لم نستطع أن نصمد معهم لأكثر من ساعتين، فحرارة الشمس الشديدة جعلتنا نعلن استسلامنا، لكن الجنود المجهولين في معركة البناء أكدوا أنهم أكثر قدرة علي التحدي والصمود، وعلي مدار ساعات النهار كل يوم يواجهون نار الجو بالعمل الدؤوب دون شكوي واحدة 4 آلاف عامل يعملون علي مدار 24 ساعة ليقدموا للمصريين «عيدية» مختلفة، تتمثل في افتتاح جانب كبير من مشروع محور روض الفرج، وأعرب الكثيرون منهم عن سعادتهم بالمشاركة في بناء المستقبل، وأكدوا أن ذكرياتهم ستصبح أسطورة تتناقلها الأجيال. عمال المشروع يرتدون خوذات، جباههم يتساقط منها العرق، وجوههم تحولت من اللون الأبيض إلي اللون الأحمر من شدة الحرارة، يرتدون أحذية «سيفتي» وكأنهم في طابور عرض في القوات المسلحة، كل منهم يعمل في مكانه، عشنا معهم وارتدينا «الخوذ» لكي لتحمينا من حرارة الجو، وجدنا أنفسنا نتصبب عرقا من شدة الحرارة ولم نحتمل البقاء أكثر من ساعتين، مما جعلنا ندرك حجم المجهود الجبار الذي يبذلونه، اقتربنا من العمال الذين يعملون في الجزء اليابس من المشروع، كان ياسر محمد – حداد – يقوم بلي أسياخ الحديد المسلحة وتحويلها إلي دوائر لاستخدامها في ربط الأعمدة الخرسانية المستخدمة في خوازيق قواعد الكباري، قال: أعمل من الساعة السادسة صباحا ولا أخشي أشعة الشمس فقد تعودنا عليها، وأضاف أن مهنته تحتاج لمجهود كبير ومساعدة عدد من الزملاء، وأشار إلي أنه يعمل في جميع المشروعات القومية ويشعر بالفخر والسعادة لمشاركته حتي ولو «بثني» الحديد، وأكد أن ما يفعله أضاف الكثير مما سوف يسجله في ذكرياته ويحكيه لأولاده وأحفاده. والتقط الحديث محمد محمود – عامل – وقال انه يرفع شعار إنجاز العمل بدقة واتقان وأضاف: «كل ما نشوف المشروع بدأ يظهر علي أرض الواقع ننتفض فرحا ونشعر بالقوة والنشاط»، وأوضح أن هذا المشروع سوف يخدم مناطق كثيرة وسوف يغير خريطة الطرق. ويضيف هاني حامد عامل قائلا: أعمل هنا علي مدار اليوم حيث أن «النبطشية» الواحدة 12 ساعة من أجل أن يتم إنجاز المشروع في موعده، ويقول: نحن كعمال ننظر إلي هذا المشروع وكأنه بناء شخصي لنا لأن أبناءنا سوف يستفيدون من هذا المشروع في المستقبل القريب، مؤكدا أنه فخور ويزداد فخرا كل يوم عندما يري المشروع يخرج للنور، وأشار إلي أنه عندما يشاهد المشروع يشعر وكأن ابنه هو من يكبر ويترعرع أمامه كل يوم ويدعو المواطنين لمشاهدة المشروع بعد إنجازه في القريب العاجل . في الحادية عشرة وجدنا العبارات تطلق إشارة صوتية بوصولها تحمل العديد من السيارات المخصصة لنقل الخرسانة المسلحة، وهنا طلب منا المهندس حسين مدير المشروع الانتقال إلي العمال والمهندسين الذين يعملون في نهر النيل، وبالفعل قمنا باستقلال قارب وتوجهنا إلي الوراق لنلتقي بالعمال والمهندسين، وبمجرد أن وطأت أقدامنا أرض الجزيرة وجدناها ممتلئة بالكتل الخرسانية وذرات التراب تتصاعد وتجعل التنفس بالغ الصعوبة، من جديد شعرنا بالجهد المبذول، اقتربنا من أرض المشروع والتقينا ب «أحمد سعد أحمد» - عامل - الذي قال: يبدأ عملي منذ الساعة الساعة السابعة صباحا واحصل علي ساعة واحدة للغذاء كما تمنحنا إدارة المشروع وقتاً لأداء الصلاة في موعدها مضيفا أن ما نبنيه الآن هو مستقبل لهذا البلد العظيم، وأضاف أنه من سكان القناطر الخيرية وعندما يتوجه إلي هناك يحدث أهله بهذا المشروع الذي سيقضي علي التكدس المروري، حيث ينهي تماما الزحام في وسط القاهرة وأضاف: سأظل أحكي لأولادي في المستقبل عن الظروف الصعبة التي تم فيها بناء المشروع، مشيرا إلي أنه سيطلب من ابنائه استكمال خطة المشروعات القومية التي بدأتها الدولة. ويضيف المهندس أسامه كمال أحد مهندسي المشروع أن مشكلة ارتفاع درجة حرارة الجو تؤثر علي جودة الخرسانة المصبوبة في قواعد المشروع، لكن يتم التغلب علي ذلك من خلال إعادة تبريد الخرسانة المستخدمة، وأكد أن هذا المشروع ضخم وكبير للغاية وفخر لأي مهندس أن يعمل به، يبتسم وهو يقول ان حرارة الجو أحرقت حذاءه وكذلك جميع أحذية العمال، وأضاف أنه تم تنفيذ 80 عموداً في نهر النيل وهذا يعد إنجازاً فعلياً تم في وقت قصير جدا، وقال إنه من سكان الشيخ زايد ويعاني مثل جيرانه من الوصول إلي وسط العاصمة لأن المحور يكون مزدحماً باستمرار لكن بعد افتتاح الكوبري سيكون المحور بلا أي تكدس مروري. أما المهندس خالد السيد المدير التنفيذي للمشروع، فأوضح أن طبيعة العمل في مشروع محور روض الفرج تختلف بين البر والنيل، وأضاف أن عملية الحفر في النيل تحتاج إلي تدقيق ودراسة؛ فبعد إتمام عملية الحفر داخل النهر لعمل أعمدة وخوازيق الكوبري يتم صب مادة معينة مسئولة عن تبطين جوانب الحفر لكي لا يحدث انهيار، ويواصل: عقب ذلك يتم البدء في عملية شد الحديد وصب الخرسانة لنبدأ عملية تنفيذ القاعدة وفي النهاية يتم تبريد الخرسانة بواسطة الثلج حتي لا تؤثر حرارة الجو عليها وبعد عدة أيام وعقب الاطمئنان من سلامة الخرسانة يتم إزالة الأعمدة الخشبية أو الجدران الحديدية، ويوضح أن الحفر داخل الماء له عمال ذوو طبيعة خاصة ويحتاج لمدربين مؤهلين، مشيرا إلي أن تنفيذ الخازوق الواحد قد يتطلب 24 ساعة بأكملها. وأثناء تجولنا بأرض المشروع علي جزيرة الوراق وجدنا عدداً من العاملين يمررون أسلاكاً داخل الخرسانة موصلة بجهاز كمبيوتر، وقال القائمون عن العمل أنهم يقومون باختبار الخرسانة والتأكد من جودتها وعدم وجود أي عيوب بها، مشيرا إلي أن هذا الكشف يوضح ما إذا كان هناك فراغ أو خلل داخل الخرسانة وفي حالة حدوث ذلك يتم التعامل إما بحقن العمود أو الخازوق، وفي حالة عدم القدرة علي إصلاح الخلل يتم إزالة الخازوق وصب غيره.