الذي يفزعني أكثر من أحداث الفتنة الطائفية التي تشهدها مصر منذ سنوات، هو السبب وراء اشتعالها. المتابع للأحداث لابد أنه لاحظ أن وراء كل فتنة طائفية امرأة. النساء فقط في مصر يحركن الفتنة، بينما الرجال لا يحركونها. فما دلالة ذلك في المجتمع؟ ووراء كل فتنة امرأة مسيحية متزوجة تحديدا، وتريد أن تترك زوجها، أو هكذا أشيع. من المعلوم أن الطلاق ممنوع في المسيحية، وأن الأرثوذكس وهم مسيحيونا المصريون أكثر تشددا في هذا الموضوع. فالحل السهل أن تسلم المسيحية التي تريد الطلاق لأن الإسلام يبيحه. وصل الحال بمسلمين في هذا البلد المجروح المتأزم، إلي الفرح بأية مسيحية تدخل الإسلام ليس حبا فيه، وإنما لاتخاذه ذريعة للطلاق، سواء للخلاص من زوجها، أو للزواج بمن تحب. بدلا من أن يعتبر البؤساء في هذا الوطن مثل هذه الحالات عارا، يعتبرونها حالات للفخار. إلي درجة أن تخرج المظاهرات من آلاف المسلمين يحملون لافتات يكتبون فيها نداءات مثل "أفرجوا عن أختنا كاميليا". أو يشعلون النار في كنائس ظنا منهم أنها تحتجز "أختنا عبير". طيب من أختنا كاميليا أو أختنا عبير علي سبيل المثال؟ أختنا كاميليا كما هو معروف سيدة متزوجة من كاهن. هذا ربما يزيد من استعار المعركة حولها. إذ أن إسلامها المزعوم ليس فقط من أجل الإسلام، وإنما أيضا نكاية في رجل دين مسيحي هو زوجها!! ثم إن هؤلاء المتطرفين من المسلمين يصدقون الشائعات، ويعتبرونها حقائق. فقد أقسم واحد من زعمائهم بالله ثلاثا في جمع غفير من أنصاره، شاهدت الفيديو المسجل له بعيني، أنه سيخرج علي رءوسهم، أي أنصاره، زاحفين نحو الأديرة مفتشين عن كاميليا ليحرروها. ولم يفعل. يا سلام، وكأنهم زاحفون إلي غزوة ضد الكفار!! بينما لم أسمع أن هذا الزعيم أو غيره، توعد بالزحف لتحرير القدس الشريف. وكأن كاميليا أهم من القدس!! ثم توجه لهم السيدة كاميليا طعنة نجلاء؛ لتخرج ومعها زوجها وابنها علي شاشة قناة تلفزيونية مسيحية متطرفة من حثالة وسائل الإعلام تبث من خارج مصر، لتؤكد أنها لم تسلم علي الإطلاق وأنها تعيش في كنف زوجها. كم فرحت لهذا التسجيل. لأنه كشف تهالك المدافعين عن كاميليا من المتطرفين، وعن مدي تفاهة المعركة من أصلها. مع ذلك قرأت في إحدي المجلات تصريحات لبعض زعماء التطرف، يكذّبون فيها كاميليا نفسها، ويقولون إنها صرحت بذلك تحت ضغط. فبالله عليكم ماذا نفعل؟ واحدة تقول عن نفسها أنها لم تسلم، فلا يصدقونها؟ وكأنهم يعرفونها أكثر من نفسها. هذا عرَض لمرض يسمي في علم النفس "عصاب" بضم العين. طيب وما ذنب المصريين جميعا في هذا الموضوع؟ تسلم أو لا تسلم، ما أهمية أو قيمة إسلامها بالضبط؟ ماذا سيستفيد الإسلام من إسلامها؟ أريد أن أعرف؟ لماذا يسير الآلاف من البشر ليحاصروا الكنائس من أجل سيدة مؤكد أنها متزوجة من مسيحي، إلا إذا كان مستوي التفكير بدائيا؟ أما السيدة عبير فحالتها ألعن. لأنها سيدة مسيحية متزوجة، ومعها عدة أطفال. هربت من زوجها وتركت أطفالها في الصعيد، هذا في حد ذاته عار عندنا وأي عار، من أجل الزواج من عشيقها المسلم! قصة مخزية تتحول في العقول الضحلة الي معركة جهادية! هي فضيحة أخلاقية بكل المقاييس. ماذا لو كانت هذه السيدة مسلمة؟ ماذا كانت ستفعل أسرتها بها أولا، وبخاصة في الصعيد؟ هل يمكن لعاقل أن يتخيل أنه من أجل هذه الفضيحة تم إحراق كنيستين في إمبابة، ومقتل 12 شخصا وإصابة المئات؟ شيء لا يصدقه عقل. أما الحكومة فقد استعانت بشيوخ السلفيين لتهدئة الشباب المسلم الثائر، من أجل تحرير أختنا عبير. يا لها من حكومة. هذه ليست أول مرة تستعين هذه الحكومة بالسلفيين. استعانت بهم بعد إحراق كنيسة صول، وأرسلتهم إلي قنا عندما تحدي أهلها قرار رئيس الحكومة بتعيين محافظ مسيحي، وها هي تستعين بهم في إمبابة. هذا السلوك ينم عن خطأ في التفكير . إذ أن الحكومة هنا تبدو كمن يستعين علي الرمضاء بالنار . فضلا عما يمكن أن يستقر في الأذهان من أن الحكومة لا تستطيع أن تحكم بدون السلفيين ورجال الدين بشكل عام . فهي هنا أيضا لا تؤسس لقيام دولة مدنية ، وتعطي للجماعات الدينية حجما أكبر بكثير من حجمها الطبيعي . وعلي أية حكومة أو نظام أن يعلم أن التقدم في أي بلد في العالم مرتبط بالفصل بين الدين والدولة . ولابد أن هناك متطرفين مسيحيين أيضا. فمناخ التطرف يولده. والمتطرفون للمتطرفين كالبنيان المرصوص. ومصر هكذا تترك نفسها ليحكمها المتطرفون علي الجانبين. لتحترق مصر. ترك نظام الرئيس السابق مصر لتأكلها الفتنة عبر ثلاثين سنة. وقد بدأ الرئيس الأسبق "المؤمن" هذه السياسة ليكسب معركته السياسية ضد خصومه، دون أن يشعر أنه يلعب بالنار علي حسابنا. فالسلطة أهم لدي حكامنا منا. لذلك فعلي ثورة يناير الشعبية واجب أولي صعب، هو اجتثاث أسباب وعوامل الفتنة من جذورها. ليس بالسلفيين طبعا، وإنما بتغيير ثوري في وسائل وأدوات التربية والتعليم والثقافة والاقتصاد والسياسة، وإقامة دولة مدنية علمانية. هذا هو الطريق الوحيد للخلاص. لا يجب السماح للمتطرفين بأن يحرقونا . ولا يجب السماح لأي سلطة بأن تسمح للمتطرفين بإحراقنا. لقد قامت ثورة 25 يناير الشعبية، وأسقطت سلطة ديكتاتورية استمرت ثلاثين عاما. وكلي ثقة بقدرة من ثاروا. أتمني أن يشعر المتطرفون المسلمون بالخجل ويستبعدوا النساء من جهادهم أولا! أتمني أن تكون لديهم ذرة عقل واحدة، كي لا يجرون وراء امرأة تريد أن تسلم من أجل طلاق أو زواج أو عشيق. فالإسلام أكبر بما لا يقاس من هذه القصص الجنسية. عيب فضحتونا.