اتفق تماما مع رأي الدكتور جابر عصفور حول تجديد الفكر الديني بأنه لم يعد من قبيل الرفاهية بل هو قضية أمن قومي.. والتجديد لا يعني التخلي عن الأصول والثوابت، كما قد يتوهم البعض، فالنصوص الدينية في الاسلام هي القرآن الكريم. وكل ما يرجوه البعض هو التعامل مع كتب الأحاديث بحذر، وأن نقيس الحديث بما ورد في القرآن. والفكر الديني.. فكر بشري.. ومن هنا.. فإن ما يتناوله التجديد هو مجهودات بشرية وليس نصوصا دينية. لقد تعرض الخطاب الديني لتشويه مقصود وتحريف واضح لمبادئه السمحة، وفي رأي الدكتور صلاح فضل ان ذلك حدث لخدمة أغراض الجماعات التي تستغل الدين لتحقيق مآربها في تدمير المجتمعات العربية ومعاداة الحضارة الانسانية، ونقض المواثيق، والعهود الدولية، الأمر الذي يمثل تحديا صارخا للفكر القويم وسعيا لتمزيق شمل الامة واهدارا لطاقتها. والدكتور صلاح فضل علي حق عندما يؤكد ان الفكر الاسلامي يحتفي بالتجديد حتي يمكن اعتباره مرادفا له. ويقوم التجديد في رأيه علي اساس مرتكزات الفكر الوسطي التي استقر عليها الأزهر الشريف، ومراعاة لمنجزات التطور الحضاري التي دعمتها الثقافة العربية في العصر الحديث، واعترافا بضرورة اعمال العقل النقدي وتمكين الفكر العلمي والانفتاح علي تقنيات العصر، وتنمية القيم الروحية السامية، وقطع الطريق علي من ينصبون أنفسهم أوصياء علي الناس، ورفض التمييز العرقي والديني والطائفي والنوعي، والدخول الجاد في عصر مجتمعات المعرفة والانتاج والتقدم. ويتفق كل من د. جابر عصفور ود. صلاح فضل، في الدراسات الممتازة التي نشرها مركز »بدائل للدراسات المعاصرة» فيما يتعلق بضرورة مراجعة البرامج والمناهج الدراسية الخاصة بالتعليم الازهري ابتداء من الابتدائي وانتهاء بالجامعات و الكليات الازهرية، حيث ان التجديد لن يبدأ إلا باعادة النظر في التعليم الديني، والمدني ايضا. ففي الوقت الذي تنص فيه وثيقة الأزهر، الصادرة عقب ثورة 25 يناير 2011 علي اعتبار الحث علي الفتنة الطائفية »جريمة في حق الوطن» وعلي تأكيد »الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لاتباع الديانات السماوية الثلاث، وضمان الممارسات الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أيه معوقات، واحترام جميع مظاهر العبادة بمختلف اشكالها». في نفس هذا الوقت نجد - مع ذلك- ان كتابا مقررا علي الصف الثالث الثانوي الأزهري عنوانه »الإقناع في حل ألفاظ ابي شجاع» يقول و»لا تبني كنيسة في الاسلام لأن إحداث ذلك معصية، فلا يجوز في دار الاسلام فإن بنوا ذلك هدم، ولا يجوز إعادة بناء كنيسة قد انهدمت». ويري د. جابر عصفور ان العناصر الاساسية في الخطاب الديني الوسطي هي نفسها التي ذكرها الإمام الشيخ محمد عبده في تحديد الاصول الاسلامية، وهي: التوحيد والإيمان بالله- احترام العقل- عندما يتعارض العقل مع النقل يؤخذ بالعقل ويتم تأويل النقل- عدم التكفير- التأمل في الكون- لا وجود لسلطة دينية في الاسلام. كلمة السر الفكر العقلاني