التزمت كعادتها اسرائيل بالصمت حيال اتهامها بالهجوم علي مركز الدراسات والبحوث العلمية في سوريا واكتفت برفض التعليق علي الأحداث في الوقت الذي تناولت الصحف العبرية هذا الحادث بالتعليق والتحليل استناداً إلي التقارير الإعلامية المنشورة في الغرب دونما إشارة واحدة لرد فعل رسمي من تل أبيب، وقد عمدت تلك التحليلات إلي تبرير قيام إسرائيل بهذا الهجوم. تجدر الإشارة إلي أن المركزالمستهدف يوجد في مدينة مصياف التي تقع علي مسافة 48 كم جنوب غرب مدينة حماة ويزعم موقع »دبكا» الإخباري العبري أن هذا المركز يشرف منذ السبعينات علي البرامج الصاروخية وبرامج الحرب الكيماوية التابعة للحكومة السورية، ويحظي مقر المركز بأهمية خاصة إذ انه يقع علي بعد 70 كم من قاعدة »حميميم» الروسية الجوية باللاذقية والتي تحتوي علي صواريخ الدفاع الجوي من طراز إس 400. وتذكر الصحف الإسرائيلية ان مركز البحوث العلمية هو الاسم الشفري لمصانع الأسلحة غير التقليدية السورية التي تتوزع علي ثلاث أماكن اثنان منها بالقرب من دمشق والثالث هو المركز الذي يدور الحديث عنه في مدينة مصياف. اتفاق الهدنة هذه هي المرة الأولي منذ يوليو الماضي -حين تم التوصل إلي اتفاق الهدنة بين نظام الرئيس بشار الأسد وفصائل المعارضة السورية- التي تخترق فيها إسرائيل المجال الجوي السوري وتهاجم احد الأهداف السورية بعد أن قامت خلال السنوات الخمس الأخيرة بمهاجمة الجبهة الشمالية وجبهات أخري لما يقرب من مائة مرة حسب تصريح قائد سلاح الجو الإسرائيلي المنتهية مدته العميد أمير اشيل لصحيفة هاآرتس. أما إذا تعاملنا مع الموقع المستهدف باعتباره موقعا حربياً لا مدنياً فتصبح هذه المرة هي الثانية التي تقوم فيها اسرائيل باستهداف موقع حربي سوري مهم يعتقد انه ينتج الأسلحة غير التقليدية، كانت المرة الأولي في 2007 أي قبل عشر سنوات حين دمرت ما يشتبه انه المفاعل النووي السوري بمنطقة دير الزور في عملية أطلقت عليها »عملية البستان». تباينت التقديرات الإعلامية الإسرائيلية للهجوم الأخير فبينما جاهر موقع دبكا المقرب للاستخبارات الإسرائيلية باتهام الولاياتالمتحدة بتدبير الهجوم والقيام به، رأت تحليلات أخري انه لوكانت إسرائيل هي التي قامت بالهجوم فسيكون ذلك بهدف سياسي لا علاقة له بسوريا نفسها. في حين نفي موقع »دبكا» الاتهام عن إسرائيل استناداً إلي تقرير سري صادر عن الأممالمتحدة يشير بقوة إلي تعاون وثيق بين سوريا وكوريا الشمالية في تطوير الأسلحة غير التقليدية وأسلحة الدمار الشامل الأخري المحظورة. بناء علي ذلك فقد رأي الموقع العبري ان ادارة الرئيس ترامپ لديها ما يكفي من مبررات لاستهداف المركز السوري وانه في ضوء التوتر بين واشنطن وپيونج يانج فربما رأت الأولي انه من المناسب الوصول إلي كيم يونج اون من خلال شريكه الخفي السوري بدلاً من التوجه إليه عبر هجوم عسكري مباشر. خطوة استثنائية تناولت تحليلات إسرائيلية أخري الهجوم باعتباره خطوة استثنائية من ناحية الهدف والتوقيت وخارجة عن المألوف في العلاقة مع سوريا، فقد رأي عاموس هرئيل المحلل في هاآرتس ان التوقيت حساس إذ يأتي بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل اليه في يوليو الماضي برعاية روسية وفي وقت انسحب الاهتمام الأمريكي بالأوضاع في سوريا بشكل ملحوظ واستجابت للمبادرة الروسية، كما ان كلا من العاصمتين لم تستجيبا للاعتراضات الإسرائيلية علي صيغة اتفاق تخفيف التوتر علي الحدود بعدم النص علي إبعاد ايران والميليشيات الموالية لها عن منطقة الجولان. لذلك فإنه يمكن النظر إلي الهجوم المنسوب لإسرائيل -حسب كلام هرئيل- بأن سوريا في ذاتها ليست هي المقصودة لكنه بمثابة رسالة لكل من القوتين العظميين روسياوالولاياتالمتحدة بأن عليهما ان تأخذا في الحسبان اعتبارات الأمن الإسرائيلية وبأن إسرائيل تستطيع إفساد أي تسوية مستقبلية في سوريا إذا أصرتا علي إبقائها خارج الصورة. معادلة التسوية في سياق مشابه كتب تسيڤي برئيل في هاآرتس أيضا أنه وفق اعتبارات المصلحة البحتة فقد حوّل هذا الهجوم إسرائيل إلي لاعب أساسي في معادلة التسوية المستقبلية حول سوريا. برئيل اتفق مع زميله -هرئيل- علي اهمية التوقيت لكنه نظر إلي دلالته بشكل مختلف فقد نسبه إلي تهديد موسكو باستخدام حق الڤيتو لو تم وصف حزب الله كمنظمة ارهابية كما انه يأتي بعد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مع الرئيس الروسي پوتين في منتجع سوتشي وهو اللقاء الذي خرج منه نتانياهو دون أن يظفر بالتزام روسي بالعمل علي سحب القوات الإيرانية من سوريا. برئيل يري انه بالنظر إلي تفاعلات القوي اللاعبة في سوريا بدءا من موسكووواشنطن وانتهاء بطهران وأنقرة فإنه من الضروري ان تدخل إسرائيل إلي الميدان السوري ولو بطريق غير مباشر.