الجيش المصري جزء لا يتجزأ من شعب مصر وهو مؤسسة وطنية بكل معني الكلمة ..وتاريخها حافل بالمواقف التي حفرت لهذا الكيان العظيم مكانة خاصة في قلب كل مصري ..ومن نافلة القول تأكيد أن هذه المؤسسة ينبغي أن تكون فوق الشبهات وكل الافراد مهما كانت رتبهم ومكانتهم وأدوارهم التي أدوها بحكم تكليفاتهم في الخدمة.. وعليه فإن الواجب الوطني يحتم تقديم أي جندي يسيء الي الجيش والوطن الي محاكمة عسكرية عادلة ..وقد أكد اللواء اركان حرب محمد علي بلال قائد القوات المصرية في حرب الخليج في تصريحات ل"الاخبار" أن من "الخطأ اعتبار محاكمة مبارك إهانة للمؤسسة العسكرية ..فمحاكمة أي فاسد سواء كان داخل المؤسسة أو خارجها لا يمس مكانة الجيش خاصة أن المؤسسة العسكرية أكبر من أي شخص". وأخشي أن تكون هناك بعض التحفظات لدي بعض المنتسبين للمؤسسة العسكرية علي محاكمة القائد الاعلي السابق فورا ..ولو كان الامر كذلك ، وارجو ألا يكون، فإننا سنفتح الباب للوقوع في خطيئة ، بل جريمة، وضع الاشخاص فوق المؤسسة وفوق القانون والإساءة لشرف العسكرية المصرية.. وإذا لم يكن الجيش مستعدا الآن لتقديم مبارك لمحاكمة عسكرية لسبب أو آخر فنرجو ألا يقف في طريق تقديمه لمحاكمة فورية أمام القضاء المدني ، بإعتباره رئيسا مدنيا سابقا ، بتهم خيانة القسم والقتل العمد والفساد وإهدار المال العام وسوء استخدام السلطة..أما عن خيانة القسم فإنني اشير الي نص اليمين الدستورية التي رددها الرئيس المخلوع خمس مرات قبل أن يجبره الشعب لترك السلطة بينما كان يتطلع الي أدائها مرة سادسة أو توريث الحكم لإبنه..يقول نص اليمين " أقسم بالله العظيم أن احافظ مخلصا علي النظام الجمهوري وأن أحترم الدستور والقانون وأن أرعي مصالح الشعب رعاية كاملة وأن احافظ علي استقلال الوطن وسلامة أراضيه".. والمؤكد أن مساعي الرئيس المخلوع لتوريث السلطة لابنه بأي صورة من الصور ، ومن ذلك خوض إنتخابات صورية مزورة بعد إستبعاد القضاة من الاشراف علي الانتخابات، كان من شأنه تقويض النظام الجمهوري الذي أقسم علي المحافظة عليه..ويكفي مبررا لمحاكمة حسني مبارك مخالفته الدستور بالسماح لنجليه بالعمل بالتجارة مع الدولة (مقايضة ديون مصر) والعمل السياسي بل واغتصاب صلاحيات رئيس الجمهورية.. وينطبق ذلك علي حرم الرئيس السابق التي أقامت لها دون سند من الشرعية والدستور سلطة موازية تنفق من خلالها بلا حساب من خزانة الدولة المدينة علي مهرجانات ومنظمات دولية للسلام لمجرد تمجيد الذات وإختلاق دور خارج منظومة الحكومة..ولعله لا يخفي علي الجميع عشرات ملايين الجنيهات التي كانت تنفق دون أدني رقابة علي التحركات والتنقلات الداخلية والخارجية "للسيدة الاولي السابقة" ونجلها اللذين لم يكونا يتمتعان بأي غطاء من الشرعية والدستور .. أما فيما يتعلق بما جاء في القسم الرئاسي بشأن رعاية مصالح الشعب رعاية كاملة والحفاظ علي استقلال الوطن وسلامة أراضيه.. فلا يخفي علي أي محلل أو مجرد راصد وقاريء للسياسة الداخلية والخارجية أن حسني مبارك خالف إرادة الشعب وإجماع الامة بالتحالف مع أعداء الوطن من الاسرائيليين وإستضافة زعمائهم الملطخة أيديهم بدماء الشهداء المصريين والعرب ونعتهم بأنهم "رجال سلام"!!..أما الطامة الكبري فهي السماح ببيع الغاز المصري لاعدائنا بثمن بخس يقل عن اسعار السوق بصورة صارخة ومريبة ومثيرة لكل أنواع الشك ، مخالفا بذلك إجماع الامة وأحكام القضاء المصري.. أما تهمة القتل العمد فقد وردت في التحقيقات مع وزير الداخلية السابق حبيب العادلي الذي أكد أن إطلاق الرصاص الحي علي المتظاهرين المسالمين تم بأوامر مباشرة من الرئيس السابق ..وهي جريمة ضد الانسانية يتحمل جريرتها مبارك والعادلي وكبار قادة الاجهزة الامنية السابقين.. وهناك تهمة سوء استخدام السلطة وإهدار المال العام والسماح ،بل والمشاركة في نهب وسلب المال العام وتبديد ثروات الوطن ..ونشير هنا الي التقرير الذي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية التي ذكرت أن ثروة مبارك واسرته تبلغ ما بين 40 و70 مليار دولار ..وبما أن مبارك نشأ في اسرة بسيطة كما هو معروف ، وعمل طوال حياته نظير راتب محدد ومعروف سواء عندما كان يخدم في الجيش أو موظفا عاما بعد تعيينه نائبا للرئيس ثم رئيسا للجمهورية..فإنه يتعين إخضاعه لقانون "من أين لك هذا"..وسؤاله عن الطريقة التي جمع بها هو واسرته كل هذه المليارات ..والاهم من كل ذلك الإصرار علي استرداد كل الاموال التي تم نهبها وسرقها من قبل مبارك واسرته ورجال نظامه طوال 30 عاما.. وذلك أمر متاح وسهل لو تتبعنا خطوط سير هذه الاموال في طريقها الي خارج الوطن.. وهنا يصبح من الاهمية بمكان التحفظ علي كل كبار المسئولين السابقين ، وخاصة من تحوم حولهم الشبهات ، حتي نعرف أين ذهبت أموال الشعب المسروقة ونستردها.. مما تقدم يتبين أهمية تقديم حسني مبارك فورا وقبل فوات الأوان الي محاكمة علنية عادلة ، تتوفر له فيها كل وسائل الدفاع عن النفس، حتي لا تضيع حقوق الشعب وحتي تستقر ارواح شهداء الثورة بالقصاص العادل من القتلة وتلك قضية لا تحتمل التأجيل..وانا هنا أناشد المحامين الرافضين للتصدي للدفاع عن حسني مبارك مراجعة هذا الموقف لأنه مناقض لروح العدالة ولمبدأ سيادة القانون الذي يتعين أن يسود مصر بعد ثورة 25 يناير.