لم تتوقف مفاجآت هذا الرئيس المثير للجدل عند فوزه غير المتوقع،..، ولكنه فاجأ العالم أيضاً بأنه لم يتغير ولم يتراجع عن تصريحاته وقراراته الصادمة أحسب أنه لا مبالغة في القول بأن الرئيس الأمريكي »دونالد ترامب» كان ولا يزال الأكثر جذباً واستجلاباً لانتباه العالم طوال الأيام والأسابيع الماضية، وكان بالقطع الاكثر استحواذا علي الاهتمام والمتابعة والترقب ايضاً من كل الزعماء والساسة، في كل الدول بطول وعرض الخريطة الدولية علي اتساعها وامتدادها شرقا وغرباً، منذ لحظة الاعلان عن فوزه في الانتخابات في نوفمبر الماضي وحتي الآن،..، وهو الفوز الذي كان بكل المقاييس مفاجأة من العيار الثقيل، بالنسبة للكثيرين داخل وخارج الولاياتالمتحدةالأمريكية ولعلنا لا نخالف الواقع الذي تابعناه ولمسناه إذا ما قلنا، ان الرئيس الامريكي »ترامب» لم تتوقف مفاجآته للعالم فقط عند فوزه المخالف لتوقعات الكثيرين، والذي جاء علي غير ما بشرت به الغالبية العظمي من مراكز استطلاعات الرأي وأجهزة الإعلام الامريكية، التي أكدت عدة مرات توقع فوز المرشحة المنافسة له، »هيلاري كلينتون»، وزيرة الخارجية الامريكية السابقة في إدارة »أوباما»،..، بل وتوقعت غالبية هذه الاستطلاعات، ان لم يكن كلها دون استثناء، ان السيدة كلينتون سوف تكتسح الانتخابات بصورة لا تقبل الشك وبفارق كبير لم يحدث من قبل،..، بمعني أنها سوف تمسح بمنافسها »ترامب» أرض وشوارع العاصمة واشنطن وكل المدن الأمريكية الأخري وفي جميع الولايات دون استثناء. مفاجآت ولكن »ترامب» المثير للجدل والترقب والتوجس ايضاً، فاجأ العالم مرة أخري عندما خالف كل الاجتهادات التي راهنت علي تغير سلوكه المندفع وتصريحاته الملتهبة واعتدالها عندما يدخل البيت الأبيض ويتحول من مرشح للرئاسة، أو رئيس محتمل، إلي رئيس فعلي ويحتل مقعده الرئاسي بالفعل، في العشرين من يناير الماضي ويصبح مقيداً بواجبات ومسئوليات الرئيس الخامس والأربعين لأكبر وأقوي دولة في العالم. ولكنه لم يتغير وبقي علي ما هو عليه صادماً ومندفعاً وخارجاً عن المألوف، في نظر الكثيرين داخل وخارج الولاياتالمتحدةالامريكية. والمتابع لما جري ومازال يجري في الداخل الامريكي وفي قلب البيت الأبيض ذاته، يلفت انتباهه بشدة أنه ومنذ اللحظة الأولي لتولي »ترامب» لمسئولياته الرئاسية، توالت مفاجآته وتسارعت قراراته علي المستويين الداخلي والخارجي، في رسالة واضحة لكل من يهمه الأمر، سواء المؤيدون له آو المعترضون عليه، وهي أنه ملتزم بكل ما أعلنه وصرح به.. خلال.. المعركة الانتخابية الشرسة وغير العادية التي خاضها،..، مهما كان هذا الذي اعلنه وصرح به يبدو غريباً أو غير مألوف أو خارجا عن حدود النص المتعارف عليه في عالم الساسة الأمريكيين، الذين سبقوه إلي داخل البيت الأبيض أو حتي خارجه. وهكذا أصبح »ترامب» موضعاً لترقب العالم كله ومبعثا للقلق والتوجس علي المستويين الداخلي والخارجي فور توليه الرئاسة للدولة الأكبر والأقوي في العالم. دواعي القلق وإذا ما تتبعنا دواعي وأسباب القلق والتوجس التي أثارها الرئيس ترامب داخل الولاياتالمتحدة وخارجها بامتداد اوروبا وآسيا والشرق الأوسط والمنطقة العربية وغيرها من القارات والدول، سنجد في صدارة المشهد تصريحاته وقراراته وافعاله المناهضة للمهاجرين وطالبي اللجوء للولايات المتحدة، ثم ما أعلنه وأكد عليه من توجهات انغلاقية وانكفاء علي الداخل الأمريكي، مخالفاً في ذلك كل الرؤساء والإدارات الأمريكية السابقة عليه. وما سبق ذلك من تصريحاته بالغة الحدة والخشونة تجاه المكسيك وبقية دول أمريكا اللاتينية، وقصة السور الذي يرمع بناءه علي نفقة المكسيك، لوقف المهاجرين غير الشرعيين منها لامريكا،...، وأيضاً سعيه الحثيث لخلق خلاف عاجل مع الصين،..، وملاحظاته غير الودية تجاه أوروبا وحلف النيتو،..، ثم قراراته المتعجلة والسريعة فور دخوله البيت الأبيض وبعد ساعات قليلة من توليه المسئولية بفرض حظر يستمر تسعة أشهر علي دخول مواطني سبع دول اسلامية الي الولاياتالمتحدة،...، وهو ما أثار عاصفة عاتية من الاحتجاجات في الداخل الأمريكي، وايضاً في دول عديدة من العالم وخاصة أوروبا. وقد تصاعدت هذه الاحتجاجات الداخلية، ووصلت الي قيام العديد من الولايات والمواطنين الامريكيين ايضاً، بالطعن علي القرارات الرئاسية،..، وهو أمر بالغ الاثارة ولم يحدث من قبل مع أي رئيس لم يمض علي توليه المسئولية سوي عدة ايام،..، وتطورت الأمور وتصاعدت وازدادت حدة بالأحكام التي صدرت عن القضاءالفيدرالي بوقف تنفيذ قرارات الرئيس المثير للجدل. خارج الدائرة وفي ظل ذلك كله أصبح الرئيس الأمريكي الجديد، الذي لم يمض علي مباشرته لسلطاته سوي عدة أيام، لا تزيد في مجملها عن ثلاثة أسابيع، منذ دخوله سدة الحكم في البيت الأبيض وحتي اليوم، هو أكثر الرؤساء الأمريكيين إثارة للجدل وإثارة ايضاً للقلق والتوجس علي الاطلاق لكثير من ساسة العالم ودوله،..، وبات واضحاً للجميع بأنه سيكون رئيساً مختلفاً تماماً عن كل الرؤساء السابقين للولايات المتحدةالامريكية، في رؤيته لما يجري علي الساحة الدولية من أحداث ووقائع، وتقديره لما يجب ان تكون عليه السياسات والتوجهات والمواقف الأمريكية تجاه هذه الأحداث وتلك الوقائع، انطلاقاً من قاعدة أساسية تحكم ردود أفعاله وقراراته، وهي المصلحة الأمريكية المباشرة أو غير المباشرة،...، وفقاً لمفهوم رجل الاعمال. وأسلوب الصفقات الذي اعتاد عليه وبرع فيه طوال حياته،..، وفي ذلك علينا أن ندرك الحقيقة الواضحة وهي أننا أمام رئيس أمريكي جاء من خارج الدائرة السياسية والاجتماعية التقليدية في أمريكا، والتي كانت طوال السنوات الماضية بمثابة المفرخة أو الحضانة التي يأتي منها كل الرؤساء الامريكيين، وأيضا كل النخبة من رجالات السياسة والحكم في الولاياتالمتحدة، سواء في الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ أو حكام الولاياتالمتحدة وصولا إلي الرؤساء..، ونظرة سريعة ولكنها متفحصة علي سلسلة الرؤساء السابقين للولايات المتحدة، تكفي للدلالة علي ذلك وتأكيده فقد كانوا جميعا نتاج هذه النخبة، سواء بوش الاب وبوش الابن وفورد ونيكسون وكلينتون واوباما وغيرهم وغيرهم،...، وكل هؤلاء هم نتاج نفس الدائرة السياسية والاجتماعية،...، ولكن ترامب مختلف فهو ليس من نتاج هذه الدائرة،..، هو رجل أعمال بني نفسه بنفسه وكل خبرته في المقاولات والتجارة والمشروعات والصفقات. لماذا الاهتمام؟! والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو بالتحديد لماذا نهتم بترامب؟ وما هي موجبات هذا الاهتمام؟! وما هي أسبابه ودواعيه؟! وفي هذا الاطار نقول بكل بساطة أنه من الطبيعي بل الضروري أن نهتم بالرئيس الجديد للدولة الاكبر والأقوي في عالم اليوم التي هي الولاياتالمتحدةالأمريكية، ليس فقط لكونها الدولة الأكبر والأقوي علي الساحة الدولية، ولكن ايضا لكونها الأكثر تأثيرا وتداخلا وانخراطا في المنطقة العربية والشرق الأوسط، الذي نحن جزء رئيسي ومركزي فيه،..، هذا بالاضافة إلي تداخلها وانخراطها طوال السنوات الماضية في عملية السلام بالشرق الاوسط، ودورها الذي كان مفترضا ان تقوم به كراع لهذه العملية،..، ولكنها للأسف لم تقم به علي الاطلاق، بل كان لها مواقف سلبية كثيرة حيال هذه القضية في ظل الادارات السابقة، وخاصة ادارة أوباما التي تخلت عما تعهدت به في هذه القضية، ولم تتذكرها سوي في الربع ساعة الأخير من وجودها في السلطة. ونحن ايضا نهتم »بترامب» اهتماماخاصا، لأن وجوده رئيسا جديدا، يعني نهاية مرحلة سوء الفهم وسوء القصد وسوء التصرف من الجانب الأمريكي، التي سيطرت علي التوجه الأساسي لادارة أوباما تجاه مصر طوال السنوات الثماني الماضية، في ظل ما لمسناه من عداء مستتر أحيانا ومعلن أحيانا أخري من جانب هذه الادارة،..، وهو ما ظهر جليا في دعمها ومساندتها للجماعة الارهابية، ووقوفهم ضد ارادة الشعب المصري، بل وتآمرهم عليه ايضا، وسعيهم الحثيث لإسقاط الدولة المصرية. وقد زاد اهتمامنا »بترامب» في ظل ماأعلنه وصرح به من انه سيدعم مصر في مواجهة الارهاب وأنه سيسعي بجدية للقضاء علي الارهاب في كل صوره واشكاله، سواء كان تحت مسمي داعش أو غيرها. منظور خاص وبذلك يكون اهتمامنا بترامب هو اهتمام متعدد الجوانب وأيضا متعدد الدوافع،..، فهو رئيس جديد للدولة الأقوي أبدي عدة ملاحظات وتصريحات ايجابية تجاه مصر، واعلن انه يتفهم ما جري في مصر، ويحترم ارادة شعبها، وانه ضد التدخل في الشأن الداخلي للدول، وانحي باللائمة علي الادارة السابقة »ادارة أوباما» لمواقفها السلبية تجاه مصر، وتركها لمصر دون دعم في مواجهة الارهاب،..، ثم أكد صراحة وبوضوح انه سيساند مصر في حربها ضد الارهاب. ونحن نهتم به أيضا في إطار اللقاء القادم بينه وبين الرئيس السيسي، وهو اللقاء الذي سيكون فرصة سانحة للحوار وتبادل الرأي ووجهات النظر مع الادارة الجديدة، حول كل القضايا الخاصة بالمنطقة العربية والشرق أوسطية، كما سيتم خلاله التركيز علي بحث العلاقات الثنائية بين البلدين في كافة جوانبها السياسية والاقتصادية والعسكرية ايضا. وفي هذا الخصوص لابد ان ندرك أنه بالرغم من كل الاجتهادات التي طرأت أو قد تطرأ، علي فكر وذهن جميع المهتمين والمتابعين للشأن الخارجي في علاقات مصر مع دول العالم علي اتساعه ورحابته،..، فإن العلاقات المصرية الأمريكية، يظل لها منظور خاص ووضع متفرد وسط منظومة هذه العلاقات، يجعل منها الأكثر لفتا للنظر والأكثر جذبا للاهتمام. وبالمناسبة ليس ذلك وليد اليوم أو ظاهرة طارئة طفت علي السطح نتيجة ظرف طاريء، أو متغير في مسار ومنهج السياسة المصرية أو الأمريكية خلال السنوات القليلة الماضية،..، بل ان العكس هو الصحيح حيث تقول كل الشواهد والدلائل، إن ذلك هو الترجمة الصحيحة للوقائع والأحداث التي جرت في هذه المنطقة من العالم طوال السنوات الماضية، والتي تمتد إلي ما يزيد علي ثلاثة أرباع قرن من الزمان. علاقات صحيحة وفي هذا السياق، وطوال تلك الحقبة من الزمان، التي ترجع في تاريخها إلي ما قبل قيام الثورة المصرية في الثالث والعشرين من يوليو 1952، كانت مصر ولاتزال محل اهتمام خاص من الولاياتالمتحدةالامريكية، لأسباب كثيرة تدور في مجملها وجوهرها حول الثقل النوعي والدور الفاعل والمؤثر لمصر في محيطها الاقليمي، كما تعود أيضا إلي عبقرية مكانها المتفرد في قلب العالمين العربي والاسلامي، الذي يجعل منها حلقة الوصل بين القارة الافريقية والقارة الأسيوية،..، بالاضافة إلي ما تمثله مصر كمركز وملتقي للحضارات الإنسانية التي أضاءت العالم وصاغت وجدانه. وعلي نفس الدرجة من الاهتمام كانت مصر ولاتزال تتطلع لعلاقات قوية ومتوازنة مع الولاياتالمتحدة، تقوم في أساسها علي الاحترام المتبادل وتحقيق مصالح الدولتين، واضعة في اعتبارها أهمية وحيوية تلك العلاقة الايجابية والوثيقة، مع الدولة الواقعة علي قمة الهرم الدولي في عالم اليوم. وفي هذا الاطار من الحرص البالغ بين الطرفين الأمريكي والمصري تأتي الزيارة القادمة لرئيس مصر إلي واشنطن، ويأتي اللقاء المتوقع بين السيسي وترامب، والذي يتم في اطار رغبة الطرفين في اقامة علاقات بناءة وتعاون مثمر بين الدولتين يحقق المصالح المشتركة بينهما،..، وهو التعاون القائم علي احترام كل طرف للطرف الآخر والادراك المتبادل بقيمة كل منهما والتوجه الصادق لترسيخ الاسس لعلاقة صحيحة وقوية . الإرهاب.. والتنمية ومجمل القول في هذا الخصوص، نقول بكل الصراحة والوضوح، انه إذا ما اردنا توصيفا محددا لما يجب ان تكون عليه العلاقات المصرية الأمريكية، وفقا لجميع المعطيات القائمة الآن في.. المنطقة والعالم، وإذا ما أردنا ان تكون هذه العلاقات متوافقة مع مارددناه ورددوه كثيرا علي الجانبين المصري والامريكي، »بأنها علاقات استراتيجية»،..، فيجب علينا نحن وهم ان ندرك بكل الوعي انها بالفعل علاقات بالغة الأهمية في جوهرها ومضمونها، وعلي الطرفين السعي الجاد لأن تكون في واقعها علي مستوي تلك الأهمية، وانها كي تصبح بالفعل كذلك فلابد ان تقوم علي احترام كل طرف للآخر، وادراك قيمته الاقليمية والدولية، والوعي الكامل بحقه في السعي لتحقيق مصالحه وتعظيمها مع مراعا مصالح الطرف الآخر. بمعني ان تكون العلاقات بين القوة الأعظم علي الساحة الدولية، وبين مصر الدولة الأكبر والأكثر تأثيرا علي الساحة الاقليمية عربيا وشرق أوسطيا، محققة لمصالح الطرفين، في ظل تعاون وتنسيق مشترك للقضاء علي الارهاب الذي يهدد المنطقة والعالم،..، وأن يكون لهذه العلاقة ذراع اقتصادية فعالة ومؤثرة، تستطيع مصر في ظلها ان تسير بخطي جادة ومتسارعة للتنمية الاقتصادية ونقل التكنولوجيا الحديثة،..، وهو ما يؤدي بالقطع إلي تحقيق الاستقرار في المنطقة،..، وهذا هو المفهوم الصحيح لعلاقات استراتيجية بين مصر والولاياتالمتحدةالامريكية في تصوري.