جيرارد باتلر فى لقطة من « آلهة مصر» «Gods of Egypt» حلقة جديدة من أكاذيب هوليوود التي لن تنتهي.. اعتادت السينما الامريكية تزييف التاريخ.. في احوال كثيرة تجيد قواعد اللعبة فتقدم فيلما حقيقيا تدس من خلاله سمومها لكن هذه المرة - ككثير من الأفلام التي قدمتها عن التاريخ الفرعوني من قريب أو بعيد - جاء الفيلم اشبه بلعبة بلهاء من ألعاب الكمبيوتر.. الأحداث المزيفة الساذجة جدا المستوحاة من أسطورة إيزيس وأوزوريس لم تكن وحدها هي السبب في سذاجة الفيلم ولكن تضافرت كل العناصر لتصنع من «آلهة مصر» فانتازيا بلهاء لا تستحق المشاهدة ولو للتسلية فقط، فمني بخسارة فادحة حيث لم يحقق حتي الآن وبعد أسبوعين من عرضه سوي 25 مليون دولار فقط، رغم أن تكاليف انتاجه تجاوزت 140 مليون دولار.. وهكذا انقلب السحر علي الساحر. يبدأ الفيلم بتتويج حورس ابن أوزوريس (نيكولاي كوستر والدو) لنفاجأ بست (جيرارد باتلر الذي لم يميز بين طبيعة دوره هنا ودوره في فيلم «300») قادما بعنف وشراسة مبالغ فيهما يقتحم حفل التتويج بجيشه.. وفي مشهد مسرحي ينازل حورس وينتزع عينيه سر قوته الخارقة ويحبسه في هرم .. يستولي ست علي الحكم، يحكم بالحديد والنار، يأمر ببناء الأهرامات بالسخرة فيساق الناس كالعبيد، يتخلص من أي معارض حتي الآلهة ! يأتي بيك وهو انسان عادي (برينتون ثويتس) لينتقم من ست إله الشر الذي يستعبد حبيبته زايا (كورتني إيتون) ويخطط ليخلصها من العبودية فلا يجد أمامه إلا أن يسرق عيني حورس من حوزة ست، وينجح في الحصول علي عين حورس، يتحد الانسان مع الإله فيستعيد حورس قوته وعرشه وينقذ زايا من العبودية والموت. المخرج الذي قال إنه مفتون بالأساطير والتاريخ الفرعوني تحديدا، وهو مولود في مصر لأبوين يونانيين تشعر أنه لم يقرأ التاريخ ولم يفهم الأساطير أو يدرك روح ومغزي أسطورة إيزيس وأوزوريس.. الوفاء والحب والتضحية، والموت والبعث والخلود، الأسطورة الأشهر في التاريخ الفرعوني والأكثر شمولا للرموز والدلائل للمعتقدات الدينية الفرعونية وهي طبعا الأكثر بقاء وخلودا بين الأساطير والحكايات الفرعونية وفيها من الدراما ما يسمح بتقديمها كعمل ملحمي رائع، لكنه قدمها كحدوتة بلهاء لا ترقي للحكي لأطفال قبل النوم خاصة بما فيها من عنف ودم وخيانة.. ساعده في ذلك سيناريو رديء وحوار ركيك للكاتبين مات سازاما وبارك شاربليس، وأداء فج مسرحي لممثليه حول الأحداث لكوميديا هابطة، وليست المشكلة في أن الممثلين لا يشبهون المصريين شكلا ولا لهجة وهو ما اعتذر عنه المخرج قبل عرض الفيلم ببضعة أشهر نافيا عنه تهمة العنصرية، لكن الممثلين كانوا في حال يرثي لها، خارج حدود السيطرة تماما، صراخ هيستيري بلا داع، وحركات غريبة ونظرات أغرب تشعر أنك تشاهد مجموعة من المجانين ! الديكور كان ساذجا، القصور، مركب الشمس، المعابد، الشوارع.. كل ما في الفيلم غريب، تنسيق المناظر يقف خلفه خيال مريض ليس لديه أيه فكرة عن الحضارة الفرعونية ولم يكلف نفسه حتي مشاهدة كتاب عنها، ونفس الشيء ينطبق علي الملابس المثيرة للسخرية خاصة ملابس إله الحكمة الذي بدا شيئا عبثيا، حتي الخدع البصرية كانت بلهاء مثيرة للسخرية بلا منطق أو فكر، للحق اندهشت جدا عندما قرأت بموقع الفيلم علي الانترنت أن عددا كبيرا من الفريق المنفذ للخدع والمؤثرات البصرية قام بتنفيذ فيلم «ماد ماكس» الذي حصل علي ست جوائز أوسكار والذي تجاوز كل الحدود في تنفيذ المؤثرات البصرية والصوتية، فشتان الفارق بينه وبين « آلهة مصر» ، فهنا يبدو المخرج لا يعرف شيئا عن التقنية التي أجاد استخدامها في أفلام سابقة أشهرها «Dark City» و«I Robot»، أو ربما نسيها بعد غيابه عن الإخراج منذ آخر أفلامه - الرديء أيضا - «knowing» الذي عرض 2009. انقلب السحر علي الساحر ففشل الفيلم الذي صنع لينال من مصر وتاريخها مستخدما أروع أسطورة في التاريخ ليشوه حضارتها ورموزها، فكان العنف والدم والشراسة والغباء طبيعة آلهتها والذين ظهروا جميعا بأشكال غريبة شاذة وكأنهم كائنات مستنسخة تفننوا في اساليب القتال والتعذيب، وكان الذل والخنوع والبلاهة طبيعة أهلها الذين استسلموا لاستعباد حكامهم.. هكذا رأي المخرج الفاشل تاريخ مصر من خلال اسطورة يصعب فهمها علي مثله فتحول الفيلم لشريط سينمائي تافه وسفيه لا يستحق المشاهدة أدار له الجمهور ظهره بمختلف جنسياته فسقط الفيلم بأكاذيبه في مزبلة التاريخ .