قال المعجم إن الغوغاء هو صوت الجراد القادر علي الطيران، ثم حدث أن اكتشف أحدهم تشابه هذا الصوت مع ضجيج (لغط وصياح) بعض العامة في تجمعات مختلفة، وأُثبتت الوقائع أن خلاصة هذا الضجيج مشابهة لأذي الجراد إن لم تكن تفوقه، نسي خبراء اللغة الجراد واحتكر هذا النوع من الناس لقب (الغوغاء) في المعجم إلي الأبد.. وقال سيدنا علي : الغوغاء هُمُ الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا ضَرُّوا، وَإِذَا تَفَرَّقُوا نَفَعُوا. فقيل: قد عرفنا مضرة اجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟ فقال: يَرْجِعُ أَصْحَابُ الْمِهَنِ إِلَي مِهَنِهِمْ، فَيَنْتَفِعُ النَّاسُ. العلاقة بين الغوغاء والنظام في مصر مركبة للغاية، فهو يستفيد منها أحيانا وعندك مثال طلعات الهجمات (الشفاهية) للجراد والتي اتفق الجميع علي وصف قوامها ب (المواطنين الشرفاء)، يستفيد النظام من (اللغط والصياح) المصاحب لهذه الطلعات في الشوشرة علي أمور من نوعية نقابة الصحفيين وتيران وصنافير والانتخابات بكل أنواعها إلي آخره، في الوقت نفسه تصبح هذه العلاقة أحيانا عبئا ثقيلا علي النظام مثل واقعة سيدة المنيا الشهيرة. حالة الغوغاء تجعل الداخلية مستحقة لاستخدام القوة والعنف أحيانا للتعامل مع فوضي عنيفة من هذا النوع، تحصل الداخلية علي الحق لكنها من النادر أن تستخدمه في هذا الموضع، تظهر الداخلية متأخرة أحيانا، وأحيانا يكون الحل سياسيا لا أمنيا، في المقابل تستثمر الداخلية هذا الحق الذي اكتسبته لمواجهة الغوغاء في مواجهة من اتفق النظام علي أنهم (الغوغاء الجدد) أصحاب الأصوات المعارضة، فنراها بمهارة عالية تقطع عليهم كل الطرق الممكنة. المفارقة أن سجناء الرأي كلهم في مصر حلمهم الأهم ألا يصبح في مصر غوغاء، وهذا أمر مزعج للبعض إذا تأملته جيدا، سجناء الرأي يحاربون من أجل قيم ملخصها الحرية والكرامة والعدل وتطبيق القانون ودعم الإنسان، هناك من هو سجين لأنه اهتم بقضية أطفال الشوارع (وهم مشروع غوغاء ناجح) وقرر أن يأخذ بأيديهم بعيدا عن هذا المصير فاستقر في السجن يحاكم بتهم لها علاقة بأمن البلد، وهذا يعيدنا إلي النقطة الأولي فأمن البلد يحتاج أحيانا إلي الغوغاء. العلاقة مركبة ومربكة، الغوغائية موجودة علي أعلي مستوي يمكن ملاحظة ذلك في مناقشات بعض المؤسسات الرسمية التي تم منع إذاعتها مؤخرا لأسباب مفهومة، وهي بطل علي الشاشات أيضا، بطل لأن الغوغائية صنعت نجوما تستفيد منهم الدولة.. وعن أبي عاصم النَبيل (الشهير بالضحاك. أحد رواة الحديث)، أنَّ رجلاً أتاهُ فقال: إنَّ امرأتي قالت لي: يا غوغاء! فقُلتُ لها: إن كُنتُ غوغاء فأنتِ طالقٌ ثلاثاً. فما عَسايَ أصنَع؟ فقال له أبو عاصم: هل أنتٌ رجلٌ إذا خَرَجَ الأميرُ يومَ الجُمُعَة جَلَستَ علي ظَهرِ الطريقِ حَتّي يَمُرَّ فتراه؟ فقال: لا. قال أبو عاصم: لَستَ بغوغاء، إنّما الغوغاء مَن يَفعَلُ هذا.