القضاء هو الميزان الذي يحقق العدل وهو التجسيد العملي للعدالة علي ارض الواقع بأن يعطي كل ذي حق حقه وهو الحارس الامين والحصن الحصين لمبدأ الشرعية وسيادة القانون علي الجميع الحاكم والمحكوم والقضاء في نزاهته وحيادته واستقلاله والتزامه باجراءاته والالزام باحكامه يحقق لدي المواطن الامن والاطمئنان علي نفسه وحياته وعرضه وماله وثقته في بلاده ومستقبلها وسلامة نظامها السياسي. الهدف من استقلال القضاء: الهدف من استقلال القضاء ومن حماية هذا الاستقلال هو تحقيق العدالة التي لا يمكن ان تتحقق في غياب احد مقوماتها الاساسية وهو استقلال القضاة وحماية هذا الاستقلال من اي تدخل وتأثير. التأثير السلبي للإعلام علي القضاء: اصبح للاعلام سلطته وآلياته الذاتية في تناول سائر القضايا عموما والاطروحات المجتمعية علي وجه الخصوص والتي من بينها اخبار وتغطيات التحقيقات والقضايا والمحاكمات فأصبحنا نقرأ في الصحف تغطية خبرية اعلامية لقضايا منظورة امام المحاكم يدخل فيها عناصر الاثارة الاعلامية المطلوبة لتحويلها لمادة مستهلكة اعلاميا. وتتلو التغطية الاعلامية كتابات وتعليقات في الصحف وبرامج الفضائيات بل والمنتديات والشبكات الاجتماعية بما يجعل الحكم القضائي محل تعليقات جريئة- ولن اقول متجاوزة ولم نعهد هذا الامر من قبل، انه امر جديد وخطير علي طرق تدبيرنا للحقيقة، وان من القضاة من يطالب الان وبحق بتغليظ عقوبة نشر امور من شأنها التأثير الاعلامي علي القضاء المنوط بهم الفصل في انزعه مطروحه امامهم وتوسيع النص بشموله اي وسيلة نشر اخري ليس الصحف والمجلات فحسب بل باي وسيلة اخري يتم خلالها تناول القضايا المنظورة امام القضاة بما يؤثر بالقطع علي حيادية القاضي.. لكونها جريمة مؤثمة قانونا بموجب المادة 781 من قانون العقوبات. انظروا يا أولي الالباب في الانظمة القضائية الاخري التي يعتمد حكم الادانة في القضاء الجنائي فيها علي هيئة المحلفين وليس علي القاضي- كالنظام الامريكي- ففيه تلجأ السلطات القضائية الي عزل المحلفين بشكل كامل عن الاعلام طيلة أمد نظر القضية المعروضة ان كانت تلك القضية متناولة من قبل الاعلام. القاضي لا يقضي بعلمه الشخصي: ففي الوقت الذي يلتزم القضاء بحياديته واستقلاله، فإنه يسعي الي تحقيق العدالة دون تغليب اي طرف من هذه الاطراف علي الاخر، معتمدا في ذلك علي ما يتوافر امامه من ادلة واسانيد في القضية، ولا يمكن للقاضي بأي حال ان يعتمد او يستند لما تعرضه وسائل الاعلام من طرح بشأن قضية ما أو حتي يعتقدها صحيحة. كما لا يمكن ايضا اعتماد وجهات النظر والاراء التي يقوم الاعلام بالتركيز عليها لانها تعتبر خارج اطار الدعوي المنظورة اذ انه من القواعد القانونية المستقرة وتأكيدا لمظاهر الحيدة، يجب ان يقتصر القاضي في استدلاله. فقط- علي الادلة المطروحة امامه والمقدمة من الخصوم. وفقا للطريق الذي رسمه القانون. ومن ثم فقد نص قانون العقوبات في مادته 781 علي جزاء الجهة التي تنشر امورا من شأنها التأثير في القضاة الذين انيط بهم الفصل في دعوي مطروحة امام جهة من جهات القضاء. كما نص ايضا علي جزاء كل من نشر باحدي طرق العلانية اخبارا بشأن محاكمة قرر القانون سريتها أو منعت المحكمة نشرها او تحقيقا قائما في جناية او جنحة أو وثيقة من وثائق التحقيق أو اخبارا بشأن التحقيقات. وما يجري في الجلسات العلنية للمحاكم بسوء قصد ونية وبغير امانة مهنية بمخالفة قرار المحكمة بسرية ما يجري من تحقيقات في القضية المنظورة امامها فبات من الضروري معرفة الاعلام بواجبه في هذا الشأن وتجنب الخوض في تفاصيل القضايا المطروحة امام القضاء ويقع علي عاتق الاعلام الالتزام بالمهنية تجنبا للتأثير علي ضمانات واجراءات المحاكمة العادلة.. ومن هنا يتعين حجب المعلومات عن الاعلام تجنبا لتلك النتائج التي تؤثر ليس علي مسار القضية المطروحة فحسب.. وانما علي القاضي بشكل غير مباشر وتمثل نوعا من الاكراه المعنوي عليه.. بل وعلي العدالة بشكل مباشر. واخيرا فإن ترسيخ هيبة السلطة القضائية واحترام استقلاليتها لا يكون بانغلاق القضاء كليا علي الاعلام اذا ما نظرنا الي الجانب الايجابي لدور الاعلام المتوازن الذي لا ينتهك المحظورات فقد بات من الضروري وجود تنسيق اعلامي بين عمل السلطة القضائية والمؤسسة الاعلامية مثلما نجد ان رقابة الاعلام تعزز قوة ومنعة القضاء، باعتبار ان الاعلام بوابة المعرفة في نشر الثقافة الانسانية.