أيام بل ساعات ويهل علينا شهر رمضان أعاده الله علينا جميعا بالخير والبركات. زمان كانت والدتي لا تمل القول منذ منتصف شعبان بأنها تشم رائحة رمضان.. رائحة غير كل الروائح وفشر أجدعها برفانات.. كانت تقول رائحة صوت أذان الشيخ محمد رفعت.. رائحة طبق السلاطة الملغم بكل الخضراوات والتي كان يتفنن فيه الوالد من بعد صلاة العصر حتي ما قبل الأذان بدقائق قليلة.. رائحة الشوارع والمحلات التي تتفنن في عرض احتياجات رمضان التي كانت زمان حاجة ببلاش كده. الآن وفي ظل الغلاء الفاحش لمستلزمات رمضان لم يعد للأشياء طعم ولا رائحة اللهم إلا الفريضة التي كتبها الله تعالي علي عباده لتظل أيام زمان محفورة في الذاكرة ورغم ذلك تظل دائما وأبدا أيام رمضان في مصر »غير»، أي تختلف عما عداها في أي دولة وأي مكان علي وجه البسيطة.. فبحكم عملي عشت رمضانات كثيرة خارج أرض الوطن وفي دول إسلامية أيضا لكن لم أشهد لحظة واحدة من رمضان في مصر حيث التراحم والتواد وموائد الرحمن المنتشرة في كل مكان.. وأدعو الله تعالي ألا تختفي هذه المظاهر المصرية الخالصة أبدا. لم أجد في أي بلد احتفاء برمضان كما في بلدنا نغني لقدومه بأهلا رمضان ومرحب شهر الصوم وخلاله نشبعها حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو وسبحة رمضان وباب الغفران وعندما تقترب النهاية نقول والله لسه بدري يا شهر الصيام. المحير أن ارتباطنا بالشهر الكريم من باب الأغاني الرمضانية لم يتغير منذ وقت طويل وكأنما جف إبداعنا عند الروائع التي أبدعها جيل الرواد من الشعراء والملحنين والمطربين فلم تظهر حتي الآن أغنية تضاهي أو حتي تقترب من أهلا رمضان أو حالو يا حالو وغيرها من الروائع.. والجديد فقط بعض الاجتهادات لإعادة إخراج هذه الروائع بتوزيع جديد أو في شكل كرتوني يجتذب الصغار لكن يظل الأصل ثابتا يتحدي التاريخ مثل الأهرامات. الأغنيات الرمضانية الشهيرة مضي علي إنتاج بعضها أكثر من 40 عاما والبعض الآخر نحو نصف قرن ومازالت تعيش في الوجدان وترددها الأجيال المتعاقبة جيلا بعد جيل وتبثها فضائياتنا مع ظهور الهلال.. يا سلام عليك يا عمنا محمد عبد المطلب وأنت تقول علي أنغام الموسيقار الكبير محمود الشريف: رمضان جانا.. وفرحنا به.. بعد غيابه.. ويسابقه المطرب الكبير عبد العزيز محمود بأغنية »مرحب شهر الصوم مرحب» وهي من ألحانه وكلمات الشاعر الكبير محمد علي أحمد. ويدخل السباق الثلاثي المرح مع ألحان العبقري الموسيقار علي إسماعيل بأغنية »سبحة رمضان.. لولي ومرجان بتلاتة وتلاتين حباية.. تلاتة وتلاتين منهم تلاتين أيام رمضان نور وهداية.. وتلاتة العيد ونقول ونعيد ذكر الرحمن آية بآية.. أيام رمضان رحمة وغفران ورضا الرحمن وحده كفاية».. ويمضي قطار الإبداع مع الشاعرة نبيلة قنديل وزوجها الموسيقار علي إسماعيل وأغنية الثلاثي المرح مع أغنية »أهو جه يا ولاد». ويصل الإبداع قمته مع أغنية قيثارة الغناء ليلي مراد »باب الغفران» من كلمات الشاعر محمد مراد فؤاد ولحن الشيخ سيد مكاوي. يا عظمتك يا فؤاد ويا جمالك يا مكاوي عندما تقول ليلي مراد: »باب الغفران بخمسة أركان بالنور مليان نور إسلامك.. وعليه ملكين واقفين الاتنين يستنوا صلاتك وصيامك.. وتلاقي الحور داير ما يدور يستنوا أوامرك وكلامك.. يا للا ياغفلان باب الرحمن مفتوح علي آخره قدامك. ركن التوحيد لله تمجيد يا رب فريد في ملكوتك.. والصلاة والصوم فرض ومحتوم إياك إياك وقت يفوتك.. وزكاة المال من قرش حلال حتكون م الفايض من قوتك.. والحج كمان رحمة وغفران لو تقدر حيزيد إكرامك.. ياللا ياغفلان باب الرحمن مفتوح علي آخره قدامك.. قلبك يرتاح لو كل صباح بتقوم الفجر وبتصليه.. راح تبقي سعيد والرزق يزيد والمولي بفضله يبارك فيه. العبد إن تاب يلقي التواب من عند الباب بيرحب بيه.. واقرا القرآن بركة وغفران هو اللي ينور أيامك.. ياللا ياغفلان باب الرحمن مفتوح علي آخره قدامك». الكرة الآن في ملعب مطربينا وملحنينا في أن يبدعوا ألحانا تستقر وتبقي في الوجدان مثلما فعل السابقون.. يقيني أن الأمر سيظل من الأحلام فمازالت جميع مناسباتنا الدينية أو الوطنية لا تجد سوي إبداعات زمن الفن الجميل ويا بركة رمضان زيدي. دراما رمضان رمضان شهرعبادة وتقرب لله وهو أيضا شهر السهر واللمة والعائلة وهنا يأتي دور القوة الناعمة في شحن همم الشعوب في مناسباتهم الدينية أو الوطنية.. زمان كان المسلسل الديني هو الأساس في شهر رمضان بجانب مسلسل اجتماعي يتيم ولظروف الإنتاج والتوزيع وغياب الدولة عن الإنتاج الدرامي غاب الجانب الديني وبمعني أشمل التاريخي وابتعد عن فضائياتنا وحل بدلا منه بلا منازع مسلسلات العنف والخيانة والبلطجة التي تتكلف حسب التقديرات ملياري جنيه. تمنياتي أن يدرك صناع الدراما عندنا خطورة ما يقدمونه علي النشء بل علي المجتمع ككل وليفكروا للحظة في أسباب هروب الناس للدراما واردة الهند وتركيا فالأولي تأخذهم لملكوت آخر من الخيال والثانية تأخذهم للطبيعة الخلابة والرومانسية الغائبة. أتطلع لأن يدرك المجلس الأعلي للإعلام الذي يترأسه المعلم مكرم محمد أحمد ويضم في عضويته كوكبة من رجال الفكر والخبرة الإعلامية في إعادة الدراما المصرية لموقعها الصحيح الذي يحترم القيم وثوابت المجتمع وأن يدرس جيدا عودة الدولة لمجال الإنتاج الدرامي ليس من باب المنافسة مع القطاع الخاص لكن من منطلق تصحيح مساره والتركيز علي الموضوعات التي يخشي القطاع الخاص اجتيازها ولدينا الكثير من الموضوعات والشخصيات التاريخية والدينية الخصبة التي يتشوق الناس لعمل درامي يوثق أعمالها ويبرز دورها بدلا من التركيز علي حياة سنية جنح وطارق سنجة. لاشك أن المجلس الأعلي للإعلام بدأ مهامه متأخرا هذا العام وبمنطق الكوميديان الراحل عبد الفتاح القصري: معلش تنزل المرة دي، لكن العام المقبل لن نقبل منه أي أعذار في أن يصلح من حال الدراما إحدي الأذرع المهمة للقوي الناعمة بالمجتمع.