أسعدني هذا العمل رغم أنني تحولت من هانم مثلهن إلي شغالة في بيوتهن لأن كل الأعمال الأخري التي حاولت العثور عليها من قبل كان يعترض طريقي فيها ذئاب الرجال ولم أكن أبدا امرأة تفرط في شرفها.. شغالة نعم.. لكني احترم نفسي! • ..................................... كنا نسكن حي عين شمس.. أسرة صغيرة تمتلك منزلا من دورين.. أبي موظف بدرجة مدير عام وأمي مثل أي سيدة مصرية تجاوزت الستين عاما فانضمت لنادي أمراض الضغط والسكر والقلب.. فجأة.. كشفت الدنيا عن وجهها الآخر.. مات أبي وتزلزلت حياتنا وبدأت أمي تحرضني علي الزواج لتطمئن علي أحوالي قبل أن تفارق الحياة هي الأخري.. كثيرون طلبوا يدي وكنت أرفض بشدة وأتحمل غضب أمي فقد كان مستحيلا أن أتزوج من رجل آخر غير طارق زميلي بكلية الآداب.. كنت أسبقه في الدراسة بعامين نظرا لتفوقي وإهماله هو في الاستعداد للامتحانات.. تخرجت قبله وانتظرته حتي تخرج وجاء يطلب يدي فطارت أمي من الفرحة وسهلت له كل الأعباء المطلوبة من أي عريس.. وإذا كان المثل المألوف يقول إن النساء أعتاب، فإن الرجال - أيضا - أعتاب !.. ليلة زفافي إلي طارق وقفت أمي وسط المدعوين تزغرد بكل ما تبقي من صحتها من قوة.. وبينما الفرحة تعم الجميع سقطت أمي مغشيا عليها.. فارقت الحياة هي الأخري.. لم يعد لي في الدنيا سوي زوجي الذي كان يبحث عن عمل بالحكومة بدلا من عمله المؤقت بإحدي شركات القطاع الخاص، لكن أحد أصدقاء أبي أراد أن يرد الجميل لأبي فكان واسطة زوجي في التعيين بمرتب كبير في إحدي شركات البترول.. مرت الأيام حزينة.. كئيبة ونحن نسكن منزل أسرتي بكل ما فيه من ذكريات تأبي أن تموت مع الراحلين.. عرضت علي طارق أن نبيع المنزل نشتري شقة، قرأت إعلانا عنها في إحدي الصحف.. ذهبنا لصاحب العمارة فطلب مائتي ألف جنيه خلو رجل ليحرر لنا عقد إيجار بالقانون القديم وإيجار شهري مائة جنيه.. لم نتردد في الموافقة وانتقلنا للحياة في الحي الراقي ورزقنا الله بالمولود الأول ثم الثاني وكان مرتب زوجي يكفينا ويزيد.. كبر الطفلان والتحقا بالمدارس الخاصة مع وصول طفلي الثالث الذي جاء للدنيا ومعه مفاجأة العمر.. اكتشفت بالصدفة أن زوجي دخل دائرة الإدمان وبعدها توالت المفاجآت.. عرفت أنه علي علاقة بفتاة جميلة من طبقة الأثرياء وأنهما علي وشك الزواج.. رفض نصائحي.. لم يهتم بتحذيراتي.. نسي أولاده ونساني في النهاية طالت يده وصار يضربني كلما حذرته من أن يخرب بيتنا بإيده..!.. حزم حقائبه وترك البيت.. اختفي.. تركنا بلا مصدر ننفق منه أنا وأولادي.. عام كامل لا حس ولا خبر عنه فاضطررت لبيع أثاث شقتي تباعا فالأعباء اليومية لا ترحم.. ذهبت إلي عمله مرة أخري فعرفت أنه جدد الإجازة دون مرتب عاما آخر.. لم أكن أدري ان سيدات العمارة يراقبونني وأنا أبيع أثاث شقتي.. جاءتني اثنتان كانتا قريبتين من شقتي وسألتاني عن سبب بيع الأثاث فبكيت.. لم تتركاني لدموعي حتي عرفن بحكايتي.. الجارتان عرضتا مساعدتي ماليا حتي أجد حلا لمشاكلي مع زوجي الهارب فرفضت بشدة وأمام إصرارهما عرضت عليهما الحل الوحيد الذي ارتضيه ونستفيد منه نحن الثلاثة.. الجارتان تعملان في وظائف مرموقة فاقترحت أن تترك كل منهما مفتاح شقتها مقابل مرتب شهري بعرق جبيني.. رفضت الجارتان في البداية وأمام إصراري ودموعي تمت الموافقة.. أسعدني هذا العمل رغم أنني تحولت من هانم مثلهن إلي شغالة في بيوتهن لأن كل الأعمال الأخري التي حاولت العثور عليها من قبل كان يعترض طريقي فيها ذئاب الرجال ولم أكن أبدا امرأة تفرط في شرفها.. شغالة نعم.. لكني احترم نفسي.. رفعت دعوي طلاق للتخلص من زوجي الهارب مع امرأة ثبت أنها ليست فوق مستوي الشبهات.. كنت أحلم بالطلاق لاسترد معاش أبي وأمي وأقدم الشكر للجارتين وانفق علي أولادي من المعاشين، لكن ظهر زوجي من تحت الأرض ووقف في المحكمة يدعي أنه ترك البيت لأنني أعمل رغم اعتراضه علي وظيفة متدنية.. وسألتني المحكمة عن الوظيفة التي يقصدها زوجي فانهمرت دموعي وطلبت جلسة غير علنية لإذاعة السر الرهيب في حياتي.. وافق القاضي وقصصت حكايتي وكيف تحولت من هانم إلي شغالة علي يد هذا الزوج الهارب من مسئولياته والغارق في نزواته.. وبعد تحقيق أجرته المحكمة واستمعت فيه لشهادة الجارتين قضت لي بالطلاق وقالت في حيثيات حكمها إنني زوجة من طراز فريد وقعت فريسة في يد زوج لا يرحم.. فرحت بالحكم وبالفعل نجحت في استردار المعاشين.. عادت السعادة لي ولاولادي ثلاث سنوات كاملة حتي فوجئت بطليقي يطرق كل الأبواب معلنا الندم وطالبا العفو بل راح يستجدي أولاده علي أبواب مدارسهم فيعودون لي يرجونني أن يرجع إليهم أبوهم ولا أكون سببا في حرمانهم منه.. أبنائي الذين لا يعرفون السر الرهيب في حياتي وكيف تحملت العمل كخادمة من أجلهم لم يعد يهمهم سوي العفو عن والدهم خاصة آخر العنقود الذي يهزني بكاؤه وهو يرجوني أن أفتح البيت أمام والده.. زملاء طليقي وأصدقاؤه زاروني واقسموا لي أن طارق أصبح شخصا آخر بعد ما عرف أنه أخطأ في حقي.. ووعدوني بالوقوف ضده لو حدث منه أي خطأ جديد.. طلبت مهلة للتفكير.. أنا مستعدة للتضحية من أجل أولادي ونسيان ما سببه لي من جروح.. لكني خائفة من اتخاذ هذا القرار الصعب.. ماذا أفعل ؟! »رباب . م . ل» مصر الجديدة - القاهرة