»سواد تام ثم ضوء ينبعث بعيد».. هكذا يصف الناجون من حادث قطاري الإسكندرية وهم يعودون إلي الحياة من جديد، كيف نجوا من تلك المواجهة المصيرية مع الموت.. »الأخبار» انتقلت إلي المستشفيات ورصدت حالة المصابين.. أطفال يصرخون من شدة الألم.. ورجال يبحثون عن أبنائهم.. ونساء يدعن الله لإزالة الغمة. في البداية كانت مستشفي الجمهورية وجدنا عبدالوهاب صابر اصغر مصاب في الحادث صاحب الأربع سنوات من أبناء الجيزة والذي توجه مع والدته إلي الإسكندرية في إجازة مصيف بعد طلبه المتكرر من والدته »عايز أعوم في البحر»، أصبح ينام علي سرير في مستشفي الجمهورية يبكي من الألم ويقول »ودوني بقا لماما عشان انزل البحر معاها هيا قالتلي هتنزلي البحر وعلمتني اعوم» فلم يعلم هذا الطفل أن والدته توفيت في الحادث اقتربنا من الطفل وجدناه يصرخ للأطباء ويقول عايزكو تشيلو الرباط ده وتودوني لماما بسرعة عشان الحق انزل البحر. وعلي السرير المحاور وجدنا مخلوف سيد الذي كان في طريقه من الصعيد إلي الإسكندرية من أجل البحث عن لقمة عيش لأولاده واصيب بخلع في الكتفين »قلت اروح إسكندرية اشوف لقمة عيش عشان حالتي بقت صعبة والعيال جعانين مش لاقيين ياكله فقلت اروح إسكندرية اشتغل عامل علي البحر عشان مصيف وهلاقي أي شغل ومحستش بنفسي إلا وانا هنا في المستشفي يشوفي أي شغل حتي لو في حاجة خاصة عشان الاقي آكل ولادي. أما علي محمد صاحب ال27 سنة والمصاب بكدمات في الظهر والركبة لا يستطيع التحدث لا يستطيع التحدث من صعوبة المشاهد التي مرت علي بصره، نسي اصابته واخذ يحمل الجثث ويحاول إنقاذ الركاب الذين مازالوا علي قيد الحياة يتنفسون اسفل عجلات القطار بالكاد، روي علي أنه كان راكب قطار متجه من طنطا إلي الإسكندرية وبعد مدينة دمنهور وقف القطار قبل محطة سيدي جابر لمدة 20 دقيقة، وعرف من العاملين بالقطار أنه دخل إلي قضيب التخزين حتي يتمكن قطار آخر من المرور وفجأة شعر بشيء ما يصطدم بالقطار من الخلف مرتين ورأي دخان كثيف ينبعث من الخلف ونزل سريعا ووجد أشلاء الجثث تتبعثر في كل مكان هنا فروة رأس وفي مكان آخر ذراع لشاب. اشلاء وضحايا أما أشرف حمدالله البالغ من العمر 34 سنة والمصاب بكدمات بالساقين والساعدين والذي ذهب لحضور عرس اخيه بالقاهرة مع والديه وزوجته وابنته فعادوا إلي مستشفيات متفرقة بأنحاء الإسكندرية بدلا من العودة لمنزلهم، غادروا القاهرة والفرحة تسيطر عليهم الجميع يرتدي ملابس العرس وفجأة حدثت الكارثة وظل يبحث عن أقاربه في كل مكان متمنيا أن يكونوا ضمن صفوف المصابين في الحادث المروع الذي أودي بحياة كثيرين ولم يعلم مكانهم. نزل من القطار وشارك في انتشال الجثث. أما محمد فتحي 55 سنة يعمل كاتب سكرتارية بوزارة الثقافة استيقظ من نومه داخل القطار علي صرخات الأمهات التي تبحث عن أبنائها وشاهد أهالي القرية يهرولون سريعا دون أن يعلم بما حدث ركب القطار من القاهرة مع أصدقائه واخذوا يتسامرون ويضحكون حتي دخل في النوم بالقرب من منطقة خورشيد، نزل من القطار واخذ يبكي حينما رأي رجلا مسنا ينزل من القطار بعدما فقد ذراعه ويردد »لا حول ولا قوة إلا بالله». أما الحاج بركات محمد الذي ذهب لشراء قطعة أرض بمحافظة الإسكندرية فشاهد الجثث متبعثرة في كل مكان واشلاء لبعض الأطفال ملقاة علي الأرض واخذ يردد »الحمد لله»، بعدما كتب له عمر جديد رغم اصابته في الحادث، وأشار وهو يرقد علي سريره إلي ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من كوارث القطارات التي لا ترحم أحدا. ويقول وليد عبدالخالق أحد أهالي الإسكندرية الذي ذهب إلي القاهرة لكي يحضر فرح احد أصدقائه ومعه زوجته وأولاده وحماته. »شوفنا الموت بعنينا»، مؤكدا أن الحادث بدأ في الساعة الثانية إلا الربع عندما سمعنا صوت القطار »يفرمل»، بقوة ثم لحظات ووجدنا اصطداما قويا ولقيت نفسي بطير علي الأرض وبخبط في الكرسي اللي قدامي ووشي كله دم وكان كل همي ولادي اللي مش لاقيهم وبدأت اسمع صوت صريخ واشم ريحة دم. تأخر الإسعاف ويضيف وليد: »لقيت نفسي مرمي علي الأرض وجبني طفل عنده أربع سنين رجليه الاتنين مش موجودين ولسه فيه الروح وبيبكي وبيصرخ انت فين يا بابا تعالالي انا بموت»، وعلي شمالي رجل عجوز اصطدم بحديدة من القطار فدخلت في صدره وظلت الحديدة داخل صدره وهو يصرخ الحقوني صدري هموت لمدة دقيقة ثم انقطع صوته مات قبل أن تصل سيارات الإسعاف، وأشار إلي أنه كان مصابا بكدمة بسيطة وبعد خروجه وجد رجلا تحت عجلات القطار ولا يستطيع احد أن يقترب منه وليس له أي حل، موكدا أن المسعفين كانوا يتحركون لإسعاف كل من يدق فيه النفس. وبدموع الأسي بدأ محمد عبدالخالق يحكي قائلا: فوجئنا بفرملة وبعدين لقيت نفسي بطير والحمد الله طلعت سليم ولكن شوفت مناظر خلتني »اعيط بالدموع»، سيدة من قوة التصادم اتحشرت وفضلت تصرخ الحقوني بموت وحاول الجميع إنقاذها ولكن لم نستطع لأن الحديد قفل عليها وقطع لحمها وظلت المدة خمس دقائق وماتت. ويقول وجيه عبدالقوي الموظف بوزارة الثقافة والذي كان في مأمورية عمل متجها إلي مسرح الانفوشي يقول إن الحادث بدأ عندما شعرنا بأن القطار »بيزحف»، وفجأة لقينا خبطة جامدة حسينا أنها قنبلة وبعدها وجدنا صرخات ودماء ولم يصل إلينا الإسعاف إلا بعد ساعة إلا تلت مضيفا.. لقيت جثثا كثيرة اتعجنت والأهالي لفوها في ملايات وربنا يرحمهم يا رب.. واكد أنه كان في العربة السادسة وهذا من رحمة ربنا بيه لأن العربة الخامسة مات كل من فيها وأشار إلي أن مستشفي الجمهورية قدم لهم كافة سبل الرعاية الطبية منذ أول دقيقة لهم في المستشفي. وفي مستشفي الاميري الجامعي قال معتز محمد، لم اتذكر شيئا سوي صافرة القطار ولحظة الإصطدام وبعدها امتلأ المكان بالاتربة وحاولت الخروج من العربة ولم اشعر بنفسي إلا أنا ممدد علي السرير بالمستشفي، الحمد لله أني ما زلت علي قيد الحياة. بينما رقد الطفل كريم عبدالوهاب، أحد المصابين وبصره يتجول بين المصابين بحثا عن أسرته التي فقدها في الحادث. الطفل يتذكر أنه كان يستقل القطار الذي كان مقبلا من القاهرة بصحبة والدته وأشقائه، وفوجئ بوقوع التصادم إلا أنه استطاع النجاة بسبب وجوده في العربات الخلفية للقطار. وقال الطفل بعد وقوع الحادث بدأت أصوات الصراخ تعلو وشعرت بالرعب لم اتمكن من رؤية أمي وأخوتي وبعدها فقدت الوعي وجاءوا بي إلي المستشفي».