى العام (البرلمان السابق) شكك فى إمكانية نجاح الخطة قائلاً إنها تتجاهل الواقع القائم ولا تستطيع أن تنتج مشروعاً وطنياً كالذى يتحدث عنه سلامة فيما يبدو أنه عدم ارتياح من المؤتمر لما قد يصيبه تطبيقها من أضرار خاصة الاعتراف المحتمل، بقيادة حفتر للجيش رسمياً وهو ما عارضوه فى الماضى. ورغم الحديث عن توافق عام مسبق حول تقليص أعضاء المجلس الرئاسى وفصل الحكومة عنه وتحديد دوره فإن الخلافات غير مستبعدة حول إعادة تشكيل المجلس الأعلى للدولة وتحديد صلاحياته لأن رئاسة مجلس النواب وحفتر اعترضوا على ضم بعض الإسلاميين المتشددين لعضويته، وعلى أن يكون له أى دور تشريعى متمسكين بأن هذا الدور من اختصاصات النواب فقط،كما ينتظر الخلاف حول هوية القيادة الموحدة الجديدة للقوات المسلحة فى ضوء إصرار السرَّاج كرئيس للمجلس الرئاسى والحكومة الحالية على أن تكون القيادة العليا سياسية وبيده، بينما يتمسك عقيلة صالح رئيس مجلس النواب بأنها من حقه لأن المجلس لم يمنح الثقة للحكومة ولا يعترف بمجلس الرئاسة، ولذلك من غير المستبعد أن يعترض مجلس النواب على بعض ما يتفق عليه المتحاورون من تعديلات لاتفاق الصخيرات،كما قد لا يتوافر النصاب القانونى لانعقاد جلسته فى ضوء مقاطعة بعض أعضائه لأعماله إما للاختلاف مع رئيسه أو لأسباب أمنية وسياسية. وفيما يتعلق بالمرحلة الثانية من خريطة الطريق فتنص على عقد مؤتمر وطنى شامل يضم أعضاء مجلسى النواب والدولة وشخصيات ومسئولين سابقين وشيوخ قبائل وممثلين عن هيئات نسائية وأقليات برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة داخل ليبيا أو خارجها للتوصل إلى إجماع واسع حول الخطوات التالية فى العملية السياسية وإطار زمنى لتنفيذ الخطة واختيار أعضاء ورئيسى المجلس الرئاسى والحكومة الانتقالية،وهو ما سيشهد غالباً اختلافات وجدلا عقيما قد يصل إلى حد انسحاب أعضاء أو مقاطعتهم للجلسات أو حول مكان انعقاده مما يؤخر تحقيق الاتفاق المنشود ويجعل تنفيذ الخطة خلال سنة صعبا، ثم ماذا عن الجماعات المسلحة وهى بالمئات قبلية وجهوية ودينية؟، كثيرُ منها لن يشارك فى المؤتمر مثل أتباع داعش والقاعدة، وبالتالى لن تلتزم بمقرراته وستواصل إثارة القلاقل وتعكير أجواء الأمن إن لم يكن لإفشال المؤتمر فلمنع إجراء الانتخابات أو الاستفتاء على الدستور، وغالبيتها لن توافق على إلقاء السلاح والإندماج فى جيش موحد أو فى الحياة المدنية إلاَّ إذا حصلت على مزايا وتعويضات ورواتب وتعهدات واضحة بعدم محاكمة أفرادها على جرائم ارتكبوها قبل الاتفاق وهى شروط قد لا تستطيع الحكومات المقبلة الوفاء ببعضها كما حدث فى دول إفريقية عديدة فعادوا إلى التمرد وحمل السلاح. لمزيد من مقالات عطية عيسوى