كل التهنئة للزميل العزيز جلال دويدار، ولشاعرنا الكبير فاروق جويدة، وللمتميز حتي في مطاردتنا للالتزام بمواعيد الكتابة الزميل محمد درويش.. ثم لمجموعة الشباب الرائع الذين شاركوا الكبار في حمل جوائز تحمل اسم »علي ومصطفي أمين» مؤسسي »أخبار اليوم» ورائدي هذه المدرسة الصحفية الرائدة في مصر والعالم العربي. تأتي المناسبة، فأتذكر احدي المهام المؤجلة في حياتي، وهي اتمام مشروعات لم تكتمل لكتابة ذكريات سنوات طويلة في عالم الصحافة والسياسة. ولعل أقربها للاكتمال مشروع كتاب أنجزت معظمه عن تجربتي في بيتي الأول والأخير »أخبار اليوم» والتي بدأت مع هذين العملاقين اللذين حفرا طريقا جديدا في الصحافة المصرية سارت فيه أجيال وراء أجيال.. تجدد، وتبدع، وتنطلق علي الدوام بحثا عن الجديد، واقترابا من قارئ لابد أن يبقي هو السيد المطاع الذي لا ولاء للصحفي إلا له.. وللحقيقة والوطن. كان مصطفي أمين هو الذين قادنا لطريق »أخبار اليوم» حين جاء ليدرس لنا الصحافة في الجامعة، ثم كان من حظي أن أجمع بين رعايته وبين رعاية شقيقه علي أمين بحكم اشراف الأخير علي النواحي الفنية في صحف ومجلات الدار، والتي اقتربت منها بحكم عملي سكرتيرا للتحرير. بدايتها.. قرار بالفصل وأنا أقلب صفحات من فصول تجربتي في »أخبار اليوم» اكتشف أن أول لقاء لي مع علي أمين شهد أول قرار بطردي من العمل!!.. كنت مازلت في مقتبل حياتي الصحفية حين طلب مني أحد الزملاء الاعزاء أن أنوب عنه في عرض »ماكيت» للصفحة الأولي من »أخبار اليوم» كان قد طلبه منه علي أمين. وبكل حُسن نية أخذت »الماكيت» الذي ما إن اطلع عليه علي أمين حتي صرخ في وجهي: »أنت لم تفهم شيئا مما قلته لك. أنت مرفود.. مرفود». حاولت أن أشرح الموقف، وأن أقول إنني لست من تلقي التعليمات، ولا من نفذها.. لكن الثورة كانت عارمة، والقرار كان حاسما: مرفود.. مرفود!! وانسحبت غاضبا، عدت للمكتب وجمعت أغراضي، وأسرعت خارجا. لكن الزملاء كانوا قد أخبروا العزيز الراحل سعيد سنبل الذي استوقفني في الطريق وأدخلني مكتبه، وسمع ما جري، ثم تحدث في التليفون، وطلب مني أن أرافقه، حيث ذهبنا إلي مكتب مصطفي أمين الذي استقبلنا ضاحكا، وسمع القصة مرة اخري، ثم اصطحبنا إلي مكتب أخيه علي الذي ما كاد يري وجهي حتي هب ثائرا مرة أخري: مرفود!! وهنا قال له مصطفي أمين مبتسما: لقد حاولت تنفيذ ذلك. لكن المشكلة أنه لم يتم تعيينه بعد!! وهنا فوجئت بالجبل الثائر يجلس علي مقعده، ثم يقهقه بالضحك، ويقول لأخيه مصطفي: خلاص.. يصدر قرار بتعيينه، حتي يتم تنفيذ قرار فصله!! بعدها سمع علي أمين القصة، ثم أعاد ما كان قد طلبه. استأذنت لدقائق عدت بعدها ومعي الماكيت الجديد الذي يحقق ما طلبه. شاهده بتمعن ثم قال ببساطة: لا تزعل مما حدث.. وكانت علاقة امتدت حتي رحل مهندس الصحافة الحديثة الذي قاد عملية اخراج الصحيفة بالصورة الفنية التي جعلت من صحافة مصر تجتاز في سنوات عقودا من التطور بفضل جنود مجهولين جمعوا بين العلم والفن والموهبة التي حولت الصحيفة من أوراق ترص فيها الأخبار والمقالات، إلي صحف تجمع بين المادة المهمة والعرض الخلاب الذي يجعل الجمال والذوق السليم عنصرا في العلاقة بين الصحيفة والقارئ. أفضال لا تنسي!! في دفتر الذكريات أيضا قصة اخري -بين قصص كثيرة- أنقذ فيها مصطفي أمين حياتي في »أخبار اليوم»!!.. كنت قد انهيت دراستي الجامعية، وفوجئت بقرار يتم فيه تعيين كل من استكملوا دراستهم من المتدربين في المؤسسة بمرتب قدره 17 جنيها، وهو المرتب المعهود في ذلك الوقت. اعترضت من جانبي، فقدكان هناك طلب من استاذنا جلال الدين الحمامصي قبل عام من تخرجي بتعييني بمرتب أكبر من ذلك بكثير، وتعطل اصدار القرار لتغييرات في الإدارة كانت تتعرض لها »أخبار اليوم» في هذه الفترة!! تركت العمل في »أخبار اليوم» لفترة كان فيها مصطفي وعلي أمين خارج المؤسسة، بعد يوم أو يومين من عودة مصطفي أمين لداره، فوجئت بالزميل الراحل جمال بدوي يوقظني من النوم ليخبرني بأنه قادم بسيارة »أخبار اليوم» لاصطحابي لمقابلة مصطفي أمين الذي ما أن رآني حتي انطلق موبخا: كيف أترك »أخبار اليوم» وهي مستقبلي وحياتي؟!.. ونزلت من مكتب مصطفي أمين إلي صالة التحرير والمطبعة وسنوات العذاب الجميل في أسمي وأشرف المهن!! وفي كتاب الذكريات لن أنساها مدي الحياة. مصطفي أمين وهو يصر علي الصعود للدور الأخير في المبني القديم لنقابة الصحفيين لكي يدلي بصوته في الانتخابات.. وبروحه المرحة يقول: إنهم يريدون منعه من الادلاء بصوته، لكنه سيصعد، وسيدلي بصوته لما يراه الحق وما يعتقد أنه في صالح حرية الصحافة واستقلال النقابة. لكن كل ذلك يتواري أمام لحظة مازالت حية في الذاكرة رغم طول السنين. كنت أدخل المبني الرئيسي، بينما كان مصطفي أمين داخل سيارته التي توشك علي الانطلاق. فجأة وجدت السيارة تتوقف، ومصطفي أمين يطل برأسه مناديا عليّ!! خرج من السيارة وأخذني جانبا، قال لي: احترس هذه الأيام، فأنت مرصود، والسلطة غاضبة!! بعد أيام صدرت قرارات سبتمبر، وكنت بين ضحاياها، وإن كان اسمي قد نقل -في اللحظة الأخيرة كما عرفت بعد ذلك- من قائمة المعتقلين إلي كشف المبعدين إلي وزارات ومصالح، بعيدا عن العمل الصحفي!! ولا أريد الاسترسال في أحاديث ومواقف كان فيها قلم مصطفي أمين نصيراً لنا وللحريات الصحفية، عندما كنت أتولي مسئوليات نقابية بأرادة الصحفيين. لكني أتوقف هنا عند موقف شخصي جدا يعطي الدلالة علي علاقة اساتذة الصحافة الذين تتلمذنا علي أياديهم، مع أجيال جديدة تبحث عن الطريق، ويعاندها القديم ويضع كل العراقيل أمامها!! كنت في بداية الطريق، وكان من حُسن حظي أن أجد الرعاية من اساتذة توسموا فيّ خيرا. كان مصطفي أمين يعود لمكتبه بعد الظهر في الخامسة والربع مساء. بعد قليل فوجئت بالسكرتارية الخاصة به تطلب مني الصعود لمقابلته. كنت في صالة تحرير الأخبار أمارس عملي. استأذنت من رئيسي في العمل، فظهرت السعادة علي وجهه وهو يوافق!! في مكتبه، وأنا أقدم رجلا وأؤخر الأخري، حتي وصلت إليه.. طلب مني الجلوس، ثم ناولني أوراقا طلب مني قراءتها. قرأت، وصُدمت.. كانت الأوراق تحمل رأي رئيسي في العمل في أنني لا أصلح لأي شيء!! مع اضافة سلسلة من الوقائع غير الصحيحة والاتهامات التي لا يمكن تصديقها!! قرأت الأوراق، ومن هول الصدمة لم أستطع أن أتكلم. لكن مصطفي أمين تكلم طالبا مني الهدوء. وببساطة قال انه لا يصدق شيئا من هذا الكلام، لكنه يطلعني عليه، لكي آخذ حذري، وانتبه لما حولي، وأدرك أن أمامي طريقا طويلا مليئاً بالأشواك لابد أن أعبره!! آخر لحظة.. مع علي أمين وفي كتاب الذكريات صفحات حزينة عن الأيام الأخيرة في حياة علي أمين. كان قد اختارني للإشراف الفني علي الاصدار الجديد الذي كان يريده أن يري النور في حياته، كان مشروعه الأخير هو »آخر لحظة» وكان قد اختار الزميل إبراهيم سعده ليشرف علي الجزء الخاص بالشباب في المجلة، والكابتن عبدالمجيد نعمان للاشراف علي الجزء الخاص بالرياضة. كان يريدها اصدارا جديدا في كل شيء. وكان العمل شاقا للغاية ولكنه ممتع بلا حدود. ثم علمت مبكرا بحقيقة مرض علي أمين. وكان الأمر صعبا للغاية. ولجأت إلي مصطفي أمين الذي يعيش مع أحزانه وقلقه علي توأم عمره. ونفذت كل ما طلبه مصطفي أمين مني، لتمر الأيام الأخيرة في حياة شقيقه بهدوء. ورحل مهندس الصحافة المصرية، وبقي مصطفي أمين صامدا يشارك في كل قضايا الوطن، ويخوض كل معارك حرية الصحافة. ويبهرنا باحتفائه الدائم بالجديد، وانتصاره للمستقبل، وايمانه الدائم بأن الغد أفضل. ويبقي الوفاء الحقيقي لمصطفي أمين وعلي أمين هو بالحفاظ علي »الأخبار» في المقدمة. والارتقاء بها يوما بعد يوم لتكون المؤسسة الصحفية القائدة في العالم العربي.. تسابق الزمن وتقهر الظروف وتعطي دروسا في الاداء الصحفي المميز، وفي نشر الفكر المستنير، والوقوف في وجه خفافيش الظلام. رحم الله الشقيقين اللذين أسسا لمدرسة »أخبار اليوم» الصحفية. وأنار الطريق أمام أجيال جديدة لتحيي ذكري عملاقي الصحافة كل يوم، بالمزيد من العمل، ومن التفوق الذي لم يكن أمامهما من هدف سواه. .. وتبقي في كتاب الذكريات صفحات كثيرة. لعل الزمن يسمح بأن تكتمل فصولها، لتحكي عن عصر كان أجمل ما فيه أن تعيش في كل لحظة وأنت تتعلم من الكبار، وتنتصر لما تتعلمه منهم.
فرنسا.. إلي أين؟! اليوم تكتب فرنسا صفحة جديدة من تاريخها. انتخابات الرئاسة اليوم ليست كغيرها. عاشت فرنسا ما يقرب من نصف قرن يتناوب علي حكمها اليمين المعتدل واليسار المعتدل. في هذه الانتخابات تنقلب الأمور رأسا علي عقب. اليسار »الذي يحكم حتي الآن» لا مكان له في المنافسة الحقيقية. واليمين المعتدل الذي يمثله »فيون» رئيس الوزراء الأسبق كان مرشحا للفوز الساحق قبل شهور، لكن الفضائح المالية التي حاصرته أنهت هذا الطموح. الاستطلاعات حتي قبيل الحادث الإرهابي الذي ضرب قلب باريس قبل يومين من الانتخابات، كانت ترجح أن يكون المركزان الأولان لمرشحة اليمين المتطرف »ماريان لوبان» والمرشح المستقل الذي يحظي بدعم دوائر المال في فرنسا وفي اوروبا »مكماهون» المنحاز لبقاء فرنسا داخل الاتحاد الاوروبي. بعد الحادث الإرهابي أصبحت كل المفاجآت واردة. المفترض أن يصب الحادث لمصلحة اليمين المتطرف الذي تمثله »ماريان لوبان» لكن تصريحاتها تثير المخاوف حيث أكدت علي ضرورة طرد اللاجئين و»الغرباء» من فرنسا وهو ما يهدد بإثارة المزيد من الاضطرابات علي خلفية الصراعات العنصرية. في نفس الوقت دعم الحادث فرص المرشح »فيون» رغم اتهامات الفساد، علي أساس انه صاحب التجربة الأكبر في الحكم بين المرشحين، باعتباره رئيسا سابقا للحكومة، وهو ما يدعم وجهة النظر التي تقول انه لا وقت للتجارب أمام الخطر، بل المطلوب صاحب خبرة يواجه الموقف. وهو ما يعارضه كثيرون علي اعتبار أن الحكام السابقين هم من أوصلوا فرنسا »وأوروبا كلها» إلي أزمتها الحالية!! ويزداد الموقف تعقيدا، حين يكون ثلث الناخبين المتوقعين لم يحددوا »حتي ساعة وقوع الحادث الإرهابي» لمن سيعطون أصواتهم!! وحين يكون مستقبل وحدة اوروبا مرتبطا بما سيقرره الناخب الفرنسي اليوم!! وحين يكون فوز الرئيس الأمريكي »ترامب» مصاحبا لتصريحاته ضد الوحدة الاوروبية التي تراجع عن بعضها بعد ذلك!! وحين يكون الدب الروسي علي الحدود مع اوروبا، ويكون جزءا من الصراع الانتخابي!! فرنسا تخطو -في كل الأحوال- نحو بداية جديدة. ربما تتضح بعض معالمها مع ظهور نتائج الجولة الأولي للانتخابات مساء اليوم. ولعل النتائج تطمئن اوروبا والعالم!!
عليه العوض..!! لم يعد أمام الغلابة من أمثالي الذين عشقوا كرة القدم وتمتعوا بها زمنا إلا مقاطعة كل ما يجري علي الساحة المصرية، ويدعي الانتساب زورا وبهتانا لهذه اللعبة الجميلة!! بدءا من مباريات بلا متعة، إلي تعليقات مكانها الطبيعي هو أماكن الحجز في أقسام الشرطة، إلي صراعات مبتذلة، ولغة أكثر ابتذالا، واتهامات بكل ما يخطر علي البال.. من التزوير إلي السرقة إلي التربح.. وما خفي كان أسوأ بالتأكيد!!.. كل هذا أصبح فوق الطاقة لمن لا يريد إلا متعة بريئة وكرة جميلة وأخلاقا تنتقل من الملعب إلي أركان المجتمع، فإذا به أمام كل هذا القبح الذي لا علاقة له بالرياضة من قريب أو بعيد!! عليه العوض في لعبة جميلة لا تكتمل إلا بالتنافس الشريف والروح الرياضية. وإلي أن تعود ذات يوم نرجو أن يكون قريباً، فلنحمد الله أن جعل مشاهدة البطولات الاوروبية متاحة، ولنترقب يوما تأخذ فيه الالعاب الأخري التي تفوق فيها ابناؤنا وبناتنا فرصة الرعاية والمتابعة الإعلامية الواجبة لمن حصلوا علي بطولات العالم أو البطولات الافريقية في الاسكواش واليد والطائرة، ومرت بطولاتهم في صمت لأن البعض مشغول بتوقيع الكابتن »حكشة» للنادي الفلاني في كرة القدم، أو بانتقال قاموس المرحومة »سكسكة» ليدخل لغة الحوار بين قيادات في عالم الكرة والرياضة!!
آخر اليوميات بعض قطرات الورد من أزهار شاعرنا الكبير صلاح عبدالصبور: وهكذا تمضي الحياة بي أعيش في انتظار هل.. لحظة مشرقة في ظلمات الليل أو.. لحظة هادئة في غمرة النهار!!