أثارت مطالب رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان، أن تركيا تحتاج دستوراً دينياً، وإنه ينبغي إسقاط مبدأ العلمانية من دستورها الجديد، جدلاً كبيراً داخل الوسط التركي، حيث خرجت العديد من التظاهرات للتنديد بتصريحات "كهرمان"، فيما اعتبره البعض خروجاً عن المبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية الحديثة. وتتهم المعارضة التركية، حزب العدالة والتنمية، منذ وصوله إلى الحكم بزعامة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إلى السلطة في 2002، والمعارضة تتهمه بالسعي إلى أسلمة نظام الحكم والمجتمع. وترصد "الفجر" الجدل التي أثارتها مطالب "كهرمان"، وتعليق بعض الخبراء حول انعكاسات هذا التحول في السياسية التركية. المطالبة بدستور علماني اعتبر رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان، أمس الثلاثاء، أن الدستور المقبل لتركيا يجب أن يكون دينياً، وأن العلمانية يجب ألا تكون جزءاً منه. وقال كهرمان، خلال مؤتمر صحافي في اسطنبول: "بصفتنا بلداً مسلماً، لماذا علينا أن نكون في وضع نتراجع فيه عن الدين؟ نحن بلد مسلم، وبالتالي يجب أن نضع دستوراً دينياً، مضيفاً أنه قبل أي شيء آخر، يجب ألا ترد العلمانية في الدستور الجديد. المعارضة تندد ومن جانبها، سارعت المعارضة الكمالية "نسبة إلى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة العلمانية" إلى التنديد بتصريحات كهرمان. وكتب زعيم المعارضة كمال كيليتشدار أورغلو في تغريدة على "تويتر"، مخاطباً القيادي في العدالة والتنمية، "أن الفوضى التي تسود الشرق الأوسط هي ثمرة عقليات تقوم، على غراركم، بتسخير الدين أداة سياسية"، مضيفاً أن العلمانية موجودة من أجل أن يتمكن كل فرد من أن يمارس ديانته بحرية. رئيس الوزراء يرد ومن جانبه، اكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أن مبدأ العلمانية سيبقى في الصيغة الجديدة للدستور التي يعدها حزبه الإسلامي المحافظ الحاكم. وقال "أوغلو" في خطاب ألقاه في أنقرة، إن الدستور الجديد الذي نقوم بإعداده سيتضمن مبدأ العلمانية لضمان حرية العبادة للمواطنين، ولكي تكون الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان. "أردوغان" يعلق وبدوره، علق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على الجدل الذي أثارته تصريحات كهرمان، حول مفهوم العلمانية في الدستور الجديد، قائلاً إن "العلمانية تعني أن تكون الدولة على مسافة متساوية من كافة الطوائف الدينية بشأن ممارسة شعائرها". تظاهرات للإحتجاج وتجمع ما يقرب من 100 متظاهر أمام أحد مداخل البرلمان في أنقرة وهم يهتفون "تركيا علمانية وستبقى كذلك"، اليوم الأربعاء، وتدخلت شرطة مكافحة الشغب لتفريقهم بالغاز المسيل للدموع، كما اعتقلت الشرطة أشخاص عدة خلال تفريق التظاهرة. ومن المقرر أن تجري تظاهرات اليوم في مناطق أخرى احتجاجاً على ما قاله رئيس البرلمان اسماعيل كهرمان تتناسب مع الواقع التركي ومن جانبه، أكد الدكتور جمال أسعد المحلل السياسي، أنه مطالب رئيس البرلمان التركي متوقعة، وتتناسب مع الواقع الذي تعيشه الدولة التركية، وتسعى السلطة الحالية إلى تنفيذه منذ تولي "أردوغان" مقاليد الحكم. وأضاف أسعد، أن توجهات حكومة "أردوغان" منذ توليه مقاليد الحكم، وسعيه للتوسيع من تطبيق النظام الإسلامي وتضييق النطاق على الجانب العلماني كانت جميعها تنذر باتخاذ مثل هذا القرار، موضحاً أن تصريحات "كهرمان" لم تأتي من فراغ، وأنها تعبر عن اتجاه الحكومة الحالية التي تحكم البلاد. وأشار المحلل السياسي، أن هذا التحول المفاجئ من العلماني إلى الإسلامي في النظام التركي، سيؤثر وبلا شك على دول المنطقة بأكملها، لافتاً إلى أن اتجاه الدول إلى التأسيس على أساس مذهبي أو ديني سيؤدي إلى ما يُحمد عقباه في كل دول العالم. تمنح حرية إعتناق الأديان ومن جانبه، أكد هشام عوف، رئيس الحزب العلماني المصري، أن اتجاه الحكومة التركية لإلغاء العلمانية من الدستور لن يتم الموافقة عليه من الشعب التركي، مؤكداً أن العلمانية تحفظ للمواطنين حقوقهم فيما يتعلق بحرية اعتناق الأديان وممارسة طقوسها، كما تجبر نظام الحكم في أن يقف على نفس المسافة من جميع الأديان. وأضاف عوف، في تصريح خاص ل "الفجر"، أن الحكومة التركية الإسلامية تسعى منذ توليها الحكم للتفاوض مع المعارضة في هذا الشأن، مشيراً إلى أن رد فعل المعارضة التركية على تصريحات "كهرمان" أثبتت لحكومة "أردوغان" أن الشعب التركي لن يسمح له مهما حاول بتحويل النظام التركي من علماني إلى إسلامي. تعتمد على المصالح الشخصية وعلى الصعيد الآخر، أكد السيد رشدي شلبي، داعية إسلامي، أن العلمانية نظام جاهلي قديم، يتم استخدامه في العصر الحالي للتعبير عن حرية التعبير مقابل كل تشريه، لافتاً إلى أنها تعتمد على المصالح المادية والشخصية في المقام الأول. وأضاف شلبي، في تصريح خاص ل "الفجر"، أن الحديث عن أن السبب في تطبيق العلمانية هو جماية حرية اعتناق الأديان داخل الدول الإسلامية لا أساس له من الصحة، موضحاً أن تعاليم الدين الإسلامي تسمح بحرية اعتناق الأديان. وأوضح الداعلية الإسلامي، أن مطالب رئيس البرلمان التركي بأن يكون دستورها دينياً مطالب واقعية، مشيراً إلى أن الدستور يجب أن يكون دينياً في أي دولة إسلامية.