»استغلال.. إذلال.. مهانة».. بهذه الكلمات وصف الشاب الدمياطي »عبدالرحمن» حاله وحال جميع الشباب المصريين من طالبي اللجوء في ألمانيا الذين يعملون في البلاد بما يسمي »العمل الأسود»، وهي الكلمة الشائعة لوصف العمل بشكل غير قانوني لكل من يقيم بصورة غير قانونية أو من هم في مرحلة التقديم للحصول علي اللجوء، حيث لا يُسمح لهم بالعمل لأنهم يتقاضون مساعدات اجتماعية حتي يتم تقنين أوضاعهم في الدولة. غادر »عبدالرحمن» (39 عاما)، مصر منذ عام ونصف تقريبا إلي تركيا ومن هناك وصل اليونان للعمل مع أصدقاء له سافروا قبله بفترة، لكن بعد وصوله وجد زملاءه هناك في حال يرثي لها فقرروا معا بدء الطريق إلي أوروبا ضمن الفارين من الحرب السورية والعراقيين والأفغان الذين بدأو الرحلة من هناك.. يقول »عبدالرحمن» الذي كان يعمل فني ديكور وأعمال جبس في محافظته، إنه اتخذ الطريق من اليونان برفقة أسرة سورية حتي يصل إلي السويد لكنه اعتقل علي حدود الدنمارك وتم سجنه هناك لعدة أيام، ثم طلب منهم أن يذهب إلي ألمانيا فجاء إلي هنا وقرر تقديم طلب اللجوء. ويقول »عبدالرحمن»، وهو يشعل سيجارة ينفث بدخانها إحباطه وحزنه المكبوت داخله، إن الصورة قاتمة ولا يري أملا في تحسن الوضع لأن السلطات الألمانية ترفض قبول طلبات جميع اللاجئين المصريين، وأن الحل الوحيد أمامه هو »نعمل بالأسود». ويضيف وعلي وجهه علامات اليأس: »تشتغل وتحصل علي أقل من ربع الأجر.. وأحيانا لا تحصل عليه أساسا». يحصل عبدالرحمن، وهو أب لثلاثة أبناء يعيشون في مصر، علي 400 يورو في الشهر فقط من صاحب المطعم الذي كان يعمل فيه، مشيرا إلي أن »كل أصحاب هذه الأعمال من المهاجرين القدامي يستغلون حاجتنا للعمل ويفرضون شروطهم.. وإذا لم تقبل هناك غيرك كثير». ويحكي عبدالرحمن أنه يعرف آخرين يعملون في اليوم كله ب 10 يورو.»عبدالرحمن» كان يتقاضي هذا المبلغ قبل أن يترك العمل منذ 3 أسابيع، ويعيش حاليا علي المساعدات الحكومية التي تبلغ 136 يورو في الشهر مع توفير وجبات للطعام يوميا.. ينتظر الشاب الدمياطي الذي يشعر بالمرارة نتيجة قرار طلب اللجوء الذي رفض لأول مرة، بدون أمل قائلا: »الألمان يعرفون كل شيء ولا يقبلون طلبات المصريين».. ويتابع »إذا تم رفضي سأستمر هنا بشكل مخالف أو أرجع إلي مصر لن أغامر مجددا».. مشددا علي أن الخجل ووصمة الفشل تمنعه من العودة إلي مصر حالياً. حال عبدالرحمن مثل كثيرين من الشباب المصريين الذين غامروا بحياتهم سعيا وراء وهم الثراء السريع والطموحات التي لاتقوم علي أساس.. أغلبهم ممن تحدثت »الأخبار» معهم تعليمهم متوسط ولا يتحدثون الإنجليزية ولا الألمانية وحتي المهن التي يعرفونها غير مطلوبة في السوق الألماني الذي يشترط مهارات معينة تتطلب تدريباً لفترات طويلة قد تصل إلي 3 سنوات حتي يتم إتقانها. »برايك إسماعيل» رئيس الجمعية المصرية الألمانية في برلين يقول إن من يتم رفض طلبات لجوئهم يعيشون في ظل أوضاع صعبة وعليهم قبول الأمر الواقع والاستغلال والنصب.. ويضيف أن أغلبهم يصطدمون بالواقع المرير، ويدركون إنهم تم خداعهم بالوهم الأوروبي. ويؤكد إسماعيل، الذي وصل إلي ألمانيا قبل 25 عاما، أن الأوضاع اختلفت الآن وأصبحت الأمور أصعب ومن المستحيل تحقيق ما يحلمون به. »خطاب» (27 عاما) من كفر الشيخ خرج من مصر وهو ابن 17 عاما استقر في اليونان يعمل هناك دون قيود رغم انه مسجل لجوء، علي حد قوله. يقول انه كان يكسب مالا معقولا من خلال العمل في اليونان التي مكث بها عدة سنوات، لكن تدهور الأوضاع الاقتصادية هناك دفعه إلي الانتقال لإيطاليا ومكث بها عدة سنوات يعمل بنفس الطريقة »الاسود»، ثم جاء إلي المانيا »لاستكمال المشوار الأسود»، ساخرا من نفسه.. ويحكي انه تعرض للعديد من عمليات النصب خلال العمل في المطاعم كعامل نظافة وجلي للصحون.. وكيف تعرض للعديد من المواقف التي أحس فيها بالذل والإهانة من جانب أصحاب الأعمال من المهاجرين السابقين.. ويقول إنه في إحدي المرات عمل لمدة 3 أشهر في مطعم عربي وفر له صاحب العمل المسكن والطعام وظل يؤخر له الراتب وفي النهاية طرده وقال له ليس لك عندي شيء.. وأجرك نظير إقامتك وطعامك». يقول خطاب: »ليس في إمكانك أن تعمل شيء في هذه الحالة.. فقط تلجأ إلي الله بالدعاء عليه». ويفرض القانون الألماني عقوبات صارمة ضد العمل بشكل غير قانوني علي الطرفين العامل وصاحب العمل.. فالعامل يتعرض لغرامة كبيرة وصاحب العمل غرامة أكبر قد تصل إلي مئة ألف يورو، وقد تصل إلي السجن 10 سنوات. أما في حالة أن العامل لاجئ، يفرض القانون عليه غرامة تصل إلي 5 آلاف يورو وقد يتسبب ذلك في تعطيل قرار منحه حق اللجوء ويتم خصم الغرامة المالية من قيمة المساعدات التي يتلقاها. من جهته، يقول »أحمد» (25 عاما)، إن الاستغلال من قبل أصحاب العمل العرب ومن بينهم مصريين، زاد خلال السنوات الأخيرة بسبب توافد عدد كبير من السوريين. »عبدالرحمن» و»خطاب» و»أحمد» هم من بين أكثر من ألف طالب لجوء مصري علي قوائم الترحيل في ألمانيا، وهذا ما أكده »توبياس بلاته» المتحدث باسم وزارة الداخلية الاتحادية في ألمانيا في رد علي استفسار من »الأخبار» بشأن اللاجئين المصريين. قال: »توبياس بلاته» في رده: »أن قرار الإعادة القسرية للمصريين المرفوضين لم يُتخذ بعد وهناك أسباب مختلفة وراء عدم نجاح عمليات الإعادة القسرية حتي الآن» وأضاف أن الحكومة الألمانية تجري اتصالات وثيقة ومستمرة مع السلطات المصرية لحل هذه القضية. وأشار إلي أن عدد المتقدمين المصريين للحصول علي اللجوء في 2016، بلغ 1667 طلبا. أما عدد المتقدمين من بداية العام الجاري فقد بلغ 256 طلبا حتي مارس.