هناك ثنائيات يظنها بعض الناس متناقضة ، لما قد يتوهمه البعض من تقابل ظاهري بينها ، غير أنها ليست كذلك ، نذكر منها : الدنيا والآخرة ، فالدنيا ليست نقيضًا للآخرة ، فما أجمل أن نعمر الدنيا ونربح بعمارتها الآخرة ، يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) »نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحِ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ» ، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : » إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ». الغني والزهد ، فقد قال العارفون من العلماء : ليس الزاهد من لا مال عنده ، إنما الزاهد من لم تشغل الدنيا قلبه ولو ملك مثل ما ملك قارون ، وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله) : أيكون الرجل زاهدًا وعنده ألف دينار ؟ قال : نعم ، إذا كان لا يفرح إذا زادت، ولا يحزن إذا نقصت. الأخذ بالأسباب وحسن التوكل علي الله (عز وجل) ، فالتوكل الحقيقي هو القائم علي حسن الأخذ بالأسباب ، وشتان ما بينه وبين التواكل الذي يركن صاحبه ركونًا خاطئًا إلي القدر مع إهمال الأسباب، وقد كان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة. الخوف والرجاء ، فالإنسان يجب أن يكون علي حال بين الرجاء والخوف وإن غلب أحدهما علي الآخر ، غير أن أحدهما ليس نقيضًا للآخر ، فالأمل المفرط قد يدفع إلي التراخي ، والخوف المفرط قد يجنح بصاحبه إلي اليأس والقنوط. القوة والرحمة ، شريطة أن نضع الرحمة في موضعها والقوة في موضعها ، يقول سبحانه : »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ». علي أننا يجب نفرق بين الرحمة وبين الضعف والجبن والخور من جهة ، وبين القوة في الحق وبين التشدد والتكلف والتنطع والشطط الذي قد يصل إلي حد التطرف والإرهاب من جهة أخري. الإنساني والمهني ، ذلك أن الإنساني قد يطغي عند بعض الناس علي الواجب المهني ، وبما قد يخل بالواجب المهني أو الوظيفي ، وقد يطغي المهني علي الإنساني فيخسر القائد أو المدير أو المسئول قلوب وعقول كل من حوله ، لافتقاد البعد الإنساني ، وكلاهما لا يؤدي إلي الإنجاز بإخلاص علي الوجه الأكمل ، فما أجمل أن يخلق القائد أو المدير جوًا من المودة والرحمة في نطاق مسئوليته ، فيعمل الناس بحب وتفان وبما لا يخل بواجبهم المهني أو الوظيفي ، ومن شذ عن السياق فلا يلومن إلا نفسه. الثقة والمتابعة ، حيث يعتمد بعض الناس علي مبدأ الثقة المفرطة ، فلا يحسن متابعة ما كلف به اعتمادًا منه علي الثقة فيمن استعان بهم ، وقد تصل درجة المتابعة إلي حدود الشك والارتياب في كل شيء ، فالأول تفريط والآخر إفراط ، ذلك أن المتابعة لا تعني الشك ، وأن الثقة لا تعني عدم المتابعة ، إنما الأمر في حسن التوازن ووضع كل شيء في موضعه وبالقدر الذي يناسبه. الرجل والمرأة ، العلاقة بين الرجل والمرأة ليست علاقة تناقض أبدًا ولن تكون ، إنما هي علاقة تكامل ، حيث يقول الله سبحانه : » وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ». الشباب والشيوخ ، العلاقة بين الشباب والشيوخ ليس علاقة صراع ولا إقصاء ، ولن تكون ، ولا يجب أن تكون ، إنما هي علاقة تكامل ، فالمجتمع في حاجة إلي جهود جميع أبنائه خبرة الشيوخ وطاقة الشباب. الدين والدولة ، العلاقة بين الدين والدولة ليس علاقة عداء ولن تكون ، ولا يجب أن تكون ، فالدولة الرشيدة إنما هي صمام أمان للتدين الرشيد ، والتدين الرشيد لا يمكن أن يتصادم وبناء دولة ديمقراطية حديثة علي أسس وطنية وإنسانية راسخة.