حتي سنوات قليلة مضت كان كثير من الأوربيين يتحدثون عن تركيا باعتبارها نموذجا لواحدة من الدول الديموقراطية في الشرق الأوسط.. بلد يسير وفق نظام برلماني، ويفصل بشكل واضح بين الدين والدولة، وجيشه خارج الحياة السياسية وللصحافة فيه هامش من الحرية، وهناك مفاوضات مع متمردي حزب العمال الكردستاني الذين يسعون للاستقلال بجنوب البلاد وإلحاقها بشمال سوريا وكردستان العراق لإنشاء دولة كردية موحدة، فضلاً عن أن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان كان الداعم الأول لما عُرف ب« ثورات الربيع العربي»، والتي اندلعت عام 2011، أي حينما كان رئيساً للوزراء. أما اليوم فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم للبلاد منذ 2002، يريد وضع دستور إسلامي يغير نظامها البرلماني إلي نظام رئاسي يكون لرئيس الجمهورية فيه اليد الطولي، وهو ما يعني أن أردوغان الذي أمضي ثلاث فترات في رئاسة الوزراء (من 2002 إلي 2014)، يريد أن يصبح «السلطان الأوحد» لتركيا، كما يقول خصومه، وصرح الكاتب الصحفي التركي إرديم جول لصحيفة لوموند الفرنسية إن بلاده « تسير في الطريق نحو الاستبداد»، ويضيف جول: « من الواضح أن كل ما كان أردوغان يمارسه في الفترة الماضية من تشدق بقيم الحرية والديموقراطية لم يكن سوي زواج متعة بورقة تم تمزيقها». ويوضح جول أن تركيا «تعيش فعلياً في نظام حكم رئاسي، في ظل عدم قدرة المعارضة العلمانية علي تقديم بديل مقنع.. وبعد إجبار أحمد داوود أوغلو علي الاستقالة من رئاسة الوزراء ورئاسة الحزب، فإن رئيس الوزراء الحالي بن علي يلدريم ليس سوي عروسة ماريونيت في يد أردوغان يحركها كيف يشاء، ولا شيء يهدد سلطة هذا الأخير سوي عجرفته التي قد ندفع جميعاً ثمنها وليس أردوغان وحده»، ولا يبدو أن الأوربيين الآن يمكنهم الضغط علي الرئيس التركي في مسائل حبس الصحفيين والمحامين الحقوقيين وممثلي منظمات المجتمع المدني نظراً لأنه يواجههم بضغط مضاد في ملف اللاجئين ويلوح من وقت لآخر أنه قد يفتح حدوده البحرية مرة أخري لآلاف النازحين من جحيم الحرب السورية للفرار في زوارق إلي الجزر اليونانية ومنها لباقي أنحاء القارة العجوز. أردوغان يسعي لتغيير الدستور إما بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان، أو باستفتاء شعبي، ولأن الطريق الأول أسهل، فإن رئيس وزرائه بن علي يلدريم حصل علي أغلبية أصوات أعضاء البرلمان لنزع الحصانة عن 138 من زملائهم المنتمين لحزب الشعوب الديموقراطي المعارض، الذي يترأسه صلاح الدين ديمرطاش، والذي يتهمه أردوغان بموالاة حزب العمال الكردستاني PKK الذي لم يتوقف عن تنفيذ عمليات عسكرية نوعية ضد وحدات الجيش والشرطة منذ عام 1979. غير أن ما يمارسه أردوغان ليس خطراً علي أوروبا وحدها ولكن علي بلاده أيضاً، وتعلق صحيفة الجمهورية علي تصرفاته: « بفضل السيد أردوغان أصبحت البلاد اليوم منقسمة إلي سنة وشيعة علويين، وبين السنة أنفسهم هناك المتدينيون والعلمانيون، فضلاً عن الانقسام بين الأتراك والأكراد». وكان رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان قد صرح أنه «يجب علي تركيا أن تقر دستورا إسلاميا»، وأضاف كهرمان «كبلد إسلامي، لماذا نقبل بوضع نتراجع فيه عن الدين؟ نحن بلد مسلم ولذا ينبغي أن يكون لدينا دستور ديني.. لا مكان للعلمانية في هذا الدستور». وتتهم المعارضة أردوغان بتدمير القيم العلمانية التي وضعها مؤسس تركيا الحديثة مصطفي كمال أتاتورك عام 1924، ففي العامين الماضيين، ألغت الحكومة الحظر الذي كان مفروضا علي ارتداء الحجاب في المدارس والدوائر الحكومية، كما حددت مبيعات المشروبات الكحولية وحاولت فرض حظر علي السكن المختلط في الجامعات. وهاجم زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كيليجدار أوغلو، ما ذهب اليه رئيس البرلمان، مخاطباً إياه عبر تويتر، قائلاً «إن الفوضي المنتشرة في الشرق الأوسط هي نتاج طرق تفكير كتلك التي تستخدمها أنت.. إنك تريد تحويل الدين إلي أداة سياسية»، وفي تغريدة أخري أنهي كلامه قائلاً: «يا سيد كهرمان، إن العلمانية وجدت من أجل أن يتمكن كل شخص من ممارسة دينه بحرية».