«البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 4 مايو 2024    هل تقديم طلب التصالح على مخالفات البناء يوقف أمر الإزالة؟ رئيس «إسكان النواب» يجيب (فيديو)    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    «فيتش» تشيد بمشروع «رأس الحكمة».. الإجراءات الاقتصادية تؤتي ثمارها    آخر تحديث.. سعر الذهب في ختام التعاملات المسائية اليوم الجمعة 3-5-2024    شهيدان و5 إصابات جراء استهداف الاحتلال منزل عائلة "البلبيسي" شرق مدينة القدس    حسين هريدي ل«الشاهد»: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    أول تعليق من رئيس مكافحة المنشطات على أزمة رمضان صبحي    محمود الخطيب يهنئ «سيدات سلة الأهلي» ببطولة الكأس    فوزي لقجع يكشف مفاجأة مثيرة لجماهير الأهلي    سيدات سلة الأهلي| طارق خيري: كأس مصر هديتنا إلى الجماهير    تعرف على اخر منتخبات مجموعة مصر في أولمبياد باريس    حالة الطقس اليوم السبت.. «الأرصاد» تحذر من ظاهرتين جويتين مؤثرتين    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    "والديه كلمة السر".. كشف لغز العثور على جثة شاب مدفونًا بجوار منزله بالبحيرة    "التموين" تضبط 18.8 ألف طن دقيق مدعم و50 طن سكر مدعم بالجيزة    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    أمن القليوبية يضبط «القط» قاتل فتاة شبرا الخيمة    جمهور حفل آمال ماهر في ليلة من ليالي الطرب :«خطفتي قلبنا»    حظك اليوم برج الجدي السبت 4-5-2024 مهنيا وعاطفيا    استعدادات لاستقبال شم النسيم 2024: الفرحة والترقب تملأ الأجواء    آمال ماهر تتألق بإطلالة فضية في النصف الثاني من حفلها بالسعودية    رشيد مشهراوي عن «المسافة صفر»: صناع الأفلام هم الضحايا    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    بلباو ب9 لاعبين يهزم خيتافي على ملعبه في الدوري الإسباني    التحقيقات تكشف سبب مقتل شاب علي يد جزار ونجله في السلام    أخبار الأهلي : عاجل .. استبعاد 11 لاعبا من قائمة الأهلي أمام الجونة    بحضور 25 مدربًا.. اتحاد الكرة يُعلن موعد الدورات التدريبية للرخصة «A»    عيد العمال الليبرالي    رئيس «إسكان النواب»: توجد 2.5 مليون حالة مخالفة بناء قبل 2019    إدخال 349 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة من معبري رفح وكرم أبو سالم    حدث بالفن| مايا دياب تدافع عن نيشان ضد ياسمين عز وخضوع فنان لجراحة وكواليس حفل آمال ماهر في جدة    حظك اليوم برج القوس السبت 4-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مروة ناجي تتألق ونجوم الموسيقى العربية ينتزعون الإعجاب على المسرح الكبير | صور    البيت الأبيض: بايدن يستقبل العاهل الأردني الأسبوع المقبل    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    موريتانيا.. أقدم معارض يدعم الرئيس الغزواني في الانتخابات المقبلة    5 فئات ممنوعة من تناول الرنجة في شم النسيم    عمرو أديب ل مصطفى بكري: التعديل الوزاري إمتى؟.. والأخير يرد    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    طب الفيوم تحصد لقب الطالبة المثالية على مستوى الجامعات المصرية    قتلا الخفير وسرقا المصنع.. المؤبد لعاطل ومسجل خطر في القاهرة    أجمل دعاء ليوم الجمعة.. أكثر من الصلاة على سيدنا النبي    الوزراء: منظومة الشكاوى الحكومية تلقت 2679 شكوى بمخالفات مخابز    وظائف وزارة العمل 2024.. بالتعاون مع شركات القطاع الخاص    أخبار الأقصر اليوم.. تفاصيل لقاء قائد قطاع المنطقة الجنوبية لإدارة التراخيص والتفتيش ونائب المحافظ    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    المحكمة الجنائية الدولية عن التهديدات ضد مسئوليها: يجب أن تتوقف وقد تشكل أيضا جريمة    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
كرسى الاعتراف!
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 10 - 2016

أنا سيدة فى السابعة والثلاثين من عمري، قاسيت مصاعب جمة، وواجهت أحداثا مؤلمة، ولم أذق طعم السعادة بالرغم من أننى أبدو أمام الآخرين مبتسمة وقوية فأنا الابنة الوسطى بين ولدين، ووالدتى امرأة مكافحة فمنذ أن وعيت على الدنيا، وجدتها ذات بأس شديد، وتحملت والدى بكل جبروته وشدته من أجلنا، وزاد من همها أن شقيقى الأصغر ليس طبيعيا منذ ولادته، ولا يدرك من أمره شيئا، ولم تكن لدينا الامكانات التى تساعدنا على إلحاقه بمدرسة لذوى الاحتياجات الفكرية، واقتربت منه، فلاحظت أنه يستوعب ما أشير عليه به، وليس متخلفا تماما، وأدركت برغم صغر سنى وقتها أن هناك فرقا بين عمره العقلى والزمني، وبذلت جهدا مضنيا لتعليمه القراءة والكتابة والأرقام والجمع والطرح، واستعنت فى ذلك بألعاب المكعبات والمشابك وغيرها، وعندما وصلت إلى الثانوية العامة، لاحت لأمى فرصة الاعارة إلى الخارج، وتزامن ذلك مع مرض والدى وحاجته إلى العلاج الدائم، وأديت واجبى كأم وابنة وممرضة وطالبة، ولما ساءت حالته، قطعت إعارتها، وتفرغت لتمريضه، ثم رحل عن الحياة وهو فى الخمسين من عمره، وتولت مسئوليتنا بجسارة، وقادت سفينة حياتنا باقتدار حتى تخرج أخى فى كلية مرموقة، وتخرجت بعده فى كلية مماثلة، وانتقلنا إلى حى أرقى من المنطقة التى كنا نسكن فيها، وتنفسنا الصعداء، وعملت بعد تخرجي، وكعادة البنات جاءنى كثير من العرسان، لكن لم يحدث وفاق مع أى منهم، أما شقيقى فقد أحب فتاة أبوها سودانى وأمها مصرية، فعارضته والدتى لأن زواجه سوف يؤثر على عمله فى الجهة التى ينتمى إليها، فتعب نفسيا، ودخل فى صراع مع نفسه، وأصيب بالفعل بمرض نفسى جعله يأتى تصرفات غريبة فى عمله، وصدر عليه حكم بالسجن، وانقلبت حياتنا رأسا على عقب، واتشحت بالملابس السوداء، وعندما كنت أزوره فى السجن، أنهار باكية، وأرفع يدّى إلى السماء، وأدعو الله أن يزيل عنا الغمة التى أطبقت علينا ولاندرى كيف نتخلص منها، ولم تهدأ أمى وجابت كل الجهات المسئولة والقضائية لإثبات حقيقة مرضه، وصدر حكم ببراءته، وخرج من الخدمة بمستحقاته وشقته ومعاشه، وكلما نظرت إليه أذرف الدموع على حاله، وأصررت على علاجه، فاستقلت من عملي، ولازمته فى المستشفى ليلا ونهارا، وكنت أغفو بعض الوقت على السرير المقابل لسريره، وأقرأ القرآن بصوت مسموع إلى أن ينام، وخرج من المستشفى بنسبة عجز قدرها ستين فى المائة وفقا للتقارير الطبية.
وبدأنا مرحلة جديدة من العلاج الدائم حتى لا تتفاقم حالته، لكنه رفض تعاطى الدواء فى أحيان كثيرة، وحدثته فى أن نفتتح له مشروعا ونبحث له عن شريك مناسب، لكن ظروفه لم تسمح بالتفكير فى إسناد أى مهمة إليه، وتدهورت حالته النفسية إلى درجة خطيرة، وإنتابته حالات هياج شديدة، وإذا رأى أحدنا أمامه ينهال عليه ضربا مبرحا، فتتعالى صرخاتنا، ونحاول أن نكتمها، واستعنا ببعض معارفنا للجلوس معه، وتهدئته، لكنهم كانوا ينفضون سريعا، وتظل المتاعب لى ولوالدتي، وقد رفضت عروضا للسفر إلى الخارج فى ظل هذه الظروف، وقل عدد من يرغبون فى الارتباط بي، وإذا جاءنى أحدهم فإن أول سؤال يطرحه عليّ عن شقيقىّ الأكبر والأصغر: هل مرض أخى الأصغر وراثي، وما سبب مرض الأكبر، ولماذا لايعمل الآن؟ وكنت صريحة فى إجاباتي، ولم تضايقنى الأسئلة عن أسرتى لكن أكثر ما ضايقنى هو أننى لم تتح لى فرصة التحدث عن نفسى وأحلامي، وأبدو دائما كأنى فى جلسة استجواب على «كرسى الاعتراف»، وكانت النتيجة الحتمية لذلك هى أن كلا منهم تركنى متشككا فى حالي، وضاقت بى الدنيا، ووجدتنى أطلب من أمى زيارة مقابر عائلتها استعدادا لشيء ما لاح فى خاطري، وأصبحت أفكر فى الآخرة، إذ ماذا عساى أن أفعل وليس لى إخوة أشد بهم أزري، وأشركهم فى أمري، وليس لى أخوال على صلة بنا فلقد قاطعونا منذ أن استولوا على ميراث أمي، أما أعمامى فقد ماتوا جميعا، وصرت وحيدة بلا سند ولا معين، وهكذا تكالبت الظروف كلها ضدى ووجدت فى المقابر سلواى، وأخذت مفتاحها بعد عناء شديد مع أمى التى كانت تخشى أن يحدث لى مكروه، وهناك وقفت أتأمل مشاهد الموتى وأتعجب لأحوال الأحياء الذين ينهش بعضهم بعضا بلا رحمة ولا شفقة، وعلق هذا المنظر الرهيب بذاكرتي، وفور عودتى إلى المنزل «أخرجت ثوبا من البفتة كان موجودا بدولابي، وطلبت من والدتى أن تحيك لى كفنا، فرفضت، وقالت لي: أخرجى هذه الوساوس من دماغك، فسكت وأنا أشعر بأن حدثا جللا سوف يهز بيتنا.
وبعد سبعة أيام صحوت على كارثة مروعة، ففى إحدى نوباته المرضية الحادة، ألقى شقيقى الأكبر بنفسه من فوق سطح منزلنا، وأسدل الستار عليه، وتحققت مخاوفي، وأغلقنا بابنا على أنفسنا، وأوكلنا أمرنا إلى خالقنا، فأكرمنا عز وجل بزيارة بيته الحرام، وأديت أنا وأمى وأخى الأصغر العمرة، ووفقنى الله فى الحاقه بجمعية خيرية، وعدت إلى عملى ونصحتنى صديقة لى بالزواج، وأشارت إلى أن هناك خدمة الكترونية لهذا الغرض، فجربت هذه الوسيلة لكنى وجدتهم جميعا كاذبين وسيئى الخلق، ثم تعرفت بطريق المصادفة على شاب مطلق مقيم فى اليونان، وكان متزوجا من فتاة رومانية، لكنها تركته بعد إثنى عشر عاما من الزواج، وعادت إلى بلدها ومعها أبناؤهما، ولم يفلح فى أخذهم منها، ويضطر إلى زيارتهم هناك من حين إلى آخر، وحدثنى عن رغبته فى العودة إلى اليونان، ثم وجدته يفكر فى الهجرة إلى كندا، وقال لى إنه يريدنى أن أكون بصحبته، وأعترف لك بأننى شجعته على السفر إلى الدولة التى يريدها، وبحثت له عن فرصة سفر وعمل، وساندته فى العديد من المقابلات التى شارك فيها، ثم أخبرنى فجأة بأنه لايحبني، وأنه يرغب فى العودة إلى البلد الذى يعيش فيه أولاده، وأغرورقت عيناى بالدموع، فلقد تعلقت به، وشعرت انه آخر فرصة لى فى الحياة التى قبضت يدها عليّ كثيرا، لكن أمى رأت أنه لايصلح لى زوجا، وقالت لى ان كل هدفه أن أساعده من مالي، فقطعت صلتى به.
وبعدها جاءنى قريب لأمى يكبرنى بثلاثة عشر عاما، وتوفيت زوجته بالمرض الخبيث، ولديه أربعة أبناء، وفرش لنا الأرض مهادا، قائلا إنه مدير مصنع، ولديه فيللا فى العبور، ولكل ابن غرفة مستقلة، وسيأتى لى بشغالة مقيمة، وغير ذلك من الوعود التى تلين أى واحدة وتجعلها تميل إليه، مع أننى لم أسترح لشكله العام، إذ يبدو فارق السن بيننا واضحا، لكن أمى رحبت به أيما ترحيب، واعتبرته العريس المنتظر الذى سيحافظ عليّ، واشترت لى غرفتى النوم والصالون، وأوهمها بأثاث فخم لم أجد له وجودا فيما بعد، بل إننى جهزت الأثاث الخاص بى بنفسي، وتولى هو تجهيز أثاث غرف أولاده!
وخلال فترة الخطبة لمست والدتى بخله الشديد، ومع ذلك مضت فى استكمال زواجنا، وأقنعت نفسى بأنه يحبنى وهادئ الطباع، وسوف يتحمل عصبيتى التى أعترف بها، ولم أخفها عنه، كما أنه قريبى وسيسمح لى بزيارة أمى ورعاية أخي، وسأجنى ثوابا كبيرا من الله فى تربية أبنائه، وبعد زفافنا تبينت لى مساوئه العديدة وأبرزها البخل الشديد، فكان يدّعى دائما نسيان حافظة نقوده لكى أشترى كل شيء من مالى الخاص، وظهرت أنانيته الحادة، ولم يأت بالشغالة التى وعدنى بها، ووجدت أولاده مهملين للغاية ويلقون بالأشياء وبقايا الطعام فى أرجاء المنزل، وساءت نفسيتى بسببهم مع أن أعمارهم تتراوح بين تسعة أعوام، وسبعة عشر عاما، وتحاملت على نفسي، وواصلت رسالتى معهم، وساعدت الولد والبنت الصغيرين فى الدروس، وكنت أعنفهما أحيانا على الاهمال فى المذاكرة، فشكيا لأبيهما، فاستشاط غضبا مني. وأهال على كل ما أفعله من أجل أبنائه التراب، وحاولت أن أعوض نفسى عن هذه المرارات، فبحثت عن الحمل عسى أن يرزقنى ربى بطفل يملأ عليّ حياتي، وانصرفت إلى الترجمة من المنزل، لكن ذلك لم يعجبه، وأصر على أن أكون خادمة لأولاده ولبيته، وضيّق عليّ الخناق فى زيارة أمي، وبدأت أقنعته تتساقط يوما بعد يوم، وكلما حدثته فى أى أمر يخصنا لايدع لى فرصة للكلام، وذات يوم طردنى من المنزل، فظللت جالسة طوال الليل إلى أن بدت تباشير الصباح، فذهبت إلى والدتى التى تعدت سن الخامسة والستين، فهدأت من روعي، وتدخلت لاصلاح ما أفسده زوجى من علاقتنا بلا ذنب ولا جريرة.
وحلت بى متاعب صحية جديدة، إذ أصبت ب«عرق النسا» وعانيت ألامه المبرحة، وأخبرنى الطبيب أن «المشيمة نازلة»، لكن أبناءه لم يرحموني، ويتعمدون معاملتى بإهانة، أما هو فلا يبالى بمتاعبى، وإشتد بى المرض فأبلغته أننى سأزور أمى وأظل معها يومين، ورجوته أن يشترى الدواء الذى وصفه الطبيب ويحضره لى هناك، لكنه لم يعبأ بما طلبته، بل وقال لى إنه يريدنى كزوجة!! فسكت ولم أتكلم، وبمرور الوقت ضقت ذرعا بتصرفات أبنائه الذين صاروا يحدثوننى فى أشياء لا يصح ولا يليق أن تكون مثار حديث الصغار، فلقد سألنى أصغرهم: «إنت حامل فى ولد ولا بنت، عشان أعرف هينام مع مين فينا فى غرفته»، فأجبته: لا أعرف. فنصحنى قائلا: «كفاية واحد، لأن إحنا كده هنبقى كتير، ولما هطلب مصروف زيادة من بابا مش هيرضي»!.. على هذا المنوال تسير حياتي، مع أننى لم أكمل عاما واحدا على زواجي، وأجدنى على يقين من أن طباعه لن تتغير، كما أن أحوال أبنائه تسير نحو الأسوأ، واعترف بأننى عصبية وأن كل ما مررت به فى حياتى يجعلنى فى حالة رعب من القادم المجهول، فبماذا تنصحني؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
استوقفتنى صراحتك وتلقائيتك فى سرد أحداث حياتك، فلاشك أنك عانيت ظروفا صعبة، ومتاعب جمة من رعاية شقيقيك، ومساندتك والدتك، وتخليك عن عملك من أجلهم، ثم فشل ارتباطك حتى بلغت سن السادسة والثلاثين، وقبولك زوجك الحالى بأولاده خوفا من أن يفوتك قطار الزواج، وقد انعكس ذلك كله على مزاجك العام فصار مزاجا سيئا، وانتابتك حالة عصبية فأصبحت تثورين لأتفه الأسباب مدفوعة إلى ذلك بما قاسيته من أهوال جعلتك تذهبين إلى المقابر لتتأملى هذا العالم الصامت، بعيدا عن ضجيج الحياة، واستغرقت بكل كيانك فيه، ورحت تتأهبين لدخوله فطالبت والدتك بأن تحيك لك كفنا انتظارا لساعة الرحيل، وفاتك فى صنيعك هذا أن الله عوضك عن سنوات شقائك بهذا الزوج الذى أتصور برغم بخله الذى تتحدثين عنه يحبك ويخاف عليك، كما أن أولاده ارتبطوا بك، وما يحدث منهم من تصرفات ترينها عدائية ضدك يأتيها كثيرون من الأبناء مع أمهاتهم وآبائهم، لكنك لم تجدى فيه ولا فى أولاده سوى الجوانب السيئة المرتبطة بسوء المعاملة والتقتير، ولذلك توترت علاقتكم، وتلاشت المشاعر الطيبة بينكم، بل وفرّغت عصبيتك فى أطفاله، وتراجع اهتمامك بهم، ولازمتك الحدة فى التعامل معهم، وأصبحت تؤدين الواجبات التى تقوم بها كل زوجة على مضض وأخشى أن تصل بك الحال اذا استمررت على هذا النهج إلى الحزن والملل من الحياة.
والحقيقة أن زوجك يتحمل جزءا كبيرا من مسئولية ما آلت إليه أحوالك، فهو رجل ثري، ولديه الكثير من الأموال والأعمال التى تدر عليه دخلا كبيرا، ولا مبرر لبخله الشديد وتقتيره عليك إلى الحد الذى يجعلك تئنين من تجاهله مطالبك البسيطة، كما أنه مسئول عن تحسين صورتك أمام أبنائه، فأنت الآن بمثابة أمهم، ولا تضيقى بكلامهم، ولا بأسئلتهم، واعتبرى حديث ابنه معك عن حملك وأخيه المنتظر كلاما عاديا، واحرصى على عدم تدمير هذا «العش» الذى عوضك عن متاعب السنين وليعلم زوجك أنه إذا فقدك فسوف يخسر الكثير، وبالطبع فإنه يعلم كل شيء عن حياتك وظروف شقيقيك الراحل والحالي، وبقدر الأبعاد النفسية التى انعكست عليك منذ أن كنت طفلة، وليوسع صدره فى تعامله معك، ولا يضيق بتصرفاتك، وعلى كل منكما ألا يقابل السيئة بالسيئة، وإنما يحاول أن يبتعد عن الآخر عند نشوب أى مشكلة، وبعد قليل سوف تراجعان نفسيكما، وتهدأ العاصفة، فالإنسان عند الغضب لا يعى ما يقوله وما يفعله، ويدرك خطأه بعد زوال التوتر والغضب وإياك والعصبية فإنها تنعكس عليك أنت أيضا بالسلب ليس من الناحية النفسية فقط، وإنما أيضا من الناحية الصحية، فسوف يتأثر حملك إذا استمررت فى المشاحنات والخلافات مع زوجك وأبنائه، وقد يصل بك الأمر إلى الانهيار العصبى الذى يستتبعه اكتئاب وقلق دائمان، وأحسب أن انعدام الحوار بينكما يزيد الجفاء، ويدفع حياتكما إلى نفق مظلم، ويتعين عليكما تقريب المسافات، وعليه أن يمنحك مساحة أكبر من المودة والمحبة، وأن يشاركك فى أعباء الحياة ومسئولية البيت بما يبعث فى نفسك الشعور بالرضا والاطمئنان، ويجب أن يتجنب الأسلوب الجارح فى معاملتك، وأن يسعى إلى توفير جو من المرح فى البيت، وهذه كلها عوامل تسعد الجميع، فيشعرون بالسعادة والطمأنينة.
لقد توفرت لكما أسباب الحياة المستقرة الناجحة، ولذلك فإن عناد زوجك من جهة، وعصبيتك من جهة أخرى سوف يؤديان بكما إلى الهاوية، فالزوج العنيد تشعر زوجته بأنه من المستحيل التعامل أو التفاوض معه فى أى شأن يخص حياتهما ولا يتجاوز عن أى هفوة من جانب زوجته، وفى المقابل تزداد عصبية الزوجة ثأرا لنفسها، وهنا تتفاقم الأزمة، وقد ينتهى الأمر بالطلاق، وإذا فتشنا عن أسباب انتشار ظاهرة الطلاق فسوف نجد أن معظم حالاته يرجع إلى سوء التفاهم فى مسائل من السهل احتواؤها لكن المكابرة والعناد، هما اللذان يدفعان كل طرف إلى التمسك بموقفه وليتك تشعريه بمدى سعادتك أنت وأبنائه عندما يشترى احتياجاتكم، وأكدى له أنك تقدرين تعبه وانفاقه عليكم، ولا تسخرى منه، وتجاهلى مواقفه السلبية، وعندما يجدك تنتهجين هذا النهج سوف يتغير تلقائيا، ويتخلى عن عناده.
أما عن أبنائه فكونى لهم قدوة، وعليك الانتباه لما تفعلينه، وما تقولينه لهم، وتجنبى مناقشة أمورك الخاصة أمامهم، واقتربى منهم، فحبهم لك لن يأتى من فراغ، وإنما يتحقق تلقائيا عندما يجدونك حريصة على مصلحتهم، ويلتمسون مودتك لهم، وإياك أن تعاملى ابنك القادم بإذن الله معاملة خاصة فيشعرون بالتفرقة بينه وبينهم، ولو فعلت ذلك فسوف تزيد الفجوة بينكم، وقد يدفع ذلك زوجك إلى اتخاذ قرارات مؤلمة ربما يكون منها الطلاق حفاظا على أولاده الذين رحلت أمهم عن الحياة، ولا تشحنى أبوهم ضدهم، وتجاوزى عما يصدر منهم من مواقف يمكن تجاهلها، ويمكنك بقليل من الصبر والحكمة أن تكسبيهم إلى صفك، وأن يعتادوا وجودك فى حياتهم، وخذى تصرفاتهم دائما بنية حسنة.
إن «النظرة السوداوية» إلى زوجة الأب تحجب الرؤية عن نماذج كثيرة قدمن لأبناء أزواجهن تضحيات كبيرة، وكن لهم أكثر عونا من أمهاتهم، وأظنك نقية السريرة تجاه أبناء زوجك بدليل اهتمامك الكبير بهم، ومذاكرتك للولد والبنت الصغيرين دروسهما، بعد أن اكتشفت ضعف مستواهما الدراسي، وهذه النقطة قد تكون غائبة عن زوجك، أو ربما يكون متأثرا بما يشاع عن زوجة الأب «الساحرة الشريرة» ولو أنه تفرغ لبيته بعض الوقت لاكتشف الجهد الكبير الذى تبذلينه من أجل تربيتهم تربية صالحة، فكونى عند الظن بك، وأسعدى بحياتك، وتجنبى التفكير فيما يعكر صفوها وأجدنى أتذكر هنا قول إبراهام لنكولن «لقد وجدت أن نصيب الإنسان من السعادة يتوقف غالبا على رغبته الصادقة فى أن يكون سعيدا»، فتجاوزى عن كل ما مضي، وليكن اعترافك بعصبيتك وصدقك فى كل كلمة تقولينها هو المفتاح الذى يفتح لك أبواب السعادة والاستقرار، وليكن زادك دائما هو ما تقدمينه لزوجك وأبنائه، فسعادة المرء تتوقف على ما يستطيع إعطاءه للآخرين، لا على ما يحصل عليه منهم، بعكس ما ننشأ عليه من أن السعادة فى الأخذ، فالحقيقة أن الإنسان كلما أسعد من حوله، تنعكس عليه السعادة، وعيشى فى حدود يومك، إذ لا الماضى بآلامه وأفراحه سوف يعيد إليك البسمة ولا الدمعة، ولا المستقبل فى جفوته أو بسمته سوف يسعدك، فاسعدى فى لحظتك الآنية وتقربى إلى الله، واسأله عز وجل أن يلهمك طريق الصواب، وأن يلين قلب زوجك وأولاده لك، وأن يرزقك الذرية الصالحة، وأن يكتب الشفاء لشقيقك والراحة والطمأنينة لوالدتك، ويجعل السعادة من نصيبكم جميعا، إنه على كل شيء قدير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.