يكتبها: سيد الهادي لعله عيد الأضحي.. وعودة الحجيج.. والشوق إلي ضيافة الرحمن.. والقلب الذي يهنوا إلي لقاء الأصدقاء والأحبة.. في الرياض.. وجدة.. والقلب المشتاق إلي زيارة الحبيب في المدينةالمنورة.. والصلاة في روضة من رياض الجنة هناك.. بين البيت والمنبر.. وتطهير العين والقلب برؤية بيت الله الحرام في مكةالمكرمة.. هو الذي هيج الذكريات وجعلني أذكر هذه الحكاية التي عشت طرفاً منها في زيارة لي لمدينة الرياض.. ضيفاً علي خادم الحرمين عاهل السعودية الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان وليا للعهد.. ورئيساً للحرس الوطني.. في مهرجان الجنادرية للتراث. حدثت الحكاية في ليلة كنت مدعواً فيها علي العشاء في بيت أحد الأصدقاء الذي تربطني به وبأسرته روابط متينة من الود والصداقة.. وبين استعادة الذكريات وصل الحديث الموصول بين القاهرة وما كان فيها ويحدث أيامها.. وبين الرياض.. شرخ صمت الليل في المنطقة الهادئة التي يسكن إحدي عماراتها صديقي.. ضجة هي خليط بين الغناء والبكاء والصراخ.. مبعثها الشقة المجاورة لسكن صاحبنا واندفعنا جميعاً يحركنا حب الاستطلاع والشوق لمعرفة كنه ما يحدث.. وعلي الباب كانت المفاجأة.. مشهد غريب ومثير بقدر ما أثار من ضحك ودهشة كان يحمل من المعاني ما بعث في النفس الكثير من الأسي والحزن الذي خنق الضحكات. كانت جوقة من البنات الصغار خمس بنات في عمر الزهور كبراهن تجاوزت سن المراهقة أو لعلها مازالت تعيشها في السابعة عشرة من عمرها تقريباً وصغراهن دون الخامسة أو الرابعة من عمرها والباقيات أعمارهن بين هذه الأعمار يحملن في أيديهن أغطية الحلل والصواني يطبلن عليها وأمهن تقود أوركسترا العزف والبكاء يغنين للوالد الذي يبدو أنه قادم لتوه من سفر بعيد تدل عليه الحقائب الكبيرة والكثيرة التي يحملها.. يغنين مبروك يا عريس عروستك الجديدة.. مبروك يا بابا ضرة ماما. كان الرجل أبوالبنات مثل المجنون يصرخ في هذه ويضرب الأخري يأمرهن بالسكوت والصمت ولكنهن واصلن العزف والغناء والبكاء.. والفضيحة لم نكن وحدنا الذين خرجنا لاستطلاع الأمر فقد امتلأ سلم العمارة بكل السكان ومن مختلف الجنسيات يشهدون ما نشهده وفي عيونهم الدهشة وعلي شفاهم الابتسامة فلم يجد الرجل مهرباً من العيون وضجة البنات إلا الدخول إلي الشقة واغلاق بابها.. مقسماً بالطلاق أنه لن تدخل واحدة من البنات أو زوجته الشقة بعد اليوم. أسرعت زوجة صديقي تجذب المرأة وبناتها إلي داخل شقتها منعاً من الفضائح.. وشماتة عيون الجيران واستجابت المرأة وتبعتها البنات اللاتي كن ينهنهن من البكاء. بعد قليل هدأت الأمور إلا من نشيج بكاء الزوجة وبناتها واصطحبني صديقي لدق باب الجار.. الذي رفض أن يفتحه لنا مقسماً بأن زوجته وبناته لن يبتن هذه الليلة في بيته وطالباً من صديقي بجفاء وجليطة وقلة ذوق عدم التدخل فيما لا يعنيه. أحسست أن الوضع بات محرجاً في بيت صديقي ولم أشأ في ظل هذه الظروف أن أكمل السهرة أو أبقي لتناول العشاء بعد أن انسدت نفسي من بكاء البنات وأمهن رغم شوقي للطعام البيتي هرباً من طعام الفنادق الذي لا أستسيغه.. ويصيبني بوجع البطن حتي في أرقي المطاعم والفنادق حالة نفسية تجعلني لا آكل إلا مضطراً جداً خارج البيت وأيضاً تاركاً صديقي وزوجته ما هم عليه من هم واستضافة المدعويين الجدد الذين ما كانوا في الحسبان. وفي صباح اليوم التالي جاءني صديقي يخبرني بما لم أحط به علماً من أحداث الأمس.. ويدعوني لمعرفة الحكاية من صاحبتها أم البنات. وفي الطريق عرفت منه ما بدا لي غريباً فالجارة التي هي الآن في استضافتهم وبناتها كانت زوجته مقاطعة لها من أكثر من عام بعد أن اكتشفت أنها حاولت الايقاع بينها وبين شقيقتها التي تسكن في العمارة المجاورة بنقل الكلام واثارة النفوس والغيرة وكادت تنجح في ذلك لولا اكتشاف الحقيقة فقررت الاختان مقاطعتها والابتعاد عنها وقد كان لولا ما حدث بالأمس فقط. سألته عن أحوال زوجته.. زوجة الرجل ضحك وهو يقول مثل أي زوجة تزوجت وأنجبت وظنت أنها ملكت الرجل وضمنت عبوديته لها فأهملت نفسها ولكن يقول صاحبي شهادة حق.. كانت كثيرة الاهتمام ببناتها ربتهن أحسن تربية وتستذكر معهن الدروس وتشغل نفسها وكل وقتها لهن في غياب زوجها الدائم والمستمر طوال النهار ومعظم الليل. ولم أستطع أن أعرف منه المزيد فقد وصلنا إلي البيت وجاءت الجارة أم البنات الزوجة المطرودة من بيتها بطلة أحداث ليلة الأمس لتجلس معنا كانت ممتلئة الجسم إلي حد ما تبدو عليها آثار جمال غابر يمكنها أن تظهره وتبرزه لو اهتمت بنفسها قليلاً.. عيونها منتفخة حمراء منكسرة من شدة البكاء.. وعدم النوم. ولمدة ساعتين متواصلتين جلست أستمع من أم البنات ما كان وما حدث وأرصد رحلة حياتها والأحداث التي دفعتها لأن تفعل ما فعلته بالأمس وكانت السبب في طردها من بيتها.. لم يبد عليها الندم.. أكدت انها فعلت ما فعلته هي وبناتها عامدة لتفضح زوجها الذي ضحك عليها وخدعها وخانها وادعي أنه مسافر لرؤية أمه المريضة التي علي وشك الموت في حين أنه ذهب لعقد زواجه والزفاف بزوجة جديدة عروس من الغريب أنه لم يرها أو تراه خطبها له صديق كلفه بايجاد عروس له.. وهو ما كان وعندما تم كل شيء.. سافر لإتمام الزواج والزفاف من عروسه الجديدة. سألتها أن تقص علي الحكاية من البداية ومن بين دموعها تكلمت ومن بين كلماتها وحديثها المتقطع بسبب البكاء والتأثر وعقب أحداث الحكاية التي أقصها عليكم اليوم. عرفت منها أن زوجها الذي فضحته بالأمس.. وطردها من البيت يمت إليها بصلة قرابة قرابة من بعيد.. تزوجته بعد قصة حب عنيفة أيامها كانت طالبة في الثانوية العامة وهو كان طالباً في كلية الهندسة.. فارق كبير بين مستواها الاجتماعي والمالي ومستواه.. والدها رجل من رجال التجارة والأعمال غني يملك ثروة كبيرة وأهله فقراء لا يملكون أي شيء.. والده يعمل فلاحاً أجيراً في أرض أمها.. عرفته عندما كانت تذهب لقضاء إجازتها في مزرعة والدتها.. وهناك أحبته وتعلقت به.. وعندما تقدم لطلب يدها بعد تخرجه مباشرة وحصوله علي بكالوريوس الهندسة رفضه والدها مستنكراً أن يجرؤ علي طلب يدها.. أو التفكير في مصاهرته طرده من الفيللا ولكنها أصرت علي الزواج منه.. ورغم أنف كل الناس وأبيها وعائلتها تزوجته وهربت معه وتزوجت منه وكانت فضيحة تسببت في مقاطعة أهلها لها.. وعمل زوجها مهندساً في إحدي المحافظات النائية.. سافرت معه وعاشت برفقته في غرفة بسيطة خالية من أي شيء فوق سطح إحدي البنايات.. ليس فيها إلا كنبة وقلة وكباية كما أوردت علي لسانها.. فدخله وقتها كان لا يفي بمتطلبات الحياة لواحد فقط وليس لاثنين ولكن الحب الذي بينهما حول الحرمان إلي غني والفقر إلي سعادة.. وعندما حملت والكلام علي لسانها وكنت في الشهر السادس وقعت علي السلم وأجهضت ودخلت المستشفي وبعث زوجي يخبر أهلي بما حدث لي وفوجئت بأبي وأمي وكل الأسرة في نفس اليوم حولي في المستشفي.. أدركت أن الدم لا يمكن أن يصبح ماء وفوجئ الجميع بما أنا عليه.. وحالي.. ورأي أبي بحكمته أن الزواج أصبح أمراً واقعاً فصفح عني وبارك الزواج وسعي لنقل زوجي إلي مكان قريب واستغل نفوذه وعلاقاته ليعين في شركة كبيرة وقدم لنا شقة فاخرة في إحدي عماراته واثثها بأثاث يليق بما هو عليه من غني وثراء. تقول أم البنات وظننت- كما ظن زوجي- إن الحياة بتسمت لنا وبالفعل كانت كذلك لم تكتف الحياة بالتبسم فقط بل ضحكت لنا وعشنا أياماً كلها حب وسعادة حتي حملت مرة أخري وولدت وأنجبت كبري البنات البكرية الطالبة الآن في الثانوية العامة. وتواصل الحديث.. بعد فترة انشغلت فيها بفاصل من البكاء وفي نفس الأسبوع الذي أنجبت فيه ابنتي البكرية جاء لزوجي عقد عمل هنا في السعودية فرح كثيراً واستبشر خيراً بوجه البنت رغم أن في الحقيقة تكدر عندما جاءت انثي مثل أي رجل كان يريد الولد ولكن بعد مجيء عقد العمل وبمرتب كبير استبشر الخير وكانت فعلاً وجه السعادة علينا.. سافر زوجي وبعد عدة أسابيع أرسل لنا لنلحق به واستقربنا المقام في الرياض وبدأ الرزق والخير ينهال علينا والسعاد تغمرنا وتحول حال زوجي تماماً.. كان كل همه أن يثبت لأمي واخوتي أنهم أخطأوا عندما رفضوه في البداية وانشغل بجمع المال ورزقنا الله بالبنت وراء البنت وانشغلت بالبنات ودراستهن وتربيتهن والحمد لله كلهن متفوقات متربيات أحسن تربية واهتم هو بأعماله وكان الحب يرفرف علينا حتي هلت البنت الأخيرة كان زوجي يحثني كل مرة علي الإنجاب أملاً وشوقاً في أن يجيء الولد وكأن الأمر بيدي ولما جاءت البنت الأخيرة احسست بالتغيير نحوي وزاد الإحساس في السنة الأخيرة.. هدأت حرارة الحب والشوق وأصبح يكثر الغياب والسفر لم أكن أشك لحظة أنه يمكن أن يخونني أو يحب غيري بعد البنات الخمس اللاتي وحبه لهن فكان يحبهن بججنون ويغدق عليهن دون حساب رغم حرصه في الانفاق.. كل شيء في مكانه.. لتزيد ثروته. يكفهر وجه الزوجة وهي تقول حتي ظهر وجه السوء.. صديق له جديد تعرف عليه وكان وسيطاً بين أعماله في القاهرة والأعمال هنا وتعمقت العلاقة بينهما وكثرت الاتصالات وبدأ الشك يساورني واستشعرت الخطر من هذه الصداقة لا أعرف لماذا ولكنه كان احساس المرأة الخفي داخلي وفي الأسابيع الأخيرة زادت الاتصالات بينهما وعلي غير المعتاد وكلما تحادث معه علي الهاتف كان زوجي حريصاً أن يكون كلامه بعيداً عن مسامعي. تواصل الحديث ومنذ أسبوعين وعقب اتصال تليفوني بينهما أخبرني زوجي أنه مضطر للسفر إلي مصر لرؤية أمه المريضة والتي أدخلوها العناية المركزة بالمستشفي وأنها علي وشك الموت ولابد أن يراها قبل أن تموت. تقول أم البنات: في الحقيقة لعب الفأر في عبي بعد سفره مباشرة وكان وقتها في الطائرة اتصلت بأخته تليفونياً سألتها عن حماتي أكدت لي انها بخير ولعل المصادفة جعلت أمها في نفس الوقت في زيارتها فحادثتني وأكدت لي أنها بصحة جيدة. يومها أدركت أن زوجي يخدعني وأنه يخونني واشتعلت كما تقول الزوجة (أم البنات) النار في قلبي وفكرت ماذا افعل وتأكدت من خداعه عندما اتصل بي في اليوم التالي ليطمئن علي البنات ويطلب مني أن أدعو لأمه بالشفاء فحالتها خطيرة وسيمكث معها عدة أيام وكظمت غيظي وتمالكت نفسي والنار في أحشائي ولم أشأ أن أخبره بكذبه وصبرت. وظللت أفكر عدة أيام أصبحت فيها مثل المجنونة ماذا أفعل حتي هداني شيطاني إلي الاتصال بصديقه وشريكه وحادثته وأستدرجته في الحديث بعد أن أخبرته أن زوجي أخبرني أنه سافر ليتزوج عسي أن يرزقه الله بالولد الذي يتمناه من زوجة أخري وانني ادعو الله أن يوفقه وانني ابارك هذه الزيحة ولكني أريد أن اسأله عن هذه الزوجة هل هي طيبة وبنت ناس طيبين يعرفوا ربنا أكاد ألمح يومها ظل ابتسامة رفرفت علي شفتيها رغم الدموع التي تملأ عينيها.. رميتها إليه هكذا رمية بغير رام وسبحان الله هذه الحكاية علي لساني ففوجئت بصديق زوجي يؤكد لي انها بنت حلال وناس طيبين وانها ستكون مثل أختي الصغيرة تماماً. طلبت منه أن أعرف عنوانها لأجعل أهلي يبعثون اليها بباقة ورد ليعرفوا أنني موافقة علي هذا الزواج ورحب بشدة واعطاني عنوانها وزاد علي ذلك أن اعطاني رقم تليفون بيتهم لا تحدث معهم حتي يعرفوا موافقتي. نصمت قليلاً.. وتقول بعد فترة الصمت: حتي الآن لا أعرف ماذا كان يفكر فيه الملعون صديق زوجي ولماذا أعطاني تليفونهم عرفت جزءاً من تخطيطه بعد أن اتصلت بهم والباقي الله يعلم به. المهم -كما تقول- اتصلت بهم رد علي والد العروسة اخبرته أنني زوجة عريس ابنتهم وحرام أن يحرموا خمس بنات.. والدهن.. كان رده علي انهم يعرفون كل هذا وسيتم الزواج والفرح اليوم وأغلق الخط في وجهي. واسودت الدنيا في عيني وتحولت حياتي إلي جحيم وانتقلت مأساتي إلي البنات.. شعرن أن امهن اللاتي يحبونها تعاني من خيانة والدهن وغدره وشعرن دون أن يصرحن أن امرأة أخري ستأخذه منهن.. وتحتل مكانتهن في قلبه. وانتظرت مجيئه- كما عرفت- وبقلب المرأة المجروح هداها شيطانها أن تستقبله بزفة وتفضحه بين السكان.. وكان ما كان.. ولم يكن في ظنها أن يطردها زوجها ومعها بناته. كان هذا آخر ما وصلت إليه معه.. وإن كنت حريصاً ومتشوقاً أن أعرف النهاية.. التي وعدتني أن تقصها علي بعد عودتها إلي القاهرة إذا جد جديد. وقبل أن أترك الرياض عرفت من صديقي أن الرجل ترك لهن البيت وذهب ليستأجر لنفسه بيتاً جديداً ليستقبل فيه عروسه الجديدة. الجديد الذي استكملت به الحكاية بعد ما يقرب السنة من وقائع هذه الأحداث.. هو أن الزوجة الجديدة للرجل حلوة وصغيرة ومطلقة.. سبق لها الزواج عدة مرات وانها ابنة شقيقة صديق الزوج وأنهم أوقعوا أبوالبنات واشترطوا عليه مهراً وتأميناً لمستقبلها.. المزرعة التي يمتلكها وعمارة كبيرة.. شقي عمر الرجل الذي ظل يحرث طوال عمره ليزيد ثروته.. ومن أجل عيون العروس الجميلة وجمالها الذي بهره بعد أن رآها.. وطمعاً في حلم عودة الشباب من جديد بعد أن تجاوز الخمسين في نزوة مراهقة متأخرة ومجنونة كتب لها كل شيء من ثروته مهراً مقدماً ونصف مليون جنيه مؤخر صداق ولم يبق لبناته سوي البيت الذي بناه لهن وحسرة مازالت تملأ نفوسهن وقلب أمهن زوجته أم البنات التي طلبت منه الطلاق بعد عودتها إلي القاهرة ولا أدري بعد مرور عدة سنوات ما حدث.