لم يكن اللقاء التنسيقي الذي عقده إبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان »الإرهابية» في العاصمة البريطانية لندن مع عدد من القيادات الشيعية البارزة المقربين من مرشد الثورة الإيرانية، حدثا فريدا أو سابقة جديدة، فالعلاقات بين »الإخوان» والشيعة، قديمة، وتعود إلي السنوات الأولي لتأسيس الجماعة في مصر عام 1928، كما أن المواقف التي اتخذتها الجماعة طوال السنوات الماضية تكشف بوضوح ارتماء الجماعة في أحضان إيران، فقد أدمنت الجماعة منذ تأسيسها علي الارتباط بالمشروعات والقوي الخارجية، حتي لو كان ذلك علي حساب مصالح مصر أو الأمة العربية. ويتجاوز الارتباط الإخواني بالشيعة وبإيران حدود العلاقات السياسية، ويصل إلي الاعجاب الفكري والتنظيمي، بل وحتي العقائدي، فولاية الفقيه تتشابه في العديد من الجوانب مع مرجعية »المرشد» في فكر الإخوان، ويكفي أن تعبير »المرشد»نفسه الذي يعتبر أعلي منصب في الجماعة، مستوحي من الفكر الشيعي بالأساس، فمرشد الإخوان، يقابله في التنظيم السياسي لحكم الملالي منصب »المرشد الأعلي». والعلاقات بين »الإخوان» وبين الشيعة وإيران تمتد لعقود، فبحسب ما كشفه المفكر ثروت الخرباوي، والقيادي المنشق عن جماعة »الإخوان» في كتابه »أئمة الشر» فإن علاقة الإخوان مع الشيعة ممتدة منذ عام 1938وحتي الآن،حيث يشير إلي زيارة ظلت سرية لسنوات طويلة، قام بها سيد روح الله مصطفي الموسوي الخميني في ذلك العام أي بعد تأسيس الجماعة بعشر سنوات فقط ،وهو الشخص الذي أصبح فيما بعد الإمام آية الله الخميني مفجر الثورة الإيرانية، حيث عقد الخميني لقاءً خاصا المرشد الأول للجماعة حسن البنا. وفي خمسينيات القرن الماضي قام »مجتبي نواب صفوي» بزيارة القاهرة والالتقاء بقادة الإخوان حينذاك، وكان صفوي قد أسس في عام 1941 تنظيماً شيعياً مسلحاً يدعي »فدائيان إسلام»، والذي أخذ علي عاتقه تنفيذ العديد من الاغتيالات السياسية الكبري في إيران، وبخاصة لشخصيات سياسية وفكرية تنويرية بارزة كانت تتصدي للفكر الشيعي المتطرف. كما قام علي أكبر خامنئي المرشد الأعلي في إيران بنفسه بترجمة كتابين ل»سيد قطب» إلي اللغة الفارسية عام 1979، وعندما تولي خامنئي، منصب مرشد الثورة الإيرانية أصبحت كتب وأفكار سيد قطب تدرس في مدارس الإعداد العقائدي ل (الحرس الثوري الايراني). وتجسد المساندة الإخوانية للثورة الإيرانية حجم العلاقات القوية مع إيران، فبعد وصول الخميني للسلطة في إيران بيوم واحد فقط ،كانت من أوائل الطائرات التي وصلت مطار طهران طائرة خاصة تحمل وفداً يمثل قيادة التنظيم العالمي للإخوان، وتذكر بعض المصادر أن الوفد طرح علي الخميني مبايعته خليفة للمسلمين، خاصة أن الإخوان اعتبروا الثورة الإيرانية نصرا لرؤيتهم، وأول حكومة إسلامية منذ انهيار الخلافة العثمانية، واستمروا في دعمها منذ اندلاعها وحتي الآن. وتصف أدبيات الاخوان، الثورة الإيرانية بأنها »روح الأمة المسلمة علي طول المحور الممتد من طنجة إلي جاكرتا»، واعتبر المفكر الإخواني وزعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، في كتابه المشترك مع القيادي الإخواني السوداني حسن الترابي »الحركة الإسلامية والتحديث» أن الاتجاه الإسلامي الحديث »تبلور وأخذ شكلاً واضحاً علي يد البنا والمودودي وقطب والخميني»، ويضيف الغنوشي أنه »بنجاح الثورة في إيران يبدأ الإسلام دورة حضارية جديدة»!! ونتيجة للعلاقات الوطيدة بين النظام الإيراني، وبين الإخوان، فقد سمحت السلطات الإيرانية بتأسيس حزب سني، في خطوة نادرة، وكان هذا الحزب هو جماعة الدعوة والإصلاح في إيران والتي تمثل الإخوان المسلمين في إيران، والتي تأسست في بداية انتصار الثورة في 1979، وارتبط هذا الحزب بعلاقات وطيدة مع السلطات الإيرانية حتي الآن، رغم كل تجاوزاتها وممارساتها ضد السنة الإيرانيين، إلا أن هذه الجماعة وحزبها يحظيان برعاية ومعاملة مختلفة!.. وبعد قيام ثورة 30 يونيو 2013 في مصر سمحت السلطات الإيرانية لأنصار تلك الجماعة من الإخوان الإيرانيين بتنظيم مسيرات في أحد أشهر ميادين طهران، رافعين شعار رابعة، ومندّدين بثورة المصريين ضد حكم المرشد. حالة الغزل والإعجاب المتبادل بين الإخوان وإيران استمرت طيلة العقود الماضية، ولم تقتصر علي الجوانب التاريخية، فقد ظهر داخل الإخوان جناح كبير ومؤثر، قاده رجل الأعمال والقيادي بالتنظيم الدولي للجماعة »يوسف ندا» الذي كان يقدم نفسه بأنه مفوّض العلاقات الخارجية للجماعة، وقد امتلك ندا علاقات قوية ومباشرة مع الإيرانيين والشيعة، حيث زار طهران عدة مرات، وله علاقة وثيقة بالطوائف الشيعية والإخوان في إيران، وقد زار طهران عدة مرات عقب وصول الإخوان للحكم في مصر لتنسيق الدعم الإيراني لحكم الجماعة. كما عبر مرشدو الجماعة الإرهابية في اكثر من مناسبة عن دعمهم المطلق لإيران وأذرعها في المنطقة، ففي عام 2008 أعلن المرشد السابق مهدي عاكف، تأييده للمد الشيعي في المنطقة، قائلا: أري أنه لا مانع في ذلك، فعندنا56 دولة في منظمة المؤتمر الإسلامي سنية، فلماذا التخوف من إيران وهي الدولة الوحيدة في العالم الشيعية”، وفي معرض تعليقه علي كشف السلطات الأمنية لما عرف ب »خلية حزب الله» في ذلك الوقت قال عاكف: »من حق مصر أن تشكر حزب الله، لا أن تحقق معه» وأضاف أن »من حق إيران أن تفعل أي شيء»!، وأعلن أن جماعة الإخوان »علي استعداد لإرسال 10 آلاف مقاتل للحرب بجوار حزب الله»!! هذا الدعم الإخواني لإيران لم يكن من طرف واحد، فقد حرص المسئولون الإيرانيون علي دعم حكم »الإخوان» عقب ثورة 25 يناير، وقبل أسبوع من سقوط مبارك، ألقي المرشد الإيراني علي خامنئي خطبة يوم 4 فبراير 2011 شبه فيه مايجري في مصر بالثورة الإيرانية ضد شاه إيران، وعندما تم إعلان فوز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة كانت إيران من أوائل المسارعين بتهنئة الجماعة.