مجروحة خواطر الأشواق في صدري وأنا اكتب عن هذا النهر العظيم!! الأحد: تؤلمني الكلمات الآن.. واشعر بالغُصة في قلبي وعقلي كلما تحدثنا عن المياه والأزمة القادمة التي أرجو من الله ألا تواجهها مصر.. فالنيل بالنسبة للمصريين هو مساوٍ للحياة.. ومجروحة خواطر الأشواق في صدري وأنا أكتب عن هذا النهر العظيم الذي كان له غنائي وأصبح عليه بكائي!! منذ مدة طويلة ونحن ننادي بأن تكون لنا وقفة مع دول مصب النيل ولابد من تفهم مطالبهم ومد الجسور بالحب بينهم وكما تحدثنا عما يحدث من تعديات علي شواطئ نيلنا العظيم.. وقلنا: عظم الله أجرنا فيه.. نحن العشاق والفقراء من أهل الغرام والباحثين عن نسمة هواء شاردة في سماء المدينة، والمحتاجين إلي ظلال بعيدا عن لهيب الشمس في صيف القاهرة.. هذا النهر كان لنا في زمان مضي، نجلس عليه بالحب والتأمل، وفي أوقات الراحة التي تفصل بين المحاضرات أيام الدراسة في جامعة القاهرة، وكنا نحن الطلاب من أبناء الريف نحوم حول النيل كطيور المساء وكان النهر لنا كالصدر الحنون نأوي إليه هربا وطلبا للراحة والسعادة وكنت في الحب طفلا ولا أزال.. أري سعادتي في النظر إلي الزوارق الراحلة في النيل.. رافعة أشرعتها للريح.. وكنت أحلم بالترحال معها إلي المجهول!! وكنت ذلك العاشق للنيل والسهد.. أطيل الجلوس عليه حتي تنطفئ الأنوار ويرحل العشاق وتختفي عن السماء نجوم الأفق البعيدة ويغيب القمر. ولم يعد يبقي لي سوي النيل والبرد وأمطار الليل في الشتاء!! وقد حدثني يوما روائي مصر الكبير نجيب محفوظ: أنه كان يجلس علي النيل مع الكتابة والتأمل وعلي امتداد 52 عاما ويقول: »أنا لي في النيل نصيب بحكم الأقدمية ووضع اليد«.. وكنت أحمل معي وسادة قطنية لمنع الرطوبة عني من كثرة الجلوس والكتابة! هذا هو النيل الذي كان له المجد وعلي شاطئه الحب وله الغناء! كان الحلم أن يظل النيل لنا، وكنا نحلم أن يكون للناس جميعا بعدما ترعاه الدولة وتغرس الحدائق وتزرع الأشجار علي جانبيه، أو تقيم المقاهي الأنيقة، أو الكازينوهات البسيطة والتي يمكن للبسطاء الجلوس عليها، مع وجود أماكن كثيرة كحدائق عامة، حتي يمكن للفئات المحرومة من نعمة الهواء أن تقضي بعض الوقت فيها بالسعادة المجانية!! ولكن للأسف.. ضاعت الأحلام.. ولم يعد أمام الغلابة والبسطاء سوي الصبر أو الصمت أو الموت حزنا!! وعرف الحزن عنواني الاثنين: هذا اليوم »12 مارس« يوم شديد القسوة علي قلبي، فهو يوم عيد الأم.. ومنذ فقدت أمي منذ سنوات طويلة، مازال طعم الفقد يسكن حلقي.. عندما يأتي هذا اليوم أجدني اتساءل في حسرة: لمن أكتب الرسائل في الأسفار.. ولمن افتح الحقائب عند العودة، ولمن أهدي ثوب القطيفة وزجاجة العطر وشال الصوف والمنديل الحرير؟ ولمن أقول بالحب كلماتي الغضبي؟ وممن أسمع بالحنان أجمل الكلمات كنت فيما مضي أريد النجاح في الامتحانات لأشرح قلبها وتسقي بالبهجة شربات الفرح! واليوم أجد جبهتي لم تعد عالية بالآمال العظيمة.. تلك الجبهة التي اتخذت لها يوما عند الشمس مقعدا.. وهبطت جبهتي.. وهبط الدمع من العيون لجلال الذكري.. فعيد الأم جاء وفات ولم أقدم لأمي هداياها.. ولم أعد أسمع ذلك الصوت النبيل بالدعاء.. آه.. سكت الصوت وأصبح الفؤاد فارغا وأصرخ: يا الله يا طائر الموت.. لم خطفت الحب من القلب؟ ولم يجبني سوي الصمت الأليم.. يالوعة القلب.. القلم اليتيم.. يا حسرتي من الظلام عندما يجئ يدفن بالموت القمر وكل الأشياء.. عندما كنت أذهب إلي قريتي.. أجد كل ما فيها يناديني بالحب.. الأهل.. الأصدقاء رائحة الزرع في الأرض.. المسجد.. الأذان ودعاء الكروان والناس الطيبون الذين تلقي عليهم التحية فيردون السلام.. والليل.. والسهد.. والشجر وضوء القمر.. والحب القديم. ومع ذلك وجدت خطواتي تتسكع بأعتاب قريتي وبيتي هناك، ولم استطع الدخول، لأن صوتا عاليا وغاليا قد غاب.. وذهبت أناديه بين صمت القبور.. ويتساقط الدمع من عيوني، ولا أدري هل هذه الدموع علي أمي أم علي نفسي!! عنوانك معروف ولكن!! عنوانك يا حبيبتي معروف.. ولكن لم يصل إليه بريدي جفت الأقلام.. وطويت صحف الحب بالرحيل.. بالأمس كنت هناك.. لا لأحيي ذكراك.. ولكن كنت أبحث عن نفسي وعُدت والحزن قد حفر بمداده الأسود وشماً علي قلبي! وتمضي الأيام ولم أعد أستعجل عودتي من الأسفار فلم يعد هناك من ينتظر بالحب خلف الشباك للغائب حتي يعود.. وإلي من أقول أغلي كلامي!! فكلماتي لم تزل مع الأيام حبيسة صدري، وإذا قلتها.. فهي بريئة موصولة.. لا استدعي فيها الأحزان ولكن أبكي فيها كل أشيائي الجميلة التي غابت.. يوم أن ماتت أمي!! عمار يا أخبار اليوم السبت: ستظل دائما دار أخبار اليوم منذ أقامها الراحلان العظيمان مصطفي وعلي أمين.. هي دارنا وملاذنا ومكان ذكرياتنا والحب الذي جمع قلوبنا منذ سنوات كثيرة لا أعرف عددها من كثرة مما بها من أحداث.. والآن ينضم إلي قافلة الحب ابن أخبار اليوم منذ دخلها صبيا يافعا حتي أصبح الآن رئيس مجلس إدارتها.. الصديق العزيز والأخ الصغير »محمد بركات«.. ومحمد بركات عاش حياته كلها تقريبا في دهاليز الصحافة وأصبح بكفاءته المشهود بها رئيسا لتحرير آخر ساعة ومجلة الحوادث ثم رئيسا لتحرير الأخبار والآن رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم.. ولم أشهد اجماعا علي أحد مثلما شاهدت هذا الاجماع علي حب محمد بركات وحديثي هنا ليس عنه باعتبار تميزه الصحفي فقط فأخبار اليوم دائما كانت مكانا لتخريج الصحفيين والكتاب والمبدعين علي مدي ما يقارب قرن من الزمان، ولكني اتحدث عن »بركات« الإنسان.. الذي لم يغلق بابه في وجه صاحب مشكلة أو مظلمة.. ولا أخفي عليكم أنني كنت أحسده علي هذا الهدوء والسمت الراقي الذي كان يقابل به الجميع، برغم معرفتنا جميعا بكم المشاكل والهموم التي يعايشها من يشغل مثل هذا المنصب.. وكان الجميع يدخلون مكتبه ويخرجون وهم مبتسمون من حسن اللقاء ومن هذا الود والهدوء الذي يتسم به.. أرجو من الله سبحانه وتعالي أن يديم علي مؤسستنا أخبار اليوم الحب والأمن والهدوء وأن يوفق »بركات« في مواجهة كل صعاب المرحلة القادمة، وهذا ليس بكثير علي الله سبحانه وتعالي. أنغام ليلية في مقام الحب الأحد: حبيبتي: في الزمن الأعمي/ أتذكر حتي أنسي لحظة حياة لا تستحق الحياة!! في الزمن الفاسد أتذكر/ حتي أنسي اليأس والأمل ففي هذا اليوم عشت بين/ أمل يحرقني عذابا.. ويأس يسحقني تراباً.. الكون الفاسد يعطي/ للسارق أمناً.. وطريقا بلا عيون/ ويسرق من العاشق الحب من القلب/ ويسرق الأمل.. وكل أفراح السنين في الزمن الأبله/ تحجب الأيام عن العشاق مخادع الغرام/ ويجري القمر في طرقات الخوف بلا أقدام!! حبيبتي: حبي لك جعل.. / قلبي معي.. وعقلك معك!! فلا تلوميني.. / علي هذيان قلبي بعد أن أخذت حكمتي../ وتركت قلبي للهذيان عندما أكون معك/ خذي قلبي.. واتركي عقلي حتي تسمعي مني/ وأسمعك في ذلك اليوم/ جمعنا الأمل في لقاء وكنت الخلاص/ وكنت الرجاء وكل هذا المدي انت/ ولن يكون بديلا عنك كل النساء.. كل النساء الانتظار أمطرني جحيما/ اللقاء أمطرني جحيماً! الحصار أمطرني جحيما/ الخوف أمطرني جحيماً! أشيائي الحميمة التي/ كانت تنتظرك في بيتي أصبحت تذكرني بالجحيم/ كل الوجود يذكرني بالجحيم فمتي يارب النعيم!!