جامعة سيناء تعلن فتح باب القبول لطلاب الثانوية العامة وما يعادلها بفرعي القنطرة والعريش    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    الرقابة النووية: لا مؤشرات على أي تغير أو زيادة في الخلفية الإشعاعية داخل مصر    توريد 225 ألف طن قمح للشون والصوامع بكفر الشيخ    1.2 مليار دولار حصيلة بيع وشراء الدولار «الإنتربنك» بين البنوك المصرية خلال 3 أيام    إزالة حالة بناء مخالفة في المهد بشارع الشيخ مبارك شمال مدينة الأقصر    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    نتنياهو يعقد اجتماعا سريا للكابينيت في ملجأ تحت الأرض    إعلام عبرى: توقعات إسرائيلية بهجوم إيرانى على تل أبيب خلال ساعات    الهلال السعودي يواصل محاولاته لضم أوسيمين وسط منافسة أوروبية معقدة    بريطانيا تنفي تقديم الدعم لإسرائيل في الهجوم على إيران    بوجبا يقترب من الانضمام إلى الدوري الفرنسي    تأجيل محاكمة 3 متهمين في حادث وفاة لاعب الكاراتيه بالإسكندرية ل28 يونيو للنطق بالحكم    من اليوتيوب إلى التلفزيون.. صناع المحتوى "الأهلاوية" يخطفون الأنظار قبل مونديال الأندية    كأس العالم للأندية.. باريس الباحث عن موسم استثنائي يتحدى طموحات أتلتيكو    الزمالك يفكر في استعادة مهاجمه السابق    لتفقد المنشآت الرياضية.. وزير الشباب يزور جامعة الإسكندرية- صور    إخماد حريق التهم أشجار داخل منطقة بيانكي العجمي في الإسكندرية    رعاية استثنائية وتنظيم مشرف.. رسائل شكر لحجاج بعثة العلاقات الإنسانية    الليلة.. عرض الحلقة الأولى من مسلسل فات الميعاد على قناة dmc    إيرادات الجمعة.. "المشروع X" يحافظ على الصدارة و"سيكو سيكو" الأخير    ب"فستان جريء".. أحدث ظهور ل ميرنا جميل والجمهور يغازلها (صور)    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    طيبة ووحيدة.. 4 أبراج طيبة جدا لكن ليس لديهم أصدقاء    «الصحة» تُصدر تحذيرات وقائية تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب فصل الصيف    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    جامعة جنوب الوادي تشارك في الملتقى العلمي الثاني لوحدة البرامج المهنية بأسيوط    والد طفلة البحيرة: استجابة رئيس الوزراء لعلاج ابنتى أعادت لنا الحياة    إزالة 60 حالة تعد على مساحة 37 ألف م2 وتنظيم حملة لإزالة الإشغالات بأسوان    إعلام عبرى: نقل طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى أثينا مع بدء هجوم إيران    بعد توصية ميدو.. أزمة في الزمالك بسبب طارق حامد (خاص)    فايز فرحات: مفاوضات إيران وإسرائيل تواجه أزمة والمواجهة أنهت "حروب الوكالة"    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    فضل صيام أول أيام العام الهجري الجديد    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    ثقافة الإسماعيلية تنفذ أنشطة متنوعة لتعزيز الوعي البيئي وتنمية مهارات النشء    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    مصرع شاب سقط من الطابق الرابع بكرداسة    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    تأجيل محاكمة " أنوسة كوتة" فى قضية سيرك طنطا إلى جلسة يوم 21 من الشهر الحالي    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    " وزير الطاقة الأميركي " يراقب أي تطورات محتملة للتوترات علي إمدادات النفط العالمية    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    إحالة عامل بتهمة هتك عرض 3 أطفال بمدينة نصر للجنايات    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارثة اختيار الأقل كفاءة
نشر في الأخبار يوم 15 - 12 - 2015

سبق أن اتفقنا علي أن غاية التاريخ في مجملها هي تحقيق التقدم، وهو في كل مساراته عبر الزمان والمكان كان مدفوعاً دائماً بقادته وأبطاله، وهم رجال دفعت بهم قدراتهم وأعمالهم ومصائرهم إلي تشكيل التاريخ، إنْ في صعوده وتحقيق أهدافه، أو في هبوطه وتعثر مآلاته. من هنا جاء مفهوم البطل التاريخي، وكذا المجرم في حق التاريخ ومصائر أمته. ولقد استهوي ذلك المبحث علماء الحضارة، وقد رأوا في كثير من أعمالهم أن الحضارة والتقدم رهن بعطاء الشعوب وقدرتها علي الصمود والتحدي والاستجابة كما قال أرنولد توينبي، أو كما ردها بعضهم لعبقرية الفرد كما قال مايكل هارت في كتابة «العظماء مائة» أولهم محمد صلي الله عليه وسلم، بما أحدثه من تأثير في العالم كله.
ولقد عشنا ردحاً طويلاً بين دفات كتب التراث والتاريخ، العربية منها والأجنبية لنصل إلي قناعة تؤكد دور الفرد واثره التاريخي في صنع النهوض والتقدم. لماذا أقول هذا؟ أقوله لأن فيما ذهب إليه مفكروناالعرب الكبار من أمثال طه حسين وعباس محمود العقاد وزكي نجيب محمود ومحمد أركون والطيب تيزيني ومحمد الماغوط وحسن حنفي وغيرهم، بأن التقدم والنهضة فعل تاريخي ينجزه حامله الاجتماعي، «البشر،النخبة والجماهير» من رجال ونساء يدركون بوعيهم التاريخي أن الخروج من واقع انحطاطهم وتخلفهم يقتضي امتلاك آلية هذا الفعل وإمكاناته وحدوده ووعيه وقدراته، وهو ما اصطلحنا علي تسميته اختصاراً: بالكفاءة.
ومن أسف أن نكبت بلادنا المحروسة بآفة العصر التي لانستطيع حتي يومنا هذا الفكاك من إثارها، ألا وهي معاداة حكوماتنا وأصحاب القرار فينا لكل الكفاءات والمواهب، وتنكب المؤهلين والقادرين بالاستبعاد والتهميش، مفضلين عليهم الطيعين العاطلين عن كل موهبة، اللهم إلا قدرتهم علي النفاق والإنحناء وسهولة الإنقياد، وهذا مايفسر تدني مستويات القيادة في معظم مؤسساتنا، وانحدار مستوي الأداء العام في معظم وزاراتنا وحكوماتنا ومحافظينا ومرافقنا وحتي سياساتنا الداخل منها والخارج. وهو أمر يدفع ثمنه الوطن كله، وربما سبب كوارثاً كنا في غني عنها لو أوسدنا الأمور للقادرين عليها والمؤهلين للقيام بأعبائها، وما كنا في حاجة لإضاعة الوقت وتضييع الفرص وتأخير التنمية الشاملة لبلادنا وإحباط الجماهير، لو قام المسئولون عن الاختيار بأداء واجبهم بحياد وتجرد وقدر معقول من المسئولية. والأمثلة علي ذلك كثيرة ماثلة أمامنا في وزاراتنا المختلفة ومحافظاتنا وأحيائها وشركاتنا ومؤسساتها وحتي في جامعاتنا ومراكزنا البحثية وحتي أجهزتنا الرقابية والمحاسبية.
وهنا يطرح السؤال نفسه، هل هي مسئولية الرئيس وأجهزته المعاونة وحدهم؟ ام هي مسئولة محيطنا السياسي العام ونخبنا المشغولة بتوزيع المناصب والمغانم وتحصيل المصالح الذاتية الضيقة؟ أم هي مسئولية أحزابنا الهشة وشكلانية اهتماماتها الهامشية التي لاتعبأ بالصالح العام قدر اهتمامها بما تحصله من مقاعد مجلس النواب والقرب من دوائر الحكم والرئاسة، وبما يبعدها عن القدرة علي الفرز وتقديم قيادات جديدة مؤهلة وأفكار غير تقليدية تتغيا الصالح العام وتدفع بمصالح الوطن وتحقيق آمال شعبنا الصابر المجهضة أحلامه رغم ثقته المفرطة في رئيس يتمتع بالشعبية الجارفة، يرونه في الميدان وحده، وكأن هناك من يحاول اختطافه من شعبه وحصاره في دوائر ضيقة لاتأتي من خلالها إلا أسوأ الاختيارات وأفشل القيادات، اللهم إلا استثناءات قليلة يصعب التعويل عليها، ولاتستطيع وحدها القيام بعبء الموكول إليها من أعمال، وما ينتظره الشعب من إنجاز يلبي حاجاته ومتطلباته.
ولعلنا بكل التجرد والإنصاف لانعلق مسئولية الإصرار علي اختيار الأقل كفاءة في عنق الرئيس والأجهزة وحدهما، إذ مسئولية الأحزاب السياسية حال نضج أفكارها وحسن توجهاتها، أن تكون شريكة في تقديم الكوادر والكفاءات، بل لاأتجاوز الحقيقة إذا قلت أن من واجبها أيضاً صنعها وتخليقها وإعدادها. وهذا ماتفعله الأحزاب في دول الديمقراطيات العريقة، تصنع الكوادر وتتعهدها بالرعاية والصقل والتدريب، وتكفل لها اكتساب الخبرة وحس الممارسة الهادفة ليكونوا قيادات ووزراء ومحافظين ومسئولين علي درجة من الكفاءة والتمكن والقدرة.
وأنظر كيف صنعت الأحزاب السياسية في إطار الديمقراطيات الحقيقية لا الشكلية في أوروبا قيادات تاريخية مثل فيلي برانت وجيرهارد شرودر ويوشكا فيشر وإنجيلا ميريكل في ألمانيا، ميريكل دارسة الفيزياء الناشطة في أحزاب ألمانيا الشرقية منذ الصغر، تتقلب وتتدرج في الحزب الديمقراطي المسيحي ويتعهدها هلموت كول بالعمل إلي جواره ومطبخه السياسي لتصبح أقوي سياسية أوروبية تحقق النهضة لبلادها. وأنظر وكيف جاءت فيديريكا موجيريني مفوضة الإتحاد الأوروبي مروراً بوزيرة خارجية إيطاليا بعد أن كانت مسئولة العلاقات الخارجية في حزب الشبيبة الشيوعي الإيطالي وتدرجت حزبيا وهي مواليد 1973 حتي أصبحث تضطلع حالياً بمسئوليات جسام، لاعن دولتها فقط ولكن عن أوروبا كلها. ولعل في ذلك درساً تتعلمه أحزابنا الممثلة في مجلس النواب المنتخب لتبدأ في إعداد كوادرها، وتستقطب الكفاءات وتعهد إليها بتأسيس حكومات ظل، وتكوين مراكز تفكير ودراسات تكون جاهزة لتولي مواقع المسئولية في الحكومات القادمة، حتي لانفاجأ باختيارات بائسة تؤخر أكثر مما تقدم وتفشل أكثر مما تنجح، وتدفع للأسف والأسي أكثر مما تتسبب في الفخر والإنجاز. إنها مسئولية الأحزاب تحت قبة البرلمان، وهي مسئولية أولي من الإنشغال بالتحالفات والصفقات ولعلها هي السبيل الحقيقي لدعم الدولة ودعم الرئيس، ودعم مستقبل الوطن بالمضي قدماً نحو التقدم والنهضة وتحقيق طموحات شعبنا المجهضة وتطلعه لحياة حرة كريمة تخرج به من دوائر الكفاف والظلم والعوز واليأس والبطالة إلي مجتمع الكفاية والعدل والعمل والأمل. ساعتها نكون قد مضينا علي الطريق السليم ونكون أقرب لكسب معاركنا مع الإرهاب والتخلف والعشوائية والتشوه الإداري والإرتجال.
إن التمركز في دوائر ترصد المواهب وأصحاب القدرات، والإصرار علي إختيار الأقل كفاءة، هو ماأوصلنا إلي طريق مسدود وموقف صعب يهدد بفقدان الكثير من حصتنا في مياه النيل ومن نصيبنا في جذب الإستثمار، ومن تخلف سياساتنا التعليمية، ومن ضعف فرصنا في التشغيل والإنتاج، ومن حقنا في التنمية المستدامة والتقدم والنهضة. إنها مسئوليتنا جميعاً شعباً وأحزاباً وكتاباً ونواباً ومثقفين، قبل الحكومة والأجهزة والرئيس. وبهذا وحده نكون قد حققنا دورنا في التاريخ، ولم نخزل أجيالاً قادمة، فالتاريخ يحمل وعيه، ويستدعي قادته وأبطاله، ولا يسامح من يستبعد حاملي مشاعله من رجال ونساء قادرين علي التحدي متسلحين بالعلم والمعرفة والكفاءة، ويكتب بين دفتيه وبالاسم من خذله في تحقيق غاياته ومن انحرف به عن مساراته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.