قَلَبَ دونالد ترامب كل التوقعات واستطلاعات الرأي وفاز بالمنصب السياسي الأهم في العالم.. مقاول مغامر أتي من بعيد وكسر قيود وثوابت المؤسسة الحاكمة التي يسيطر عليها تقليدياً نخبة من كبار رجال المال والأعمال وجنرالات الجيش وأعضاء الكونجرس وأغلبيتهم الساحقة من البيض ذوي الأصول الأنجلوسكسونية.. ويبدو أن الجميع لم يأخذوا حملة ترامب بالجدية اللازمة منذ البداية وراهنوا علي أنه لن يحصل حتي علي ترشيح الحزب الجمهوري.. إذ ظنوه مجرد »مهرج شعبوي» أخرق يخاطب أسوأ ما في الجماهير من عنصرية وكراهية للأجانب ويستفز داخلهم مشاعر كراهية راسخة تجاه المؤسسة والنخبة الحاكمة في واشنطن وتجاه الأقليات وخاصة المسلمين الذين تعهد بمنع دخولهم أمريكا !!.. وحتي بعد اضطرار الجمهوريين لترشيحه للرئاسة، لم ترتفع أسهم ترامب في بورصة الاستطلاعات وإنما سلم الجميع مبكراً بأنه بلا فرص حقيقية وبأن البيت الأبيض بات مهيأ لاستقبال هيلاري مرة أخري!!.. غير أن ترامب حقق المفاجأة وأحدث »صدمة» للمجتمع الدولي وخاصة عبر الأطلنطي إذ أنه أظهر خلال الحملة الانتخابية وبعدها عداء علنياً للاتحاد الأوربي مؤيداً خروج بريطانيا من هذا »الصرح» العتيق ومُردداً تصريحات مُزعجة لأنصار حرية السوق والتجارة العالمية.. فقد تعهد باتخاذ إجراءات »حمائية» لإنقاذ الصناعة الأمريكية وإعادة فتح المصانع العملاقة التي أُغلقت نتيجة المنافسة الشرسة مع المنتجات الأجنبية الأرخص وخاصة الصينية والكورية، مما أدي إلي فقد ملايين الأمريكيين لوظائفهم.. وضاعف من وقع »صدمة» ترامب وتأثيراتها الفشل المُدوي لمنظومة استطلاعات الرأي في أمريكا والغرب التي سقطت في أهم اختبار لها وأوهمت العالم بأن مفاتيح البيت الأبيض في حقيبة يد هيلاري.. إذ لم يتصور المراقبون والمحللون السياسيون علي اختلاف توجهاتهم، وفي أسوأ كوابيسهم أن يتسع هامش الخطأ في استطلاعات الرأي الأمريكية بالذات بما يسمح لقلب النتيجة لصالح المرشح الجمهوري المتمرد علي المؤسسة والذي لم يتوقف عن كيل الاتهامات لها حتي في خطاب التنصيب.. موجات »التسونامي» التي سببها فوز ترامب ضربت الجميع وخاصة من شملتهم تصريحاته »الاستفزازية» أثناء حملته الانتخابية مثل الأقليات الدينية والعرقية داخل أمريكا وكذلك أوربا وإيران ودول الخليج فضلاً عن الصين واليابان وكوريا الجنوبية.. قال ترامب صراحة إن السعودية ودول الخليج وكوريا واليابان يجب أن تدفع لأمريكا ثمن الحماية التي تقدمها القوات والقواعد الأمريكية واتهم دول أوربا بأنها لا تدفع إلتزاماتها لحلف »الناتو».. ورغم الصدمة ومظاهرات الإحتجاج الحاشدة ضد ترامب بدأ العالم يتعامل مع فوزه كأمر واقع أفرزته العملية الديمقراطية التي يتعين احترام نتائجها في كل الأحوال.. وسارعت دول الخليج بمد جسور الود مع إدارة ترامب وربما تكون قد تفاهمت معها علي دفع فواتير القواعد والقوات.. بل إنها لم تنخدع بحملة ترامب »اللفظية» علي إيران وبادرت لتأمين مصالحها بتطبيع العلاقات مع طهران وتم تكليف الكويت بهذا الملف.. وذلك ذكاء سياسي محمود لأن السياسة لا تعرف الجمود.. وكلنا أمل أن يُلهم الله صناع القرار في مصر الرؤية والإرادة لاستثمار كل المتغيرات الجديدة لتحقيق مصالحنا الاستراتيجية وإدراك أهمية الانفتاح علي إيران كقوة إقليمية مهمة كما فعل أشقاؤنا في الخليج.. وعلينا أن نتعلم من ترامب كيفية وضرورة حماية الصناعة والمنتجات الوطنية رغم الإتفاقيات الدولية.. وأتعشم أخيراً استثمار حماس ترامب لمحاربة الإرهاب وتقديره لدور مصر بهذا الشأن، في إقناع الكونجرس بإصدار قانون يُصنِّف التنظيم الدولي للإخوان »منظمة إرهابية».. وذلك أمر ممكن لو أعددنا فيلماً وثائقياً قصيراً عن نشأة الإخوان ودورهم في التأسيس لجرائم العنف والإرهاب باسم الدين.. ويمكن الاستعانة في ذلك بخبراء في تاريخهم الأسود مثل ثروت الخرباوي.. مثل هذا الفيلم سيسدد ضربة قاضية للإخوان والإرهاب، لو تبناه ترامب ودعمه داخل الكونجرس.