[email protected] يكاد أن يكون من المسلمات في الادبيات السياسية المصرية أن الشعب المصري خانع لا يثور.. مستسلم لا يتحرك.. سلبي الي الحد الذي يغني فيه »يامين يجيب لي حبيبي« بدلا من أن يذهب ليأتي بحبيبه. وليس هناك ما هو أكثر ظلما لمصر من ذلك فتاريخها القديم والوسيط والحديث والمعاصر يشهد أن الشعب المصري من بين أكثر الشعوب حراكا ونشاطا وحيوية وأكثرها ايضا اخفاقا في تحقيق الاستمرارية للنجاح الذي يحققه في البداية. أضف الي ذلك أن هناك تعتيما يكاد يكون متسقا بهدف محو ذاكرة هذا الشعب وترسيخ مفاهيم الخنوع والوداعة والطيبة والغلب وهو تعتيم يشارك فيه الجميع من قمة اهرامات السلطة الي اسفلها مرورا بكل من هم بين هذين الحدين. من هنا ربما كان استغراب ودهشة من تابعوا ما قام به شباب ثورة 52 يناير وكأن تاريخ هذا الشعب ليس سلسلة شبه متصلة من الهبات والانتفاضات والثورات. مجرد سرد بسيط لما قام به هذا الشعب خلال المائة عام الماضية يكشف فرادة هذا الشعب في حيويته وحراكه الايجابي الذي قد ينجح أحيانا ويتم اجهاض تحقيق أهدافه أحيانا أخري لكنه ابدا ليس خانعا ولا مستسلما ولا سلبيا. في عام 9191 قام هذا الشعب بثورة من أجل الاستقلال كشفت للعالم جوهره وأصبحت نموذجا احتذاه المهاتما غاندي في الهند وايمون دوفاليرا في ايرلندا في خطواتها كما احتذاه سياسيا غاندي في حزب المؤتمر وشيانج كاي شيك في حزب الكومنتانج في الصين في تشكيل احزاب هي اقرب الي الجبهة التي تضم كل ألوان الطيف تقليدا لحزب الوفد. منذ ذلك الحين وخلال فترات لم يتعد الفارق الزمني بينها خمسة عشر عاما باستثناء ثورة 52 يناير كان الشعب المصري دائم التحرك منتفضا او ثائرا. في عام 5391 ثار شباب مصر مطالبين بعودة دستور عام 3291 الذي كان الملك فؤاد قد الغاه وأحل محله دستور 0391 مرسخا فيه سلطاته وملغيا كل سلطات وحقوق الشعب.. نفس ماحدث في دستور 1791. وقدم الشباب دماءهم وعلي رأس شهدائهم عبدالحكيم الجراحي وكان من بين المصابين طالب اسمه جمال عبدالناصر وطالب اسمه ابراهيم شكري. وفرض الشباب الغاء دستور 0391 وعودة دستور 3291. في عام 6491 تكونت اللجنة العليا للعمال والطلبة - مرة أخري من الشباب - لكي ترفض معاهدة كان يتفاوض بشأنها رئيس الوزراء اسماعيل صدقي وكان من شأن اقرارها تكريس الاحتلال البريطاني لمصر ودفع الشباب دماءهم في ما عرف بحادث كوبري عباس وافشلوا محاولة صدقي. في عام 2591 قامت مجموعة من شباب مصر بثورة كان من بين ما استهدفته القضاء علي الفساد وعلي سيطرة رأس المال علي الحكم واقامة حكم ديمقراطي وكان اخفاقها الذي محي او كاد كل انجازاتها هو عدم تحقيق الديمقراطية. في عام 8691 ورغم كل ما كان يتمتع به عبدالناصر من شعبية وكاريزما وحب فقد ثار الشباب موجهين غضبهم من عبدالناصر الي رجال الطيران معترضين علي ما اعتبروه احكاما هزيلة ضدهم واحبرا عبدالناصر علي اعادة المحاكمة وعلي اصدار بيان 03 مارس الذي وعد باصلاحات سياسية واسعة في عام 7791 خرج الشعب والشباب بين صفوفه احتجاحا علي رفع اسعار بعض السلع الغذائية رغم سابق وعد الحكومة بعدم رفع الاسعار واجبروا السادات علي التراجع. هل يمكن ان يوصف مثل هذا الشعب بأنه خانع ومستسلم وسلبي؟ قد لا يكون نجح في المرات كلها في تحقيق ما كان يصبو اليه وقد يكون قد تم خداعه في بعض الاحيان وقد يكون توقف في منتصف الطريق في بعض الأحيان لكنه ابدا ودائما وعلي عكس مسلمات الادبيات السياسية كان حيا وحيويا ومتأهبا رغم القمع والارهاب والتسلط.