سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
»حكيم النيل« د. عبد الفتاح مطاوع ل »الأخبار« موقفنا التفاوضي مع »دول الحوض« قوي جداً.. ولاداعي للقلق
»الخلع« مع الأفارقة وقع في 9002 لكن الثورة أعادت تصحيح المسار
د. عبد الفتاح مطاوع : اقترحت على د. شرف بناء سد جديد فى بحيرة ناصر سألته: لماذا تحدثت الآن فقط؟ رد: ليس كل ما يعرف يقال! قلت: يبدو أن الامر مرتبط باقالتك أكد: لم أقال ولكن الوزير أنهي انتدابي حوار مقتضب عبر الهاتف، جاء بعد أن كتبت في عمودي »انتباه« مهاجماً صمت د. عبد الفتاح مطاوع طويلاً، ثم خروجه بتصريحات نارية تكشف »بعض المستور« في ملف مياه النيل بكل خطورته وحساسيته لارتباطه بمستقبل مصر وامنها القومي. د. مطاوع كان حتي وقت قريب رئيساً لقطاع مياه النيل بوزارة الري، حتي عاد إلي موقعه الاصيل بالمركز القومي لبحوث المياه، نائباً للرئيس، غير أنه إلي جانب ذلك يحتل عضوية مجلس حكماء المجلس العالمي للمياه، ونائباً لرئيس معهد البحر المتوسط للمياه. أذن، هو خبير وحكيم، بحكم ممارسة عملية امتدت لاكثر من ثلاثة عقود، تخللها حصوله علي درجتي الماجستير والدكتوراه من الولاياتالمتحدة، من ثم فأنه يمتلك العديد من مفاتيح ملف مياه النيل، فضلاً عن الكثير من اسراره لماذا تمت أقالتك فجأة؟ - بداية.. حكاية الاقالة غير دقيقة، لقد عدت الي موقعي الاصلي نائباً لرئيس المركز القومي لبحوث المياه، يعني علاقتي بالنيل لن تنقطع. ولكنك أُبعدت عن رئاسة قطاع مياه النيل؟ - لماذا الاصرار علي وصف ما حدث بانه إقالة أو إبعاد، كل ما هناك انني كنت منتدباً من المركز القومي، وتم إنهاء انتدابي، وعلي فكرة من خلال موقعي القديم الجديد كمسئول عن أبحاث المياه، فإن ملف النيل سيظل في قلب اهتماماتي البحثية والوظيفية. ولكن أليس لتوقيت إنهاء الانتداب أي مغزي؟ - أسألوا اصحاب القرار.. عموماً هناك مرحلة جديدة ربما تحتاج إلي خبير بمواصفات مختلفة، المهم الا يتم إدارة الملف باسلوب الهواة، فهنا تكمن الخطورة. ماذا يعني هذا التلميح؟ - المسألة اعمق من مسئولية شخص بعينه عن ملف المياه، لان قضية النيل تمس الأمن القومي كله في الصميم، وبالتالي هي أكبر من قطاع داخل الوزارة أو الوزارة كلها، فجهات اخري عديدة معنية بملف مياه النيل.. صحيح ان وزارة الري هي المعنية بفنيات الملف لكن الي جانبها الخارجية والامن القومي وحتي الرياسة، وبالتالي فلابد من درجة عالية من الاحترافية في إدارة الملف، الأمر الذي افتقدناه خلال العامين الأخيرين. لماذا لم تتكلم او تتطرق إلي هذه المسألة قبل اقالتك أو انهاء انتدابك؟ - علاقتي بملف النيل قائمة منذ عام 49، ومنذ عام 0002 كنت نائباً لرئيس القطاع، ثم رئيساً له منذ 3002 وحتي شهر مضي تقريباً، وخلال مسيرتي المهنية كنت ملتزماً دائماً بأنه »ليس كل ما يُعرف يقال«.. بالعكس فإن الإعلان عن بعض المواقف أو تسريب معلومة قد يأتي بنتائج عكسية، وبالفعل فان هذا ما حدث عندما أخرج الوزير السابق د. علام الخلافات مع بعض دول حوض النيل الي النور، وربما كان لذلك انعكاساته السلبية الخطيرة، ومن غير المنطقي أن أقدم علي سلوك عكس قناعتي، أوأراه ضاراً بالأمن القومي أو المفاوضات حتي لو كان مفيداً لي علي المستوي الشخصي. بالرغم من كل هذا الكلام الجميل تكلمت بعد إنهاء الانتداب؟ - الموظف مهما كانت مكانته علي السلم الوظيفي محكوم بلوائح، ومنظومة لا يستطيع ان يتجاوزها، ثم هناك تعليمات واضحة للجميع بأن من يتكلم هو الوزير، أو بأذن مسبق منه، بل أن بعض المنشورات الرسمية منذ أكثر من 01 سنوات تلزم الجميع بعدم الكلام مع الإعلام، وفي المقابل تستطيع ان تخاطب رؤسائك وصولا إلي الوزير. وهل استخدمت هذا الحق؟ - بالطبع.. ولكن هناك متغير مهم.. الثورة.. قلت يا جماعة هناك ثورة، وقضية مياه النيل تشغل بال الجميع، ولا يجب التعتيم عليها في ظل حقائق خطيرة لابد أن تصل إلي الرأي العام، ونحن علي مشارف مرحلة جديدة، لهذا تحدثت، ولم يكن الامر مرتبطاً بالغاء انتدابي. ثمار المجازفة..! كنت شاهداً علي الكثير من التطورات الخاصة بملف النيل منذ عام 0002 فهل كانت الامور تسير بشكل طبيعي حتي خروج د. محمود أبوزيد من الوزارة؟ - ملحوظة صغيرة في البداية، فعلاقتي بالقطاع وبالملف بدأت منذ عام 49، كما اشرت، ولكن ما حدث عام 0002 انني اصبحت نائباً لرئيس القطاع، عموماً من موقعي رأيت فترات صعود وتعاون، ومراحل أخري شهدت هبوطاً وتوترات مع دول حوض النيل، لكن المسألة كانت مرتبطة باسلوب معالجة الجانب المصري لكل حالة، ففي أواخر التسعينات شهد الوضع بعض الاحتكاكات، وبالنسبة لي تحديداً كان لي »حسبة معينة« مفادها: لماذا لا نجرب الاقتراب انسانياً من الافارقة، وبدلاً من اسلوب الصدام في عهد السادات، ومع بعض دول الحوض في عهد مبارك لماذا لا نجرب الحوار اعتماداً علي علاقات شخصية طيبة وقوية مع من نتفاوض معهم، تكون مدخلاً للتعاون الرسمي، وبالفعل اعتمدت هذا الاسلوب علي مسئوليتي. هل هذا جائز من جانب موظف كبير يقوم بمهمة معينة باسم الدولة؟ - هي معادلة صعبة، لكن في النهاية لابد أن تأخذ المجازفة علي عاتقك، وعندما تجد ثماراً طيبة لمجازفتك تستمر في ذات الاتجاه! الي أي مدي كان الامر مجدياً بالفعل؟ - سوف أشير إلي مثال واحد.. بناء الثقة مع الاثيوبي تحتاج إلي نفس طويل، ليس بضعة شهور، وبما تمتد الحكاية ثلاث سنوات، تستضيفه في بيتك إذا كانت جولة المفاوضات في مصر.. وفي النهاية تستطيع أن تجد مساحة رائعة من الثقة تستثمرها لصالح بلدك بناء علي أرضية انسانية مشتركة قمت ببنائها دون كلل، وبتكرار التجربة بدأنا فترة شهر عسل مع معظم دول حوض النيل، واستمر العمل في هذا الاتجاه حتي 7002، وكانت المشروعات المشتركة تدعم علي الارض علاقاتنا معهم ليس في ملف المياه وحدها ولكن في العديد من الملفات الأخري. عظيم.. ماذا فجر أذن الخلافات فجأة؟ - بالفعل ماحدث كان يمثل مفاجأة.. كنا نقترب من التوصل الي نتائج رائعة، لكن ظهرت خلافات بشأن الاتفاقية الاطارية بين الوزراء، تفاقمت عندما حاولت بعض الاطراف استغلالها للاستهلاك المحلي، خاصة في اثيوبيا، وفي هذه الاثناء خرج د. أبوزيد، وتولي د. علام. الخُلع مع الافارقة! حتي الآن ثمة روايات متضاربة حول عملية الخروج والدخول للوزيرين.. أين الحقيقة؟ - صعب الجزم بأن يقول أحد أنه يمتلك الحقيقة الكاملة، لكن خروج د. محمود ابوزيد تأخر إذا كانت هناك خلافات بينه وبين رئيس الوزراء حينذاك د. نظيف وتداخل الشخصي مع العام، وما يتعلق بالسياسات، ثم ان التغيير الوزاري في تلك الأثناء لا يخلو من صعوبة بدعوي الاستقرار، وكان الخلاف حول الاتفاقية الاطارية وما أثير حولها مجرد ذريعة، المهم خرج ابوزيد وجاء علام، وكان من الطبيعي أن يأخذ وقته ليدرس ملف مياه النيل، وهذا ليس عيباً في الرجل. لكن الرياح جاءت بمالا تشتهي مصر؟! - بالفعل.. أنتهي شهر العسل مع الافارقة في 9002، ووقع »الخُلع« حتي قامت ثورة 52 يناير، وبالتالي فأنني انظر الي خروج د. علام علي أنه أحد ثمار الثورة! غريبة..! - ابداً.. الغريب ان يستمر علام بعد الثورة، فقد كان يوماً بعد آخر »بيبوظ« في الملف! كسر الجمود هل يمكن أختزال ماحدث بعد الثورة في خروج علام؟! - ابداً.. رغم ان عمر وزارة شفيق كان قصيراً، لم نضيع دقيقة، وطالبنا في قطاع مياه النيل بضرورة الاسراع في كسر الجمود بين مصر ودول حوض النيل، لكن الوزير قال: ليس هناك توجيهات جديدة! ومرة أخري قلنا: نحن مهندسين كسر الجمود، هذا عملنا وتلك مهمتنا، ثم بدأت عمليات اغتيال معنوي للقائمين علي ملف مياه النيل! والزعم بان هناك مخالفات داخل القطاع! وبالمقابل تعليمات لنا بأننا مهنيون وليس من حقنا التصريح للإعلام، والذي من جانبه يتهمنا بعدم التعاون.. يعني دخلنا في حلقة جهنمية مفرغة! وحينما طلبت وضع النقاط علي الحروف خلال مكالمة تليفونية مع الوزير العطفي، قال انه يواجه ضغوطاً، وأنه مشغول، وطلب مهلة يومين أو ثلاثة، ثم ارسل لي »خطاب شكر علي خدماتي« وأنهي انتدابي. هذا ملخص القصة، والباقي تفاصيل لا تهم الرأي العام.. والخلاصة ان الهواة استولوا علي المشهد وازاحوا المحترفين! أذن.. هل تم أهدار ما اسميته بثمرة خروج علام بعد الثورة؟ - بالطبع لا.. ملف مياه النيل متعدد الأطراف، ومسألة بهذه الدرجة من الخطورة لا تتوقف علي شخص. لكنك المحت إلي العكس، باشارتك إلي أن مسئول واحد يمكن أن يدفع باتجاه انقلاب دراماً تيكي وكأنه نقيض لا تجاه عام باعتباره التوجه نحو أفريقي خط رئيسي للسياسة المصرية؟! - في العموم.. ممكن لشخص واحد أن يهدم مؤسسة! سد عالٍ جديد اين المجلس العسكري ورئيس الحكومة من هذا الذي ترصده؟ - كتبت للدكتور شرف ماذا كان رده؟ - لم يرد..! ما تفسيرك لعدم رد رئيس الحكومة؟! - ربما يكون ما أرسلته تحت الدراسة مثلاً. ما فحوي رسالتك للدكتور شرف؟ - لم اكتف بابلاغه ان هناك هواة يخربون في ملف مياه النيل، لكني تجاوزت ذلك إلي التقدم باقتراحات للمستقبل مثل بناء سد عالٍ جديد في بحيرة ناصر، يوفر ملياري متر مكعب من المياه، فضلاً عن توليد الكهرباء، اقترحت ايضاً مد خط سكة حديد من الاسكندرية إلي العين السخنة ومرسي علم وصولاً إلي حلايب، يمر فوق السد الجديد المقترح وينتهي في توشكي، وبهذا نكون قد ربطنا المشروعات التنموية بعضها البعض. ومع ذلك لم يرد د. شرف.. لماذا لم تفكر في مخاطبة المجلس العسكري؟ - لا داعي للعجلة.. ولا داعي لتجاوز رئيس الحكومة.. ربما يكون ما اقترحته تحت الدراسة. أين الحقيقة؟ نعود لملف مياه النيل.. بينما نري أن سد الالفية الاثيوبي مفيد لمصر، تخرج دراسة امريكية تؤكد أنه كابوس لنا؟ - السد الاثيوبي لم ينشأ بعد، لكن ليس كل ما تقوله دراسة قام بها الاجانب دقيق مقابل التشكيك فيما يقول به الخبير الوطني! لا يعنينا سوي وضع الحقيقة تحت عيون الرأي العام؟ - لنتذكر معاً ما حدث اثناء معركة بناء السد العالي، وما فعله وما قاله الامريكان، وكيف حاولت واشنطن اللعب علي ما تتصوره تناقض المصالح بين مصر واثيوبيا، كان ذلك في الخمسينيات من القرن الماضي حينما اوحت لأثيوبيا ببناء مشروعات وسدود ظنت انها تؤثر بالسلب علي الطموحات المصرية، في السبعينيات انقلبت الآية، بفعل انقلاب التحالفات السياسية والتقارب المصري الامريكي، مقابل تقارب اثيوبيا مع الاتحاد السوفيتي السابق، والآن نشهد ما يمكن ان نصفه بأنه »كلاكيت ثالث مرة«، فأمريكا اصابعها هي وغيرها واضحة، وخروج دراسة أمريكية تحذر من كابوس لمصر بفعل السد الاثيوبي لا تخلو من أهداف سياسية واضحة. بعد كل ذلك.. بماذا تنصح المفاوض المصري في ملف النيل خلال المرحلة المقبلة؟ - أولاً لابد أن يكون علي يقين تام بأن موقف مصر قوي جداً قانونياً وفنياً، وأنه لا يتفاوض تحت ضغط الوقت، فالزمن معنا ولابد ان يشعر بانه يتفاوض مع موقع مريح، فهناك احتياطي مائي يحميك في بحيرة ناصر، وأخيرآً إذا كان مفهوم الشراكة حقيقة فسوف تكسب ثقة دول حوض النيل، وهي مسألة غاية في الأهمية عند الحديث عن مفاوضات تقود إلي تعاون بناء وحقيقي.