برنامج تدريبي حول تمكين المرأة لريادة الأعمال بجامعة قناة السويس    مصطفى بكري: الحكومة تضع الكرة في ملعب البرلمان بشأن الإيجار القديم    السيسي وبوتين يتفقان على زيادة أعداد السائحين الروس القادمين إلى مصر    بتروجت يخطف تعادلا مثيرا من فاركو بنتيجة 2/2 بالدوري    مصرع ربة منزل سقطت من الطابق الخامس في العبور    مصرع طالبين غرقًا أثناء السباحة في ترعة المحمودية بالبحيرة.. صور    رحلة 404 يحصد خمس جوائز في ختام مهرجان الكاثوليكي للسينما    لمدة 7 ساعات، انقطاع المياه عن بعض مناطق القليوبية    عميد تجارة عين شمس: دمج المناهج الحالية مع التقنيات الحديثة    انطلاق قمة "رايز أب 2025" من المتحف المصري الكبير    الكرة النسائية.. الزمالك يخطف نقاط المقاولون بهدف نظيف    سيف عيسي يطيح بالبريطاني كادين ويتوج بذهبية بطولة المملكة للأوزان الأوليمبية    جمعية الخبراء: الضرائب الرقمية تحدد مسار قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات    منظومة الدفاع الجوي الصينية HQ-9.. قوة ردع باكستانية أمام الهند    بوليانسكي: روسيا ترحب بإصلاح متزن لدور الأمم المتحدة    قصور الثقافة: مكتبات وبيوت الثقافة التي تضم أندية أدب وفرقا فنية مستمرة في أداء دورها    قصص «أقفل المحضر في ساعته وتاريخه» لوئام أبوشادي ترصد الصمود الإنساني في وجه الأزمات    فريق طبي بسوهاج الجامعي ينجح في استخراج «دبوس» من معدة طفل    نانسي عجرم تستعد للغناء في جاكرتا هذا الموعد    مصدر يكشف حقيقة وجود خلاف بين محمد عواد والجهاز الفني الجديد للزمالك    حريق في عدد من المنازل بعزبة البهنساوى ببنى سويف بسبب ارتفاع درجات الحرارة    تكريم رئيس هيئة قضايا الدولة في احتفالية كبرى ب جامعة القاهرة    عمرو سلامة عن تعاونه مع يسرا: «واحد من أحلام حياتي تحقق»    وزير الثقافة يشهد انطلاق الدورة ال 19 ل «بينالي فينيسيا الدولي للعمارة»    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    ستيف ويتكوف: ترامب يؤمن بالسلام عبر القوة ويفضل الحوار على الحرب    إدارة القوافل العلاجية بالمنوفية تحصد المركز الثاني على مستوى الجمهورية    "بنقول للضحايا إحنا مباحث".. اعترافات عصابة الشرطة المزيفة ب"عين شمس"    الدوري الألماني.. توماس مولر يشارك أساسيا مع بايرن في لقائه الأخير بملعب أليانز أرينا    ترامب يوجه رسالة إلى الصين: الأسواق المغلقة لم تعد مجدية    فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم    الضرائب: 9 إعفاءات ضريبية لتخفيف الأعباء وتحفيز الاستثمار    أمين الفتوى: المعيار الحقيقي للرجولة والإيمان هو أداء الأمانة والوفاء بالعهد    ارتفاع توريد القمح المحلى إلى 128 ألف طن وزيادة التقاوى ل481.829 طن بالدقهلية    شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث    مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    عاجل.. الزمالك يُصعّد: نطالب بحسم مصير "القمة" قبل 13 مايو لضمان العدالة في المنافسة على اللقب    الشباب والرياضة تنظم الإحتفال بيوم اليتيم بمركز شباب الحبيل بالأقصر    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    فى خطبة الجمعة بالمسجد الحرام.. السديس: "لا حج إلا بتصريح"    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    ضبط دقيق مجهول المصدر وأسطوانات بوتاجاز مدعمة قبل بيعها بالسوق السوداء بالمنوفية    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    في ظهور رومانسي على الهواء.. أحمد داش يُقبّل دبلة خطيبته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش والسياسة كيف تحمي القوات المسلحة الحياة الديمقراطية؟

هذه الدراسة نشرتها جريدة روزاليوسف اليومية في العدد الأول الذي صدر 51 أغسطس 5002 وقد كانت دراسة غير مسبوقة عن علاقة الجيش المصري بالسياسة. ونحن الآن نعيد نشرها لأنها تجيب علي كثير من الأسئلة المطروحة بقوة علي الساحة السياسية.. وأهمها: كيف تحمي القوات المسلحة الحياة الديمقراطية؟
روزاليوسف
في كل مرحلة تحول يجريها المجتمع يقوم الجيش المصري بدور مؤثر. فهو وفقا للتصنيفات الدولية للجيوش يصنف علي أنه من جيوش « القاعدة الشعبية.. إن هذا هو ما يحدث في مختلف المراحل منذ تأسيس الجيش الحديث من أبناء مصر في عهد محمد علي، والذي بدأه بنواة قوامها ألف ضابط، تم تدريبهم علي دفعتين، ليصبحوا بعد ذلك معلمين وضباطاً للجيش المصري، الذي انخرط في صفوفه متطوعا للتجنيد خيرة الشباب في ذلك الوقت من أبناء جميع طبقات وفئات الشعب. منذ ذلك الحين يتمتع الجيش المصري بالصفة القومية ويستمد المجتمع العسكري والمؤسسة العسكرية ثقافتهما الفرعية من الثقافة الكلية للمجتمع.
والجيش جزء لا يتجزأ من نسيج فئات المجتمع، ليس أدل علي ذلك سوي ما حدث عام 9781 حين أعد أعضاء مجلس شوري النواب والأعيان وضباط الجيش والموظفون والتجار مشروع « لائحة وطنية» ورفعوها إلي الخديو « إسماعيل» يطلبون فيها تنقيح لائحة النواب الأساسية النظامية، بما يمنح مجلس النواب الحقوق التي تتمتع بها المجالس المثيلة في أوروبا، وقد استجاب إسماعيل بك وتم تقديم الوزارة الوطنية التي كان يرأسها «شريف باشا» للمجلس.. وهو ما اعتبر تاريخيا أول مشروع لدستور نيابي كامل.
إلا أن ذلك التطور لم يكتب له النجاح بسبب الوصاية الأجنبية حينئذ إذ خافت علي مصالحها، وهو ما جعلها تقوم بخلع «إسماعيل» وتولية « توفيق» الذي قرر إيقاف الدستور.
وتوالت أحداث كثيرة، كان الجيش فيها هو الظهير لشعبه، يحمي متطلباته وطموحه بجانب عمله الأساسي، وهو حماية الوطن، ثم كانت الثورة العرابية التي انبثقت من الجيش عام ,2881 وبعدها ب 07 عاما كانت ثورة يوليو 2591 التي استمرت في تضامنها مع الشعب لتحقيق طموحه وآماله علي المستوي الداخلي.
لقد امتدت هذه الحقبة نحو 31 عاما بين 4591 وحتي 7691 حين وقعت النكسة العسكرية يوم 5 يونيو، وقتها أعاد الجيش المصري نظره في أمور كثيرة كانت قد أحدثت هذه الهزيمة، وأعاد ترتيب صفوفه وأسلحته، وبدأ معركة استنزاف لاستعواض ثقة الشعب فيه.. بين عامي 9691-1791
- اقتصاد الحرب
وجاء ظهر يوم 6 أكتوبر ,3791 لتكون معركة استرداد الأرض والكرامة، لكل من الجيش والشعب معا. وعلي مدار ست سنوات كان الجيش قد أصبح جيشا آخر شكلا ومضمونا. ومع وقف إطلاق النار، وانتهاء الحرب كمعركة عسكرية، بدأت في عام 5791 معركة جديدة هي حماية هذا النصر العسكري الكبير من أي أيد تريد أن تنال منه.
حتي هذا التاريخ كانت الدولة تعيش اقتصاد الحرب، بمعني أنه كان هناك مجهود حربي يخصم من كل العاملين بالدولة، وكان هناك عدد كبير من شباب مصر الذين قضوا سنين طويلة لخوض المعركة وبالتالي حرموا من ممارسة وظائفهم أو بناء أسرة وغير ذلك من الأمور مثل استعواض أسر الشهداء وأبنائهم وإعادة توازن الحياة لهم بعد فقد عوائلهم.
في هذا السياق سعي كل من الشعب والجيش معا لإعادة بناء الوطن.
في سياق هذه السنوات وما تلاها تولي رئاسة وزراء مصر رجل عسكري، هو الفريق كمال حسن علي.. وقد كان لهذا ما يبرره.. وقتها.. فقد كان هناك نوع من الحد من مصاريف الإنفاق علي السلاح، كان يتم تسريح عدد كبير من المهندسين الذين أنهوا فترة واجبهم العسكري، وكانت وزارة الحربية ثم وزارة الدفاع فيما بعد في طريقها إلي القيام بمشروعات تنموية بما لديها من كفاءات حتي تصبح لها مواردها واكتفاؤها الذاتي.. وتترك موارد الدول الأخري من أجل رفاهية الشعب الذي عاني الكثير.
لقد تزامن مع هذا التغيير النوعي في الدور تغيير اسم وزارة الحربية إلي وزارة الدفاع.. وفي نفس الوقت كانت مصر تخطو سياسيا نحو التعددية الحزبية..ومن بعدها في اتجاه السلام مع إسرائيل.. وهي خطوات قامت بها الدولة كانت كلها ذات دلالة في استراتيجية الدولة.. وتوازيها كان له معني واضح. بشكل متدرج بدأ الجيش الاستغناء عن ضرائب الشعب المصري والحصول علي الجزء الأكبر من ميزانية الدولة، ومن هذا المنطلق بدأ مشوار « الوفاق الوطني» حتي تتجمع صفوف الشعب جنبا إلي جنب لخوض معركة المفاوضات واسترداد باقي الأراضي المصرية، وبدأ المشوار مع عام ,5791 ومع هذا التغيير قام القائد الأعلي للقوات المسلحة بتغيير اتجاه القوات المسلحة المصرية طبقا لاستراتيجية المرحلة، ومن هنا صارت « وزارة الدفاع» بدلا من وزارة « الحربية».
منذ ذلك الحين استرد الجيش المصري دوره التاريخي، وهو التلاحم في قضايا الشعب والتفاعل الاجتماعي معه وخوض معركة التنمية، غير متناس لدوره الأساسي وهو حماية الأمن القومي المصري، والحفاظ علي السيادة الوطنية، وحماية أراضي الدولة وسمائها وبحورها. - استراتيجية جديدة
وبدءا من هذا الوضع الجديد فإن عدد العسكريين في الوزارات المتعاقبة بدأ في التناقص تبعا لانتهاء المهمة، حتي أعلن الرئيس السادات، بأن مصر في طور التغيير السياسي وستصبح لها تعددية حزبية برلمانية، بدلا من نظام الحزب الواحد الذي كان معمولا به من قبل.. وأصبحت هناك منابر وأحزاب مهمة.
ومع هذه المرحلة بدأت النواة الأولي للإصلاحات الاقتصادية لتساير ما حدث في العالم الذي تخلفنا عن ركبه سنوات الحرب والإعداد لها، حيث كنا نغلق أبواب بلادنا علينا ونشد الأحزمة علي بطوننا، وانطلق مشوار الانفتاح الاقتصادي.. في وقت كانت مصر في حاجة إلي أموال كثيرة لإعمار ما نتج عن الحرب، وفي الوقت نفسه تنمية المجتمع ليستعوض الشعب ما فقده من معاناة اقتصادية واجتماعية بعد المعركة المصرية الكبري.
ومن هنا وجدت القيادة العسكرية في ظل استراتيجية دفاعها الجديدة ومرحلة التنمية التي تخوضها الدولة بكل مؤسساتها وقطاعاتها أنها بصدد تحقيق معادلة صعبة تجمع بين التسليح بأعلي درجات التكنولوجيا الحديثة، حتي لا يخل ذلك بوضع قواتنا المسلحة علي الساحة العالمية، وفي الوقت نفسه يكون ذلك بأقل قدر ممكن من التحميل علي ميزانية الدولة.
ولنا أن نقيم ما حدث في هذا الشأن عندما نعلم أن نفقات الدفاع في عام 1891 وحتي أول ميزانية مالية يتسلمها الرئيس الجديد «مبارك» في ذلك الوقت 5.2 مليار دولار، أي حوالي 6.8% من الدخل القومي، وقد كان هذا الرقم الضخم يتم إنفاقه علي التسليح، ومن هنا كان الاتجاه صوب التصنيع الحربي المحلي، لتقليل هذا الانفاق عن طريق إحلال الواردات، خاصة أن التصنيع الحربي علي مستوي العالم أثبت أنه أقدر الصناعات علي تحقيق عوائد اقتصادية تفوق بكثير ما تنفق عليها.
التحديات التي واجهت مصر في الثمانينيات والتسعينيات، كانت تتطلب نظرة للأبعاد التي تفرزها المتغيرات علي الساحة الدولية والإقليمية لدولة تخرج لتوها من طور اقتصاد الحرب، لتحويله إلي اقتصاد تنموي وفي الوقت نفسه يدخل في إطار السوق الحرة للاقتصاد العالمي.
من هنا كان لزاما علينا أن نري بأعين مجردة خالية من أي شيء كان تأثير هذه المستجدات في جميع دوائر الاهتمام بالأمن القومي المصري، وفي أبعاده المختلفة السياسية والاقتصادية والأيديولوجية والاجتماعية والعسكرية.
في هذا الوقت كانت القوات المسلحة « الجيش» تلعب دورا علي قدم وساق في المضمار الاقتصادي والمعركة الشرسة لدولة تعاني من تأثر اقتصادها بنتائج حروب متوالية، ولكنها تحاول أن تنهض من أجل التنمية وحماية الشعب من الفقر وما يترتب عليه في كل مناحي الحياة.
هكذا القوات المسلحة المصرية تنفذ المهام الاستراتيجية لتحقيق هذه الأهداف، وهذه المهام تتمثل في حماية الأمن القومي، وتأمين حدود الدولة القومية، ودعم الشرعية الدستورية الدولية والحفاظ علي السيادة الوطنية، التي تتبلور داخلها. و في هذه الحقبة علي الأخص تبلور التشكيل المؤسس الجديد الذي يملك القدرة علي البقاء لتحقيق الأمن الإنساني، وأن يكون مستوي النظام ليس مقصورا علي الوحدات السياسية الوطنية المنفردة، لأن الكثير من المؤسسات القوية والدافعية يجب أن تدفع للحركة التنموية.
ومن هنا فقد استشرفت المؤسسة العسكرية دورها المستقبلي مع بداية التسعينيات من القرن الماضي بنظرة ثاقبة أكدت أهمية وجود قوات قادرة علي تلبية متطلبات الأمن القومي لدولة بثقل وحكم مصر وبموقعها الجيوستراتيجي المتميز، وتأكيدا لدورها كعنصر اتزان في منطقة تلاحم جغرافي وحضاري وفكري.
- مسئولية جسيمة
وأصبحت مسئولية قادة وضباط الألفية الثالثة جسيمة، لأنهم شبوا في مناخ صحي مفعم بالديمقراطية والأمل والمشروعات الاقتصادية العملاقة، التي تتطلب قوة تحافظ علي هذه الإنجازات وتدعم الاستقرار وتحافظ علي السلام وتزيده ثباتا بحمايته من أي اختراق، لأن امتلاك قوة الردع هو الضمان الحقيقي لحماية الأمن القومي ضد أية تهديدات خارجية.
إن هذا أمر مهم في ضوء المتغيرات العالمية التي تفرض علي الجيش اليقظة والحذر والمحافظة علي الاستعداد والكفاءة القتالية العالية، وهو ما يفعله الجيش المصري الرابض علي حدودنا الشمالية والشرقية والجنوبية والغربية وأيضا في المنطقة المركزية بقلب العاصمة لحماية أرض وسماء مصر ومياهها الإقليميةولأن حماية إنجازات مصر ستتطلب جيشا قويا قادرا علي ردع من يقترب منها، ويحمي السلام الذي نعيشه، وأصبح ضرورة كالماء والهواء لكي يعيش المواطن المصري حياة طبيعية، فإن الجيش المصري لا يترك فرصة للتطوير إلا ويستغلها، وذلك بهدف الاستعداد الكامل وبناء قوة مدربة قادرة علي مسايرة التطور، وكل ذلك يتحقق عبر التدريب المستمر.
في هذا السياق فإننا نذكر أن قواتنا المسلحة تقوم سنويا بوضع خطط التدريب التي تختتم بما يسمي ب « يوم التفوق» لتقييم الأداء السنوي بين وحدات وتشكيلات الجيوش والمناطق في ملحمة ختامية لما وصل إليه التدريب كل عام، ويتم أيضا خلال ذلك الوقوف علي معدلات الأداء للقوات المسلحة ودورها الوطني للحفاظ علي التراب الوطني وقدسيته والوصول بالاستعداد القتالي إلي أعلي المستويات، لأن ذلك هو المهمة الأولي والواجب الأساسي للجيش، ومن خلال هذه التدريبات أيضا يتم للجيش تقييم أداء الأسلحة والمعدات التي دخلت حديثا ترسانة الأسلحة، وفي الوقت نفسه تقييم أداء الأسلحة القديمة لدي الجيش ومدي فاعليتها في الحروب الحديثة، لأن ذلك يعتبر ركيزة أساسية لتميز القوات في الجيوش.
ويقيم القادة العسكريون أيضا خلال العام التدريبي مرءوسيهم، ويتم ذلك بمدي اهتمامهم بالمقاتلين وغرس روح الانتماء والولاء للوطن في نفوسهم كواجب مقدس، وتحمل القادة والضباط مسئوليتهم بهذا الخصوص، بإعدادهم الجنود للحياة العسكرية والإعداد الأمثل لبنائهم فكريا وثقافيا ورعايتهم اجتماعيا، حتي يكونوا قادرين علي الوفاء بمهامهم الوطنية وكذا المشاركة في مصر الحديثة، فهم الأمناء علي تاريخ وأمجاد ومستقبل الوطن.
ويأتي في نهاية اللقاءات التقييمية في العام التدريبي حوار مع رجال الجيش المصري وقاداتهم يتم فيه الاستماع لاستفساراتهم عن تطورات الأحداث، وما يتطلبه ذلك من ضرورة الفهم العميق والوعي الكامل بكل ما يدور علي الساحة الإقليمية والدولية من متغيرات.
- الوظيفة الدستورية
إذن هذا هو الدور المنوط بجيشنا، والذي حدده له الدستور في أن مهمة القوات المسلحة هي الحفاظ علي حدود الدولة، وتأمين الشرعية الدستورية، وليس لها دور في صنع القرار السياسي، لكنها مسئولة عن تنفيذ أي قرار يتعلق بأمن وسلامة الدولة، لذلك يكون أبناء تلك المؤسسة العسكرية علي نقطة تماس مع المجتمع المصري كله وقضايا بلده ومتطلبات كل مرحلة.
ومن هنا نجد أن بناء المؤسسات وتنمية قدراتها السياسية لم يغفله الجيش كأقدم وأكبر مؤسسة في تاريخ مصر الحديث، ولأن المؤسسة هي التي تفرز الممارسات التي تشكل من أدوار يمكن التعرف عليها بسهولة مقرونة بمجموعات من القواعد والأعراف الشرعية الحاكمة للعلاقات بين شاغلي تلك الأدوار.
لقد أوجد الجيش لنفسه دورا لا يقل أهمية عن ذلك بعد تحقيق مهمته الأولي وهي استقرار وضع السلام وحمايته فاتجه مباشرة للمهمة الثانية ليكون أحد القطاعات الدافعة للتنمية وأصبح نموذجا يحتذي به في دول العالم النامي، من خلال المشاركة التعميرية وخلق مناطق إعاشة جديدة وإقامة الطرق والخدمات من كهرباء ومدارس وكباري وإنشاء مصانع ومحاجر واستصلاح الأراضي.
وقد أضافت المؤسسة العسكرية للدولة ومخصصاتها الاقتصادية فهي لم تقف مكتوفة الأيدي أمام العجلة السريعة والطاحنة علي المستوي الاقتصادي العالمي، لكنها شاركت وتنافست مع مجالات المجتمع الأخري في إثبات حقها التنموي في معادلة ميزان القوي.
ومصر مثلها مثل دول العالم الثالث سعت إلي تقليل اعتمادها في توفير احتياجاتها علي الدول الصناعية المتقدمة لقناعتها باستحالة تحقيق رفاهية شعوبها إلا بالاعتماد علي الذات في المجالات الحيوية والاستراتيجية، ومن ضمنها المنتجات الحربية لما لها من أهمية لأمنها القومي بأبعاده السياسية والاقتصادية العسكرية، لأن الصناعات الحربية تعتبر « توأم» الصناعات المدنية ولها نفس المؤثرات علي الاقتصاد القومي.
وأي مجتمع يمر بمرحلة التحول فإن الأمن يكون معناه التنمية، من ذلك نجد أن العائدات الاقتصادية للصناعات الحربية تدخل في نطاق وحدود الإنفاق العسكري الذي هو جزء من قدرات التنمية في مصر، وبحسب المفاهيم الاقتصادية فإن الإنفاق العسكري يقاس كجزء من الإنفاق العام للدولة حيث يتضمن النفقات التي تخصص لإنتاج أو شراء العتاد الحربي سواء كان محليا أو مستوردا، والنفقات الجارية والخاصة بمصروفات القوات المسلحة المتعلقة بالتدريب والأجور والخدمات وخلافه.
لذا فإن الإنفاق العسكري يلعب دورا في تأدية الاقتصاد لوظائفه ويتوقف هذا الدور علي طبيعة مرحلة التنمية التي تمر بها الدولة وظروفها وأسلوب تحويل هذا الإنفاق، ومن ثم فإن إحلال الواردات يساعد علي تخفيض ميزانية الإنفاق العسكري وتوفير العملات الحرة التي كانت ستنفق في الخارج، ومن هنا كانت أهمية التصنيع الحربي الذي بالضرورة يصحبه تصنيع مدني في فترات عدم إنتاج المعدات العسكرية، حتي لا يصبح الإنتاج محلك سر، إذا لا نغفل أن الإنفاق الاستثماري علي الصناعات الحربية يزيد علي مثيله في الصناعات المدنية، ولكنه في الوقت نفسه يحقق عائدا كبيرا في الاستثمار غالبا ما يغطي الإنفاق والأهم من ذلك يقلص التبعية للخارج، لأن مبيعات الأسلحة ينتج عنها تعاظم الدين نتيجة لارتفاع أسعار المنتجات الحربية ومن هنا يبدأ الارتباط الاقتصادي بالخارج نتيجة تزايد ديون الدولة، والبعد العسكري للتبعية هو ما يعني أهمية تحرير القرار الوطني والإرادة الوطنية من قيود الدول المصدرة للسلاح.
- رد الجميل
ولأن الجيش المصري يستقبل كل عام ويضم إليه كل فئات المجتمع جغرافيا وطبقيا، فإنه يقوم بدور أكبر من أي مؤسسة أخري مستوعبة التكليف فيما حدده دستور الدولة، وهناك مقولة يرددها القائد العام للقوات المسلحة في المناسبات العديدة التي يتم فيها إنشاء مستشفيات أو مدن جديدة أو غيرها من مشروعات تنموية خدمية للمجتمع المصري، فيذكر ما يلي : « إن مشاركتنا في التنمية المدنية بشكل عام هي رد الجميل للشعب، فإننا لا نمن عليه، ولا نعطي له حاجة من عندنا، فالشعب معطاء، ممكن ألا يأكل ويعطي جيشه ما يحتاجه وقت الأزمات وحتي في وقت السلم يكون شغل الشعب الشاغل هو تسليح جيشه وتدريبه، والتنمية لأبناء هذا الوطن ضرورية، لأن اليوم الذي لا يكون فيه تطوير معناه أننا غير عايشين».
ومن هنا فإن الجيش عليه واجب في اتجاه تنمية الفرد المصري منذ أن يلتحق الجيش لخدمة « العلم» حتي يعود بعد هذه الفترة للمجتمع المدني شخصا قادرا علي تحمل المسئولية في أي مكان بالدولة.
ولا يفوتنا أن نعلم أن العسكريين هم أبناء المجتمع المدني الذين يحترف بعضهم الجندية، بينما يجند الآخرون كالتزام وطني طبقا للدستور لكل شباب مصر من الذكور، وعلي ذلك فإن الجيش يعتبر مدرسة للشعب يأخذ عنها الشباب ما يتوجه به إلي المجتمع الأم. ومن هنا فإن العسكريين ليسوا بمنأي عن مجتمعهم فهم منه وله والجميع يشترك في طابع قومي واحد، ويعيش في إقليم له مصالح مشتركة، وهذا يحتم التفاعل في الأنساق المجتمعية المختلفة بكل أشكالها وألوانها ليتم التعاون بين الشعب والجيش لما فيه خير الوطن في الآخر.
-لا عسكرة للمجتمع
لماذا لا تقول كل هذا الكلام ؟ ! لأنه يخطئ من يتصور أنه في إمكانه اللعب بمصطلحات عفي عليها الزمن وانجرفت في تيار التغييرات المتلاحقة والسريعة، والخطأ هنا بخصوص ما يطلق من عبارات مثل « عسكرة المجتمع» أو أن هذا أو ذاك من أبناء المؤسسة العسكرية، وكأنه ليس من أبناء المجتمع المصري وله حقوق وعليه واجبات مثل أي فرد في المجتمع.
ولأن الدستور يراعي المساواة والعدل في تشريعاته، فقد حرم الرجل العسكري من ممارسة حقوقه السياسية، طالما هو يحمل سلاحا بمعني أنه في الخدمة العسكرية، ومن المفروض أن الصفة العسكرية تتنافي عنه مهنيا، طالما خلع ثيابها وترك سلاحها، ومن هنا يسترد كل حقوقه وواجباته السياسية، أي أن من حقه المشاركة في أي حزب سياسي، ويصبح عضوا بارزا أو غير بارز في هذا الحزب أو ذاك.
إن وجود عدد من الضباط السابقين في وظائف اقتصادية وسياسية عليا، ليس دليلا في حد ذاته علي وجود مجتمع يقوده الجيش.
وفي كل جيش فإن عدد الضباط حملة الرتب العليا محدود بحكم اللائحة التنظيمية، فكل رتبة عسكرية صغيرة ليس بالضرورة أن تبلغ أقصي درجات سلم الترقي، والضباط غالبا ما يتركون الخدمة في سن الأربعين أو الخمسين، وعليهم أن يبحثوا عن مصدر للرزق، والدولة والمجتمع يعتبران نفسيهما ملزمين ومسئولين أخلاقيا عن العناية بهم، لأنهم أبناء هذا الوطن، ويرون أنه من الصالح أيضا استغلال قدراتهم الإدارية وخبراتهم في القيادة، وكثيرا ما يكون للبعض منهم سمعة طيبة، فيكون ضمهم إلي هيئة مديري إحدي الشركات أو دخولهم البرلمان كممثلين منتخبين لحزب من الأحزاب السياسية مثلا.
ومن ناحية أخري يشارك العسكريون المصريون في التنمية الاقتصادية بأشكال أخري متعددة فيما بعد التقاعد بما لديهم من خبرة اكتسبوها في التنظيم والإدارة وفن القيادة، وبعضهم يقوم بإنشاء الشركات والمصانع المنتجة إسهاما منه كباقي مواطني الدولة في دعم العمل الخاص وإيجاد فرص عمل عديدة للشباب.
ومن ناحية أخري فإن بعض القيادات العسكرية تتقلد مناصب قيادية في الحياة المدنية سواء وزراء أو محافظين.
إن لنا هنا تعليقا في سياق عسكرة المجتمع هذا المزمع من قبل البعض ألم يكن « كولن باول» جنرالا كبيرا بالجيش الأمريكي ثم صار وزيرا للخارجية الأمريكية، ولم يتحدث أحد عن عسكرة المجتمع الأمريكي ؟.
ونأتي بعد ذلك عما يحجم أو يجحف حق العسكريين في العمل السياسي بعد انتهاء خدمتهم العسكرية أن لهم نفس الحقوق والواجبات من خلال التعددية الحزبية والإطار الدستوري كأي مواطن مصري، فهم من أبناء المجتمع المصري يتفاعلون معه ويلتحمون في قضاياه الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية الحزبية.
ومن أهم قواعد تطبيق الديمقراطية ألا ينكر أبناء مهنة معينة في المجتمع الآخر، ولا يجور علي الحقوق من واقع التمييز المهني أو الديني أو النوعي، فلم تعد الديمقراطية منظومة فقط من الضمانات المؤسسية، بل هي ذات فاعلة ونظام ديمقراطي قابل للتعريف بأنه شكل الحياة السياسية الذي يعطي أكبر حرية لأكبر عدد من الناس، فالديمقراطية هي سيادة الكل دون التنكر إلي سيادة الدولة وجهودها وإقرار مسئوليتها، ولذلك فإن الفرد الذي يكون ذاتا فاعلة في البناء التراكمي للمجتمع، إنما هو ترس داخل منظومة مؤسسية جمع بين مسالكه الساعية للحرية وبين الانتماء للثقافة الكلية.. لأن الديمقراطية الحقة هي التي تندمج فيها قواعد مؤسسات مشتركة، فالديمقراطية جامعة وليست نافرة لأحد عن آخر إلا بكفاءة الأداء وروعة الانتماء الوطني الكامن داخل الفرد نفسه.
ومن هنا، فإن الديمقراطية في الدول ذات الخبرة العريقة والتاريخ الطويل، هي ديمقراطية النفس الطويل تعالج قضايا ومعاني كثيرة مترسخة عبر عقود وأجيال، وإن كان لنا تغيير وجهة نظر النخبة في التخلي عن مصطلح « عسكرة المجتمع» فأيضا من الحق أن يعي العسكريون أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك نسبة لهم في مقاعد نخبة المجتمع، إلا لمن توافرت فيه الشروط التي تتطلبها المرحلة.. ولذا فإن من أهم مميزات الديمقراطية الصبر إلي تغيير إرادة الناس واتجاهاتهم وطرق تفكيرهم والاقتناع بنشوء ظروف خاصة مصاحبة لكل تغيير وإصلاح في المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.