تعد مدينة بورسعيد كنزا من كنوز التراث المعماري العالمي واستقبلت منذ نشأتها مع افتتاح قناة السويس الكثير من عباقرة البناء الأجانب حتي أصبحت تضم بصمات مختلفة من المباني التي تمثل مدارس عالمية كثيرة في فنون البناء وسجلت منظمة اليونسكو لبورسعيد انها المدينة الوحيدة في العالم حاليا التي تضم منازل خشبية مكونة من طابقين حتي خمسة طوابق كما تم اعتبار مدينة بورفؤاد مدينة تراثية بقرار من مجلس الوزراء. وشهدت المدينة في السنوات الماضية هجمة شرسة بسبب جشع رأس المال الخاص علي الكثير من التحف المعمارية حتي تم هدمها مما أثار ذعر وغيرة أبناء بورسعيد العاشقين والمقدرين لأهمية كنوز التراث المعماري بمدينتهم فانتفضوا لحماية ما تبقي منها ومحاولة إعادة إحياء وجه المدينة الجميلة المقام معظمها علي الطراز الأوروبي وتم تشكيل جمعية بورسعيد التاريخية للقيام بهذه المهمة. 650 مبني تاريخيا يقول أيمن جبر رئيس جمعية بورسعيد التاريخية إن المدينة تعتبر حديثة العمر في زمن المدن حيث أنشئت مع حفر قناة السويس ومع ذلك فهي متحف معماري مفتوح واستقبلت بحكم وضعها كميناء جاليات أجنبية عديدة جاءت لتعيش بها بعد أن أسستها شركة قناة السويس علي النظام الاوروبي وأضافت لها هذه الجاليات لمساتها في العقارات والمباني بطرز مختلفة وبالفعل كانت بورسعيد وحتي ستينيات القرن الماضي نموذجا متفردا بين المدن المصرية في جمال وروعة الثروة العقارية بها ولكن بعد عصر الانفتاح والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية بالمجتمع بدأت المدينة تفقد نسقها الحضاري وامتدت معاول الهدم لتفترس تحفا معمارية من منازل ومسارح ودور سينما وغيرها فكان لابد من التحرك لوقف هذا العدوان الصارخ علي هذه الثروة ومنذ عام 2008 اتحدت جهود المثقفين والأدباء بطبقات عديدة من المجتمع لحماية ما تبقي منها وتم رصد وتسجيل 650 عقارا تراثيا متنوعا وهذه النسبة تمثل 10٪ من التراث المعماري في مصر كلها وتم وضع هذا التراث تحت حماية القانون رقم 144 لسنة 2006 والخاص بحماية العقارات والمنشآت التراثية كما نجحنا في ان نضع مدينة بورفؤاد بأكملها كمدينة تراثية بقرار رئيس الوزراء مثل القاهرة الخديوية بشارع المعز وغيرها وتقدر الثروة العقارية التراثية ببورسعيد بنصف مليار جنيه. التراث سياحيا وأضاف أيمن جبر أن النخبة من المجتمع البورسعيدي اجتمعت علي تشكيل كيان يتولي تنمية واستغلال ما تبقي من تراث بورسعيد العقاري ليس لإعادة الوجه الحضاري والجمالي للمدينة فقط ولكن لاستغلاله سياحيا واعتباره أحد روافد التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل للشباب وتم إشهار جمعية بورسعيد التاريخية وكان أول تحرك لها هو التواصل مع جهاز التنسيق الحضاري برئاسة المهندس محمد أبو سعيد وبدأنا الإعداد لمشروع قومي ينفذ ببورسعيد من ثلاث مراحل الأولي إعادة الوجه التاريخي لشارع الميناء المجاور مباشرة لقناة السويس حيث كان قبلة للسائحين وتم تصوير عدة افلام سينمائية فيه والمشروع الثاني اقامة ممشي سياحي علي شاطئ بورفؤاد والثالث إقامة ممشي سياحي علي قناة الاتصال التي تربط بين قناة السويس وبحيرة المنزلة وتم عرض المشروع علي الرئيس ومجلس الوزراء وحظي بالموافقة علي التنفيذ وستكون البداية بالمشروع الأول والأهم وهو إعادة تجميل وتطوير شارع الميناء أو ما يسمي حاليا شارع فلسطين وكان قبل ذلك شارع السلطان حسين ويتم التنفيذ علي ثلاثة محاور: الأول اعادة الوجه التراثي للعقارات المتبقية بالشارع سواء كانت حكومية أو أهلية والمحور الثاني استغلال فنار بورسعيد: القديم الموجود بالشارع ومنطقة الرصيف السياحي لقاعدة تمثال دليسبس والمحور الثالث هو تطوير الممشي السياحي الذي تم بناؤه علي رصيف الميناء والمحلات المقامة أسفله وقد لاقينا كل الدعم والتعاون من اللواء عادل الغضبان لتنفيذ المشروع حيث تبني حوارا مجتمعيا مع العديد من فئات المجتمع من الشباب والمهندسين والمعماريين وغيرهم حتي تم الوصول للصيغة المتوافق عليها للمشروع ولكن تظهر مشكلة في ذلك باستثناء الممشي السياحي والمحلات المقامة أسفله والتي حجبت منظر مياه القناة عن الناظرين وكان المطلب الأول اعادة هذا المشهد الخلاب وتم الاتفاق علي اقامة كباري للربط بين اجزاء الممشي بدلا من كثرة السلالم التي ترهق الناس وخاصة كبار السن وتركيب مصاعد أو سلالم كهربائية لخدمة المعاقين واخلاء منطقة المحلات ونقلها لمكان اخر لاعادة النظر من خلال سور الميناء لمياه القناة والإبقاء علي عدد محدود من المحلات لخدمة رواد الشارع كالمطاعم والمشروبات وسيكون الشارع بطوله للمشاة فقط وتبلغ التكلفة التقديرية للمشروع حوالي 50 مليون جنيه ونسعي لمساهمة قناة السويس واتحاد البنوك وشركات الغاز الطبيعي والاستثمار ورجال الأعمال بها والرسالة الأساسية التي نريد توجيهها ان هذا المشروع ليس ترفيهيا بل هو مشروع اقتصادي من الدرجة الأولي سيعيد حركة تنشيط السياحة ببورسعيد ويفتح المجال لفرص عمل للشباب ونأمل أن نبدأ قريبا في تنفيذ المشروع والذي سيكون نموذجا لإعادة استغلال الثروة العقارية التراثية بمصر كلها والتي تم حصرها في 6500 عقار لا تقدر بثمن إذا علمنا أن الثروة العقارية بمنطقة وسط البلد بالقاهرة فقط تقدر قيمتها بمبلغ 60 مليار جنيه. العقارات الأثرية ويقول اللواء عادل الغضبان محافظ بورسعيد: بالفعل نحن أمام قضية هامة وهي الحفاظ علي هوية المحافظة في إرثها العقاري وصورتها التي يعرفها العالم بأكمله حيث لا توجد جنسية في العالم لم تمر علي بورسعيد في سفينة عابرة للقناة أو حطت الرحال علي أرضها وبالتالي فهذا التراث الرائع لا يقدر بثمن.. المدينة تمر بمرحلة تطور كبير علي كافة الأصعدة خاصة مع اقتراب تشغيل مشروع شرق بورسعيد وستكون مقرا لإقامة الكثير من مستثمري العالم ومحطة زيارة لكثير من الوفود، كما أن الميناء مع عودة حركة السياحة إن شاء الله يستقبل أكثر من ربع مليون سائح سنويا ومع كل هذه المعطيات فان اظهار الوجه الحضاري لمباني بورسعيد يعد أحد الروافد الرئيسية لتنشيط حركة السياحة بالمحافظة ونحن منذ فترة كبيرة سابقة نسير في هذا الاتجاه بالتعاون مع منظمة اليونسكو واستقبلت أكثر من وفد من خبرائها في مجال التراث المعماري للاستفادة من خبراتهم وقد ابدوا اعجابهم الشديد بتنوع النماذج المعمارية لمبانيها وطالبوا بالحفاظ عليها خاصة المنازل الخشبية المكونة من عدة طوابق والتي لا مثيل لها في العالم كما طرحوا أفكارا كثيرة عن استغلال المباني النادرة وأهمها المبني التاريخي ورمز قناة السويس أمام العالم وهو مبني الهيئة في بورسعيد ذو القبة الزرقاء الشهيرة اقترحوا تحويل هذا المبني لمتحف عالمي يحكي قصة القناة والأحداث التاريخية التي شهدتها أو وقعت في محيطها وأكدوا أن هذا المتحف سيكون مزارا عالميا علي غرار متحف اللوفر بباريس. وأضاف المحافظ انه شكل لجنة للحفاظ علي التراث وقامت اللجنة بحصر جميع المباني الأثرية والتاريخية بالمدينة وتم وضعها تحت مظلة قانون حماية الآثار ولن يتم هدم أو اهدار أي مبني منها بعد الان وكفي ماحدث من تدمير وتحايل للتخلص من العديد من هذه الكنوز وعلي هذا الدرب قدمت كل الدعم للمبادرات الشعبية لإعادة إحياء هذه المباني وآخرها مبادرة جمعية بورسعيد التاريخية لإعادة إحياء شارع الميناء صاحب المباني التي ولدت مع بورسعيد ويعد هذا الشارع رمزا للمدينة وكانت مبانيه تطبع علي كروت بوستال كعنوان ورمز لبورسعيد وهذه المبادرة تلقي التشجيع من كل أجهزة الدولة و نظمنا عدة حلقات نقاشية مع فئات عديدة من المجتمع لمناقشة مشروع تطوير وتجميل الشارع للوصول إلي أفضل تصور يمكن تنفيذه وخلال الايام القادمة سنعقد أكبر حلقة نقاشية حول ذات الموضوع لوضع الشكل النهائي للتنفيذ وسيكون هذا المشروع بداية الانطلاق لتعظيم المردود من كل ما تملكه بورسعيد من ثروة عقارية نادرة.