بين مظاهرات الاحتجاج الجماهيرية العربية التي تجتاح عشرات المدن من المحيط الي الخليج تبدو المظاهرات العراقية الرافضة للحكومة الطائفية الفاسدة برئاسة نوري المالكي سيئة الحظ جداً! فعلي الرغم من ان المظاهرات العراقية بدأت قبل مظاهرات تونس ومصر ثم ليبيا واليمن وسوريا الا ان الاعلام العربي مارس تعتيماً غير مفهوم علي تلك المظاهرات. فالشوارع العراقية شهدت طوال أكثر من عشرة أشهر وحتي اليوم مظاهرات مستمرة ليس في بغداد والموصل والبصرة وحدها باعتبارها أكبر المدن في البلاد وانما تجاوزتها الي السليمانية ثاني أكبر مدينة عراقية كردية وكركوك والرمادي والكوت والعمارة وبابل والناصرية والسماوة وبعقوبة. بل ان مدينتي النجف وكربلاء وهما معقل الاحزاب الطائفية الحاكمة شهدت مظاهرات مستمرة ضد الفساد والاعتقالات والتدخل الايراني السافر. وكانت اغنية المظاهرات التي تردد صداها في العراق كله هي "كذاب.. كذاب.. نوري المالكي"! وهي اغنية تستحق دخول موسوعة جينيس للارقام القياسية بجدارة كأقصر اغنية في تاريخ الغناء العربي والعالمي اذ انها لا تتضمن سوي هذه الكلمات الاربع فقط يرددها المتظاهرون ساعات طويلة وفي كل "شارع شارع.. وبيت بيت.. ودار دار.. وزنقة زنقة"! فتحت قوات المالكي نيران أسلحتها الرشاشة بالرصاص الحي وخراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع واستخدمت الهراوات وطائرات الهليكوبتر والقناصة ضد المتظاهرين الذين لم يطالبوا بسقوط النظام كما فعل غيرهم في الشوارع العربية الاخري ولكنهم طالبوا بتوفير فرص عمل واطلاق سراح المعتقلين الابرياء ومكافحة الفساد واصلاح الكهرباء. كانت هذه الحكومة الطائفية الموالية لملالي الدجل والشعوذة في ايران توفر أقصي درجات الحماية, بما في ذلك منع سير العربات والدراجات, للمظاهرات المليونية التي تحدث في بعض المناطق عدة مرات في العام في شهر محرم ويوم عاشوراء وذكري الاربعين والغدير وغير ذلك من المناسبات الدينية التي صارت وسيلة لالهاء الشعب وبث الشعارات السياسية للاحزاب الحاكمة واستفزاز معارضي الحكومة الفاشلة. لكن هذه الحكومة لا تكتفي بعدم توفير سيارة إسعاف واحدة في اماكن المظاهرات المعروفة والمعلن عنها قبلها بايام لانقاذ المصابين برصاص ارهاب الدولة, وانما تملأ هذه الاماكن بالاسلاك الشائكة والمتاريس والحواجز الكونكريتية وتفرض منع التجول وتنشر القناصة علي أسطح العمارات. لقد فشل الاعلام العربي فشلاً ذريعاً في تغطية غضب الشعب العراقي, مع ان المظاهرات العراقية كانت تموج بنفس غضب ثورات مصر وتونس وليبيا واليمن. وللاسف كانت أخبار المجازر التي ارتكبتها قوات المالكي تنزوي خجلا في نهايات أعمدة الصحف كأن الدماء العراقية الزكية براميل مياه من نهر دجلة! لم نسمع صوتاً عربياً رسمياً واحداً يندد بممارسات الدكتاتور الصغير نوري المالكي. بل ان الامين الحالي للجامعة العربية صرح في ذروة المظاهرات العراقية بان الجامعة تأمل في انعقاد القمة العربية في موعدها المقرر في بغداد, وهو يعلم ان هذه القمة تمنح حكومة المالكي غير الدستورية شرعية عربية لا تستحقها في بلد مازال الاحتلال الامريكي يسرح ويمرح فيه. كيف يجتمع القادة العرب في بغداد وأكثر من مائة الف عراقي معتقل في السجون السرية والعلنية بلا محاكمات ولا أدني حقوق انسانية؟ كيف يجتمع هؤلاء القادة تحت ثريات القاعات المبهرة بينما هناك ثلاثون مليون عراقي غارقون في ظلام جاهلية السياسة والكهرباء؟ لقد إمتلك إد ميلكيرت ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق شجاعة الموقف حين قال تعقيباً علي تجاهل المالكي لمطالب المتظاهرين ان "المكاسب السياسية" التي يتحدث عنها حكام العراق" تبدو فارغة بالنسبة الي العراقيين العاديين". لكن هذه الحكومة الفاسدة لا تخجل من اعلان تضامنها المضحك مع من تظاهر في المنامة عاصمة البحرين واستعدادها لارسال عراقيين لتشكيل "حاجز بشري" يحمي المتظاهرين هناك! يا نوري يا مالكي: اذا بليتم فاستتروا!