علقت هذه الصورة في مكان بحيث وأنا داخل أو خارج من مكتبي أنظر إلي الصورة وأقول : سلام عليكي يا مصر مهما غربوا بك أو شرقوا بك، بحبك يا مصر. إذا أردت أن تتحدث عن قوة مصر الناعمة كيف كانت وإلي أي مدي وصلت، سوف يكفيك أن تتحدث عن الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، هذا العاشق المتيم المحب لمصر، شوارعها حواريها، أزقتها، مسارحها، مكتباتها، عاشق ومتابع لنتاجها الثقافي والفني والأدبي، مهموم بأمرها، مثله مثل كل مصري مخلص لتراب هذا الوطن، إذا كانت مصر في أزمة ستجده يخف مع بقية زملائه من حكام الإمارات لنجدتها، ظهر ذلك ولايزال في كثير من المواقف، ولا يعتبر ما يقدمه أو ما يقدمونه مناً، أو تفضلاً علي مصر، ولكنه بعض من الدين المعلق في الرقاب، » ومهما فعلنا فلن نوفي مصر جزءا من دينها المعلق في رقابنا ».. هو نفسه يقول بلهجة مصرية، مازالت عالقة بلسانه » أنا صناعة مصرية 100%»، ولم يكتف بهذا الكلام الجميل بل قال » مصر لها فضل عليّ كفضل الشمس علي الأرض » الحديث عن الشيخ سلطان القاسمي له مداخل عديدة تحتاج إلي فرد كتب، مدخل لتجربته الفريدة ونجاحه الفريد في صبغ إمارته بصبغة ثقافية متفردة لا تناظرها فيها أية إمارة أو ربما دولة عربية أخري، وبنفس طويل لا يعرف الملل أو الكلل، نجح عبر أكثر من 40 عاما في أن يجعل مثلا من معرض الكتاب في إمارته الصغيرة أحد أهم 3 معارض للكتب في العالم، ويجعله قبلة للناشرين الذين يتزاحمون كل عام لحجز مساحاتهم مقدما، وهناك مدخل عن شخصه كعالم وباحث لم تشغله أمور الشارقة عن محراب العلم الذي دخله عن طيب خاطر طائعا متعبدا ليحمل العديد من درجات الدكتوراة نتاج عطاء علمي حقيقي ظل يقوم بتدريسه، حتي سنوات قليلة مضت في جامعة الشارقة، مداخل كثيرة، ولكني أعود إلي حديثه عن معشوقته مصر، التي وقع في هواها شابا فتيا، ولم يتبرأ من هواها يوما، مهما تقلبت بها الظروف والأيام. جاء القاسمي إلي مصر في أواخر الستينات ضمن 65 طالبا للعلم، والتحق بجامعة القاهرة، وتحديدا كلية الزراعة، وتلقي العلوم علي أصولها في الفترة الذهبية للجامعة، وتفتحت مداركه علي مصر في فترة تألقها الثقافي والفني وزامل فنانين عظاماً في أنشطة الجامعة أمثال عادل إمام وصلاح السعدني، وعندما عاد إلي الشارقة، وبعدها تولي حكم الإمارة، لم تنقطع سلطته يوما بمصر حتي أنه يفتخر بعمله مراسلا صحفيا لمجلة آخر ساعة في الستينات. داعبه أحدهم بأنه بعد عن محبوبته ولكنه يقول : وأنا طالب قمت بالتقاط صورة بالكاميرا الخاصة بي لمنطقة علي كورنيش النيل من جهة شارع البحر الأعظم، وكانت صورة لصيادين يقومون بإنزال ما رزقهم الله به علي الشاطئ، علقت هذه الصورة في مكان بحيث وأنا داخل أو خارج من مكتبي أنظر إلي الصورة وأقول : سلام عليكِ يا مصر مهما غربوا بك أو شرقوا بك، بحبك يا مصر. ما قدمه الشيخ سلطان القاسمي من ملايين لمصر ذهبت لإعادة ترميم وتطوير المجمع العلمي الذي حرقه السوقة والدهماء، أو لإنشاء دار للمخطوطات والوثائق بأحدث تكنولوجيا العصر، أو تم توجيهها إلي جامعة القاهرة »ومن يقف في ميدان الجيزة يشاهد مكتبة كلية الزراعة التي انشأها الشيخ سلطان علي الطراز الإسلامي»، أو لمستشفي سرطان الأطفال، أو حتي لأسر الشهداء، تبقي لا شيء مهما كبرت، وهي بالفعل كبيرة، أمام دوره في الذود عن مصر في كل محفل عربي أو دولي باعتباره ابنا شرعيا لها. لو كان بيدي لقررت تدريس جانب من إبداعه المنشور عن مصر لطلابنا ليعرفوا المعني الحقيقي لمصر، أم الدنيا بجد. جلد الذات في القصر العيني نجد متعة في جلد الذات. آفة مجتمعية سقطنا فيها جميعاً، عامة وحتي مثقفين، نجد متعة في تعظيم النواقص، وتقزيم الإيجابيات إذا حدثت، ونقول إنها استثناء، أو محض الصدفة، أو أنها حالات فردية. خد عندك مثلا في مجال الطب، نفرد الصفحات في الجرائد والمجلات للحديث عن مسلسل إهمال الأطباء وعن أحوال مستشفياتنا المتدنية، ونتغني بزمن مضي وولي كان فيه مستوي خريج قصر العيني يعادل نظيره في إنجلترا وربما أكثر، ولكن عندما يحدث شيء للتغلب علي هذا الواقع المر فيجب أن نلتفت ونصدق وندعم ونسمع لمساحة الضوء أن تزيد في مواجهة ظلام الواقع.. تعرض قصر العيني، قلعة مصر الطبية، لأزمات كثيرة وتجريف نال من سمعته ولكن الأمر ليس بهذا السواد الذي نعتقده.. الأمر بدأ يتغير إلي الأحسن.. لا نقول إن الدنيا وردية.. فقط نقول إنها تتجه إلي الأفضل.. الأرقام تؤكد هذا والأرقام هذه المرة ليست محلية يمكن اللعب فيها، ولكنها من جهات دولية محترمة لها سمعتها التي تحافظ عليها، ولها معاييرها العلمية في التقييم. الأرقام التي فاجأني بها د. فتحي خضير عميد طب قصر العيني تقول إن هذه الكلية العريقة بدأت تعود لسابق مجدها وأنها أصبحت قبلة يدرس بها طلاب أجانب وأن هناك 2829 طالباً يحملون 17 جنسية منهم علي سبيل المثال 26 طالباً يحمل الجنسية الأمريكية. المفاجأة كما يضيف د. فتحي تؤكد أن طب قصر العيني قفز في ترتيب أهم المدارس الطبية علي مستوي العالم من المركز 551 إلي المركز 201 يعني أنه قفز 300 مركز مرة واحدة لتكون الثاني عربياً بعد طب جامعة الملك سعود التي تسبقنا بسبب يتعلق بوجود أعضاء تدريس من أكثر من دولة من دول العالم ( 14 جنسية ) وهذا الأمر بدأنا نتغلب عليه بالاستعانه ب 22 أستاذاً غير مصر ليكونوا منتسبين ضمن هيئة التدريس لذلك فمن المنتظر أن يقفز تصنيف قصر العيني مجدداً. الذي قد يتفاجأ به البعض وربما لا يصدقه هو أن طب قصر العيني تتقدم في التصنيف العالمي علي عدد من كليات الطب في هولندا وألمانيا بعدد الأبحاث العلمية وبمستوي الخريجين، رغم أن الدفعة التي يتم تخريجها تبلغ 1150 خريجا، وهو ما يعادل 8 أضعاف أية كلية طب مناظرة في العالم باستثناء الصين. والذي قد تفاجأ به أيضا ويجب أن نصدقه ونفتخر به هو أنه حسب التقييم البريطاني فإن خريج طب قصر العيني هو الأفضل وهي أحسن كلية طب خارج إنجلترا. بقي أن نعرف أن طب قصر العيني بها 17 مستشفي منها مستشفي فريد لا مثيل له إلا في بعض الدول المتقدمة لعلاج مرض السكتة الدماغية وآخر لعلاج مرض الإدمان وبقي الأهم.. أن الحياة ليست وردية ومازال أمامنا الكثير والأهم أيضاً أن لدينا مشكلة كبيرة في المنظومة الطبية ومنظومة التمريض.. طبيب شاطر مع تمريض متسيب.. النتيجة صفر. الوزيرة والدراجة قبل سنوات دعيت ضمن وفد صحفي لمتابعة التجربة الانتخابية في الدنمارك، وحسب البرنامج التقينا بجريتاروسبن وزيرة الثقافة السابقه، ليس بحكم أنها كانت وزيرة ولكن لأنها عضو نشط وفعال في مجلس إدارة المعهد المصري الدنماركي للحوار.. وبعد انتهاء اللقاء الذي تم في مقر البرلمان كان مقرراً أن تصاحبنا في بداية جولة نمر بها علي بعض اللجان.. نري كيف تتم العملية الانتخابية.. المهم أننا اتجهنا إلي سيارة معدة لتحركات الوفد الإعلامي المصري، وفوجئنا بالوزيرة تركب دراجتها لكي تنتقل إلي أول لجنة سنبدأ منها الجولة.. وراح الصحفيون المصريون يصورونها وهي تركب الدراجة، رغم أنها تجاوزت الستين بكثير، واستغربت من تصرفنا وتساءلت عن سبب قيامنا بتصويرها! جزء من دهشتنا بدأ يزول عندما شاهدنا عشرات الآلاف من الدراجات تركها أصحابها في محيط محطات القطارات.. يتركونها ويستقلون القطارات للمسافات البعيدة. الدراجة وسيلة نقل أساسية، لا علاقة لها بوضعك الاجتماعي، وزيراً أو غفيراً.. لماذا أركب سيارة إذا كان المشوار يمكن أن أقضيه بدراجة ؟ رياضة ولياقة وصحة، إضافة إلي توفير فلوس البنزين، والبعد عن حرقة الدم والأعصاب بسبب البقاء محبوسا بالساعات داخل السيارة. أوروبا كلها تقريبا تنتهج نفس المنهج سواء في الدراجات العادية أو البخارية وتصل لذروتها في بلد مثل هولندا. عندنا في مصر الأمر مختلف تماماً نحب » الأنزحة » ونقيم الناس بالمظهر.. راكب سيارة ولا لأ ؟ والسيارة نوعها إيه ؟ لابس ملابس ماركات »سينييه » ولا من الوكالة ؟ وانتهي بنا الأمر إلي أن جميعنا يريد أن يركب سيارات.. البعض قد لا يفي بمصاريف تعليم أولاده أو مستلزمات البيت من أكل وشرب ويذهب ليشتري سيارة بالقسط، وهو يبرر لنفسه عملته : » هو انا أقل منها.. واللي ركبوا عربيات أحسن مني في إيه ؟» مناسبة هذا الكلام أن محافظ القاهرة وقع من فترة بروتوكول تعاون بين المحافظة وبرنامج الأممالمتحدة المستوطنات البشرية لتحديد مسارات خاصة لسير الدراجات في شوارع القاهرة التي تحولت إلي جراج مفتوح.. هذه ليست المحاولة الأولي لإقناع قطاع من المواطنين بركوب الدراجة بدلا من السيارة.. من قبل حاول محافظ الفيوم السابق وقام بإنشاء » تراك » خاص للدراجات حول بحيرة قارون وبعد أن صورت كاميرات الفضائية الحدث عاد كل شيء لأصله.. محافظ المنوفية الحالي خاض التجربة كاملة وقام بعمل مسار خاص للدراجات في شوارع شبين الكوم ليشجع الناس علي ركوبها.. ما حدث هو أن أصحاب السيارات اعتدوا علي المسار واحتلوه بسيارتهم، ومات المشروع إكلينيكيا. هناك فئة تفرح القلب من شبابنا الذين يمارسون هواية ركوب الدراجات لإشباع الهواية في الصباح الباكر عادة يوم الجمعة حيث تكون الطرق خالية.. شباب من الجنسين » ولاد ناس » قرروا عدم الإلتفات لمحاذير الأمهات.. هذا يؤكد أن الشباب في الغالب يكونون أكثر مرونة من الأهل الذين يرفضون رفضاً باتاً فكرة أن يذهب ابنهم مثلاً لشغله فوق دراجة انت عايز الناس تقول علينا إيه ؟.. الناس تاكل وشنا». يرضون الأمر من الأجانب الذين يعيشون في مصر وينبهرون بهم، ولا يرضونه لأحد من أبنائهم.. انفصام في الشخصية. أتمني من كل قلبي أن تكتمل مبادرة محافظ القاهرة وأحقق أمنية أصغر أبنائي في الذهاب إلي مدرسته وإلي النادي بالعجلة، وأحقق أنا نفسي أمنيتي في التحرك في شوارع القاهرة فوق دراجة جيدة لا أحمل هم ركنها أو هم سرقتها والأهم ألا » يكسر علي » سائق سيارة ملاكي أو نقل أو توك توك. عمرو أديب عمر أديب إعلامي استثنائي. لا تملك إلا أن تتابعه، حتي وإن اختلفت معه في الرأي، أو في أدائه وأسلوبه. لا أستطيع أن أقول إنه مذيع بالمعني العلمي أو الأكاديمي، الذي تعلمته، أنا وهو في كلية إعلام، فهو قد تخرج في إعلام القاهرة، بعدي بعام في دفعة 1986 (يطلقون عليها دفعة رؤساء التحرير ). له طريقته المتميزة، المتفردة، وتوليفة سحرية لا يجاريه فيها أحد، ولا يمكن لأنها قائمة علي مهاراته الشخصية الإنسانية، صوته، أداؤه، حركاته حتي رفعة أكتافه وحواجبه أو علامات الإمتعاض التي يصنعها بفمه ووجهه. في السياسة تجد ذهنه حاضراً وواعياً، ولكنه يحلل السياسة بروح الشيف في المطبخ. مع » الهوانم » أشفق عليه عندما يجلس معهن لتناول الشأن العام، يستأسدون عليه، ولكنه بخفة ظله وذكائه يخرج منها زي » الشعرة من العجين » ويخرج من كل واحدة منهن بأفضل ما لديها » بالمناكفة » وجر الشكل. أما أمتع حلقاته فتكون مع المطبخ ففيه يجد نفسه ويطلق العنان لنفسه ولا ينصاع لنصائح أطبائه، أو تعليمات » الكنترول روم ».. أمام الأكل تخور قواه. صديق لكل الفنانين، ويستدرجهم جميعاً للبوح بالأسرار عن طيب خاطر، بدون سيف الحياء، وبدون فضائح لذلك يحبونه جميعاً ومعه يبدعون بأفضل أغانيهم. إنه عمرو أديب الإعلامي الحالة، الذي فتح لنفسه فصلاً جديداً خاصاً به يتم تدريسه لطلاب الإعلام الفصل اسمه : حالة عمرو أديب.