عمر فاروق: وعي الشعب المصري خط الدفاع الأول ضد مؤامرات «الإرهابية»    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    الحكومة تواصل إنقاذ نهر النيل: إزالة 87 ألف حالة تعدٍ منذ 2015 وحتى الآن    ترامب: نرغب بوصول المساعدات إلى غزة دون أن تمسّها حماس    زلزال عنيف يضرب سواحل روسيا.. وتحذيرات من تسونامي    ترامب يفرض 25% رسومًا جمركية على الهند بعد تعثر المفاوضات التجارية    إعلان نيويورك: يجب أن تنهي حماس حكمها في غزة وتسلّم أسلحتها للسلطة الفلسطينية    الجنايني يكشف سبب تعثر بيع زيزو لنيوم السعودي    جدول مباريات الزمالك في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    مدير أمن سوهاج يتفقد الشوارع الرئيسية لمتابعة الحالة الأمنية والمرورية    غرق طفل بترعة في مركز سوهاج.. والإنقاذ النهري ينتشل الجثة    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الإعلامى حسام الغمرى: جماعة الإخوان تحاول تشويه موقف مصر الشريف تجاه فلسطين.. فيديو    محمد محسن يحتفل بعيد ميلاد زوجته هبة مجدي برسالة رومانسية (صور)    لهذا السبب... لطفي لبيب يتصدر تريند جوجل    المجلس القومي لحقوق الإنسان يهنئ أعضاءه الفائزين بجائزة الدولة التقديرية لعام 2025    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    وزير العمل يعلن 68 وظيفة بالسعودية.. تعرف عليها    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    بكابلات جديدة.. قرب الانتهاء من تغذية محطة جزيرة الذهب أسفل كوبري العمرانية    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ليفربول ضد يوكوهاما والموعد والمعلق.. موقف محمد صلاح    معاشات أغسطس 2025 للمعلمين.. الصرف يبدأ الجمعة وزيادة 15% تُطبق رسميًا    «التموين»: لا صحة لعدم صرف الخبز المدعم لأصحاب معاش تكافل وكرامة    من المهم توخي الحذر في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 30 يوليو    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    مكتب ستارمر يؤكد اتصاله بنتنياهو قبل إعلان الاعتراف المحتمل بدولة فلسطين    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    مطران دشنا يترأس صلوات رفع بخور عشية بكنيسة الشهيد العظيم أبو سيفين (صور)    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    استعدادًا للموسم الجديد.. نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    وكيله ل في الجول: أحمد ربيع لم يفقد الأمل بانتقاله للزمالك.. وجون إدوارد أصر عليه منذ يومه الأول    نبيل الكوكي يقيم مأدبة عشاء للاعبى وأفراد بعثة المصرى بمعسكر تونس    الإمارات تدين بشدة الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة في الكونغو    خالد أبوبكر للحكومة: الكهرباء والمياه الحد الأدنى للحياة.. ولا مجال للصمت عند انقطاعهما    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    وزير الخارجية يتوجه إلى واشنطن في زيارة ثنائية    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    عاصم الجزار: لا مكان للمال السياسي في اختيار مرشحينا    سعر الفول والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    السيطرة على حريق هائل بشقة سكنية في المحلة الكبرى    مفاجأة ممدوح عباس.. الزمالك يتحرك لضم ديانج.. تقرير يكشف    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    بدأت بصداع وتحولت إلى شلل كامل.. سكتة دماغية تصيب رجلًا ب«متلازمة الحبس»    طريقة عمل سلطة الطحينة للمشاوي، وصفة سريعة ولذيذة في دقائق    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    قبل الصمت الانتخابي.. أضخم مؤتمر لمرشحي مستقبل وطن في استاد القاهرة (20 صورة)    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العظيمة أمي
نشر في الأخبار يوم 29 - 03 - 2016

لقد كانت أسرة (أمي) من أبويها جميعا كردية قريبة عهد بالقدوم من ديار بكر، وقد رأيت أحدهم لا تميزه عن أمم الشمال في لونه وقامته ، وقد بقي بعض منهم إلي أيام طفولتنا نعاكسه حين ندعوه إلي أكلة (ملوحة) أو ملوخية، لأنهم لم يتعودوا أكلها. أجداد أمي جميعاً قد تزوجوا في السودان. وكان جدها لأبيها وجدها لأمها في الفرقة الكردية التي توجهت إلي السودان بعد حادثة إسماعيل بن محمد علي الكبير، وهناك عاش عمر أغا الشريف قبل قدومه إلي أسوان، وهو جد أمي لأبيها، وأبوها محمد أغا الشريف الذي اختار (أطيان) للمعاش في قرية من قري الإقليم.
والذي يتذاكره كبراء السن الأسوانيون عن عمر أغا الشريف أنه كان رجلا شديد التقوي، شديد القوة البدنية، يدرب أبناءه علي الرياضة العسكرية كأنهم علي الدوام في خدمة الميدان.
ولد له محمد وعثمان ومصطفي وحورية وفاطمة. وخطبت حورية وفاطمة فأراد أن يحتفل بزواجهما معا، ثم علم أن خطيب فاطمة لا يصلي فأبطل الخطبة في اللحظة الأخيرة، وقال للوسطاء الذين حاولوا أن يصلحوا الأمر : أني لا أزوُج ابنتي لتارك صلاة ولا لمحدث نعمة، كلاهما يجحد نعمة الله.
وشاعت حوادث ( العبد) قاطع الطريق في الصحراء. وخافه الجند وهابه تجار القوافل : فقال عمر لأصغر أبنائه مصطفي : أتسمع هذا وتترك العبد يعيث في الأرض فساداً ؟. فما انقضي أسبوع حتي عاد مصطفي بالعبد مكتوف اليدين.
وقد مات مصطفي هذا علي أثر ضربة من ضرباته أغراه بها فرط قوته، فأنه تصدي لثور هائج فقمعه وألقاه علي الأرض، فلم تنقض أيام حتي لقي نحبه، وقيل إنها حسد.. ولعلها كانت مزقة في داخل الجسم من ذلك الجهد العنيف..
***
أما محمد أغا جدي لأمي فقد كانت فيه تقوي أبيه وصلابته وكثير من أنفته واعتزازه بكرامته، وقد كان يمزج هذه الأنفة بالعمليات ولا يقصرها علي القول أو السلوك.
ذهب إلي قري الأقاليم ليختار أطيان المعاش، فكان كلما سأل عن زراعة أرض فقالوا له إنها عدس أو فول.. قال : لا شأن لي بها، حسبنا من العدس والفول ما أستوفيناه في السنجق، أي الفرقة العسكرية... حتي جاء إلي أرض قيل إنها تزرع قمحاً أو شعيراً، فقال هذه أرضي : القمح لمحمد أغا والشعير لحصانه !.. وأختارها مع ما بينها وبين الأطيان الأخري من فرق في الثمن يبلغ ثلاثة أضعاف..!
***
ورثت أمي تقواها وسلامة بنيتها من أبيها وجدها، ففتحت عيني أراها وهي تصلي وتؤدي الصلاة في مواقيتها، ولم يكن من عادة المرأة أن تصلي في شبابها. إنما كانت النساء لا يصلين إلا عند الأربعين.
ومما ورثته عن أبويها حب الصمت والإعتكاف.. كان الناس يحسبون هذا الصمت والإعتكاف عن كبرياء في جدي رحمه الله، وكانوا يقولون إنها " نفخة أتراك " !
لكنها لم تكن " نفخة أتراك " كما توهموا، بل كانت طبيعة تورث وخلقة بغير تكلف، ولم أر في حياتي امرأة أصبر علي الصمت والإعتكاف من والدتي.
فربما مضت ساعة وهي تستمع من جاراتها وصديقاتها وتجيبهن بالتأمين أو بالتعقيب اليسير، وربما مضت أيام وهي عاكفة علي بيتها أو علي حجرتها، ولا تضيق صدراً بالعزلة وإن طالت، ولا تنشط لزيارة إلا من باب المجاملة ورد التحية.
و من المصادفة اتفاق والدي ووالدتي في هذه الخصلة، ولست أنسي فزع أديب زارني يوماً وعلم أنني لم أبرح الدار منذ أسبوع، فهاله الأمر كأنه سمع بخارقة من خوارق الطبيعة. إنها وراثة من أبوين، يؤكدها الزمن الذي لا يحمد فيه معاشرة أحد. إلا من رحم الله !
***
و قوة الإيمان في والدتي هي التي بنت فيها العزيمة ليلة احتضاري.. !
نعم أيها القاريء الكريم ولا تعجب... فقد احتضرت قبل نيف وثلاثين سنة، كما تخيّل عوادي في تلك الليلة، فإذا بالوالدة هي الإنسان الوحيد الذي يتحامل علي نفسه إلي جانب سريري ليقنعني أنني بخير.. وتنطوي علي ذلك ساعات وهي علي عزيمتها، حتي جاء الطبيب أخيراً وأنبأهم أنه عارض غير ذي بال، فإذا المحتضر قد نجا، وإذا بالمؤاسية قد سقطت مغمي عليها.
و كانت الوالدة لا تنكر من شئوني إلا الورق.. نعم : ما هذا الورق ؟
الورق الذي لا ينتهي !
هذا الورق الذي لا ينتهي هو الذي يمرضني، وهذا الورق الذي لا ينتهي هو الذي يصرفني عن الزواج، وهذا الورق الذي لا ينتهي هو سبب الشهرة... ووالدتي أيها القاريء من أعداء الشهرة تتطير بها ولا تغتبط بها لحظة إلا تشاءمت لحظات.
هذه الشهرة هي التي " تشيل غارتك " أي تجعلهم يتحدثون عنك، وما تحدث الناس عن أحد وسلم من ألسنة الناس !
***
و قلت لها ذات يوم : لو وجدت لي زوجة مثلك تزوجت الساعة..!
ولم أكن مجاملاً ولا مراوغاً. فإنني لا أنسي كمال تدبيرها لبيتها منذ صباها، وكنا بفضل تدبيرها هذا ننتفع بالجورب حتي بعد أن يرث ويبلي..
فإنه يصلح عندئذ كرة محبوكة !.. ويغنينا عن شراء الكرات التي لا تحتمل أقدامنا مثل احتمالها ولقد توفي والدي وهي في عنفوان شبابها، وكان لي أخ صغير فتوفرت علي تربيته وتركت كل شاغل غير طفلها هذا وأبنائها الكبار.
ولقد ورثت منها كثيراً إلا القصد في النفقة، وتدبير المال، وحسبي بحمد الله ما ورثت عنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.