عام 4691 وقتها كنت تلميذاً بمدرسة روض الفرج الثانوية أيام ان كان هو رئيساً لتحرير مجلة فكاهية اسمها »اضحك« كان يصدرها ضابط بوليس سابق اسمه »برتي بدار« ومقرها 41 شارع زكي بالتوفيقية!.. المهم ركبت الترام من شبرا متشعبطاً ومعي إنتاجي من مقالات وقصص قصيرة وخواطر ضاحكة مكتوبة في كراسة وضعتها ما بين البنطلون والفانلة الداخلية حتي لا تسقط مني أثناء مطاردة الكمساري لشخصي »المتشعبط« دون تذكرة وإلي أن وصلت إلي العنوان.. استقبلني يومها عبدالسلام شهاب رئيس تحرير »اضحك« والمؤسس لعدة مجلات مشابهة كان ظهورها قد سبق هذه المجلة بسنوات منها »الصرخة« و»المطرقة« و»ابن البلد« وغيرها من مجلات ذلك الزمن الرايق »أبو ضحكة حلوة«!. بعدها راح يقرأ ما كتبته في الكراسة التي ناولتها له وراح يبتسم بل ويقهقه بصوت عال لدرجة أوقعت طاقم أسنانه بسبب فتحة الفم المتسعة التي جاء علي إثرها الشاعر الساخر محمد مصطفي حمام وفتحي قورة وعبدالله أحمد عبدالله »ميكي ماوس« وحسيب غباشي من صالة التحرير إلي مكتبه مباشرة معبرين عن إعجابهم بالأسلوب والروح وخفة الظل.. واضعاً بعدها عبدالسلام شهاب يده في جيبه الخاص ويمنحني جنيهاً كاملاً »علشان تركب وتقطع تذكرة وتحط رجل علي رجل وانت راجع«!.. علاوة علي الجنيه ناولني ساندويتش طعمية وحتتين مخلل من إفطار كان أمامه تشجيعاً لي وليس ل»الطعمية« كما قد يتبادر إلي الذهن!. ولقد عرفت وأحببت عبدالسلام شهاب ومن يومها وبسببه تركت المذاكرة والمدرسة وأصبحت كالمجذوب وراءه في كل »حتة« يتواجد بها وأيضاً في مكاتب المجلة إلي أن أغلقت أبوابها وأنشأ صاحبها مصنعاً للكرتون مازال موجوداً في الزاوية الحمراء لتصنيع الأكياس والعلب البلاستيك وكراتين البيض!. من بعدها أدرك عبدالسلام شهاب أن عصر الضحك قد ولي وزمن الفرفشة قد انقضي والأيام لم تعد هي الأيام فانزوي مهموماً حتي آخر أيامه في جريدة الأهرام يعمل رئيساً لقسم المراجعة وظيفته صياغة الأخبار وإعادة كتابة التقارير الصحفية إلي جانب كتابة باب »البخت« طوال سنوات طويلة إلي أن مات!. قبل أن يموت كان قد ترك لي جزءاً كبيراً من أشعاره وانتقاداته وقصة حياته ناولها لي في كشكول ضخم أمام الرسام الراحل عبدالمنعم رخا والفنان صلاح السعدني والمخرج محمد فاضل وكنا أيامها نتواجد معه بشكل دائم علي مقهي »أسترا« مكان كنتاكي حالياً في ميدان التحرير »أتمني من أي دار نشر أن تتولي نشرها في كتاب« فكلها أشعار وانتقادات تنطق بالسخرية والنأوزة من كل الأوضاع السياسية في ذلك الحين إلي جانب أوضاع اجتماعية متردية وجانب إضافي من حياته عن »البخت« الذي مال!. أعتقد أنه لابد في مناسبة ذكري رحيله أن أقدم هذه القصيدة من أشعاره ومن بعد قراءتها أن نقرأ له »الفاتحة« ترحماً عليه!. رحم الله عبدالسلام شهاب فقد كان ساخراً عظيماً ومهموماً أعظم.. لذلك كان يضحك من كل شيء وعلي كل شيء حتي لفظ آخر أنفاسه!. كان يضحك من الحياة. وأحياناً يضحك عليها!. أنا وانت يا »ابن البلد« يا رايحين البلد سلامي لابن البلد والحلوة بنت البلد وابوها شيخ البلد وكل شيخ في البلد غريب في البلد مالوش ولد في البلد ولا وتد في البلد لكن باحب البلد وأموت في حب البلد أحب »نيل« البلد مغلي أرض البلد ومعلي زرع البلد ومحلي جو البلد ومسلي كل البلد أحب »نيلة« البلد أقصد قناة البلد سر الطمع في البلد جايبة النكد للبلد بييجي يوم تفيد البلد أحب ناس البلد من زارعين البلد وصانعين البلد منفعين البلد ومقفلين البلد دلوعات البلد ولاد ذوات البلد وولاد حواة البلد. أحب جيش البلد حامي حدود البلد حافظ شباب البلد مدد يا جيش البلد مدد لمجد البلد وبرلمان البلد ميزان لسان البلد ولسان ميزان البلد راسم أمان البلد أمين رسوم البلد وموظفين البلد منظمين البلد ومنظفين البلد من محظوظين البلد ومظلومين البلد ومعلمين البلد مقلمين البلد ومكلمين البلد ومقومين البلد ومنومين البلد وطيبين البلد مضببين البلد من طيبين البلد ومطببين البلد مطيبين البلد جزارين البلد مخنصرين البلد ومجنزرين البلد محظرين البلد ومغطسين البلد عيانين البلد.. ومدفونين البلد ومديونين البلد ومسجونين البلد وسجانين البلد وبياعين البلد مشبعين البلد ومجوعين البلد ومقمعين البلد ومولعين البلد ونازلين البلد النازحين للبلد من كل ملة وبلد دول ناس ضيوف البلد واحنا كرام البلد وكل شيء في البلد أحبه لاجل البلد حتي حمير البلد وترمايات البلد ورخره »كارو« البلد والمحسوبين علي البلد من شحاتين البلد ومشحتين البلد وحشاشين البلد ونتاشين البلد وكل من من البلد من حاكمين البلد ومحكومين في البلد وأنا وانت يا ابن البلد واللي يحبوا البلد..