لكن ماذا عن الهيئة المناسبة الذي يستطيع فيه العراق مقاضاة الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة فهو ما نتناوله اليوم. فهناك أسلوب الاتفاق الرضائي بين الجانبين العراقي والأمريكي والبريطاني، وهناك مجلس الأمن الدولي، وهناك محكمة العدل الدولية. ويبدو ان الاتفاق الرضائي بين الطرفين غير عملي، لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية تصر علي أن عدوانها للعراق مشروع. كما أن الذهاب إلي مجلس الأمن الدولي لمقاضاتها غير مضمون النتائج أيضاً لانها تمتلك حق النقض «الفيتو» فيه ولانها أصبحت منذ تفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار المعسكر الاشتراكي القوة المهيمنة الوحيدة في الأممالمتحدة، حتي وصل الأمر بمساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمي روبن أن يصرح خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي في آب 1996 بقوله (تعمل الأممالمتحدة ما تسمح لها الولاياتالمتحدة أن تعمله فقط)، هذا إضافة إلي أن مجلس الأمن امتنع عن تحمل مسئولياته إزاء الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق بسبب الهيمنة الأمريكية عليه، وقرارات المجلس التي صدرت منذ الغزو تعاملت معه كأمر واقع. وهكذا تبقي المسألة مقاضاة الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة أمام المحكمة العدل الدولية هي الخيار المتاح، كونها الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة وتتمتع بمقتضي نظامها الأساسي بولاية النظر في النزاعات ذات الطابع القانوني التي يمكن أن تنشأ بين دولتين أوأكثر، وتشمل صلاحية المحكمة التحقق من واقعة من الوقائع التي إذا ثبتت كانت خرقاً لالتزام دولي وتحديد نوع التعويض المترتب علي الدولة نتيجة هذا الخرق ومدي هذا التعويض. والاحتمالات المتاحة لمقاضاة الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة أمام محكمة العدل الدولية ثلاث: الأول أن يوافق العراقوالولاياتالمتحدةالأمريكية علي عرض النزاع علي المحكمة والقبول بولايتها الجبرية في الفصل بالنزاع، وهذا الاحتمال غير وارد لأنهما لن يقبلا به. والاحتمال الثاني أن يطلب العراق من المحكمة،من خلال قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن تصدر فتوي قانونية حول شرعية العدوان والاحتلال الأمريكي للعراق. وهذا الاحتمال صعب أيضاً لانه يستوجب موافقة أغلبية أعضاء الاممالمتحدة الحاضرين المشتركين في التصويت علي القرار، ووفق المعطيات الراهنة فإن دولاً كثيرة ستتجنب المشاركة في التصويت علي مثل هذا القرار الذي يؤذي في الصميم مكانتهما، أخذاً بالعلم أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لا طابع ملزم له وقد تدعي الولاياتالمتحدةالأمريكية ومملكة المتحدة أن الموضوع ليس من اختصاص المحكمة مثلما فعلت هي واسرائيل مع موضوع جدار الفصل العنصري الاسرائيلي. أما الاحتمال الثالث فهو مقاضاة الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة أمام محكمة العدل الدولية بموجب اتفاقية (منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس البشري ) لعام 1948 كونهما والعراق أعضاء في الاتفاقية، والمادة التاسعة منها تنص علي ( كل نزاع بين الأطراف المتعاقدة في شأن تفسير وتطبيق أو نتفيذ هذه الاتفاقية بما في ذلك المنازعات الخاصة بمسؤؤلية الدولة عن أعمال إبادة الجنس البشري أو اي من الأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة يحال أمره إلي محكمة العدل الدولية وذلك بناء علي طلب الدولة ذات الشأن)، أي أن الاتفاقية نصت بوضوح علي عدم اشتراط موافقة طرفي النزاع علي عرضه أمام المحكمة والأكتفاء بطلب يقدم من الدولة التي تعتقد ان دولة أخري طرفاً في الاتفاقية انتهكت التزاماتها بموجبها. إن اللجوء إلي محكمة العدل الدولية.