رغم إنخفاض اسعار الأعلاف الإ أن المعروض من الماشية قليل مثل أي سلعة (يفترض) أن يؤدي ارتفاع أسعار المكونات أو المدخلات الي ارتفاع سعر المنتج النهائي وبالعكس لو انخفضت أسعار المكونات ينخفض سعر المنتج، إلا ان هذه (البديهية) لا مكان لها في سوق اللحوم فقد انخفضت أسعار الأعلاف التي تمثل من 60 الي 65٪ من تكلفة انتاج اللحوم بنسب تصل الي النصف ومع ذلك لم تنخفض أسعار اللحوم بل زادت ارتفاعاً فقد انخفضت أسعار الردة من 1700 جنيه للطن العام الماضي الي 1000 جنيه والدشيشة من 2000 جنيه للطن العام الماضي الي 1100 جنيه هذه الايام وكذلك انخفضت أسعار الذرة والبرسيم والعيش والكسب والأتبان بنسب متفاوتة كل ذلك لم يشفع لدي التجار لخفض أسعار اللحوم أو حتي تثبيتها.. لماذا؟.. الاجابة عند المتخصصين في البداية، يوضح الدكتور نادر نور الدين - الاستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة ان أسعار اللحوم شهدت ارتفاعات متسارعة مؤخراً، وإذا كان ارتفاع أسعار الاعلاف والتي كانت تمثل عبئاً ثقيلا علي المربي فيسارع ببيع مواشيه هو السبب الرئيسي لغلاء اللحوم من قبل الا ان الأزمة الاخيرة شهدت وضعاً معكوساً فأسعار الاعلاف العالمية والمحلية في أدني مستوياتها نتيجة لانخفاض أسعار المواد الخام الخاصة بتصنيعها في الاسواق لانهيار أسعار الحاصلات الزراعية وقت الأزمة المالية العالمية ومع ذلك يشهد السوق المصري ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار اللحوم. ويستطرد د. نادر نور الدين شارحاً ان انهيار أسعار الذرة والقمح والأرز في الاسواق المحلية كبدت المزارعين خسائر كبيرة علي مدار عامين كاملين بأربعة مواسم زراعية في ظل عدم دعم المزارعين ونتيجة لهذا الانهيار في أسعار المنتجات الزراعية ثم إيقاف تصدير الذرة ووضع عراقيل أمام استلام الذرة لخلطها بالقمح في انتاج الرغيف كل ذلك أدي الي ان سعر الكيلو من القمح او الارز او الذرة لا يتجاوز 50 قرشاً فلجأ بعض المزارعين لاستثمار هذا الانخفاض في تقليل خسائرهم باستغلال هذه الحاصلات كأعلاف فبدا الامر كما لو كان يطعم مواشيه مجاناً أو بشكل شبه مجاني عوضاً عن أسعار الأعلاف المرتفعة مما أنتج وضعاً جديداً. حيث لم يعد الفلاح مضطرا للتعجل في بيع مواشيه فأسعار اللحوم ترتفع والمواشي لديه وزنها يزيد دون ان يشكل وجودها لديه ايه أعباء بل تعده بأرباح طائلة عند بيعها. وأسأل الخبير الزراعي: هل معني ذلك ان أسعار اللحوم سترتفع سواء انخفضت أسعار الأعلاف أو ارتفعت؟ يجيب د. نادر: نعم.. ولكن بمفهومين مختلفين، ففي حالة ارتفاع أسعار الاعلاف سترتفع اسعار اللحوم وفقا لآليات السوق التي تقول ان ارتفاع أسعار المواد الخام تؤدي الي ارتفاع سعر المنتج النهائي أما في حالة انخفاض أسعار الأعلاف فسيقل العبء علي المربي ولن يبيع مواشيه بسرعة وسيلجأ الي ان يستثمر فيها وبالتالي يرفع التاجر سعر الماشية ليغري المربي بالبيع ومن التاجر للجزار تتواصل حلقات رفع السعر علي المستهلك!! وهل من الممكن ان تساهم اللحوم المستوردة في التخفيف من آثار أزمة اللحوم؟ يتنهد د. نادر نور الدين قبل ان يجيب: علي الورق.. يعتبر الاستيراد حلاً معقولاً خاصة إذا عرفنا ان تربية رأس واحد من الماشية يستنزف 4 آلاف متر مكعب من المياه ويستنزف رأس الضأن 500 متر مكعب كما ان كيلو اللحم البقري ينتج من 15 مترا مكعبا من المياه وكيلو الضأن من 10 أمتار مكعبة من المياه.. قلنا ان الاستيراد أفضل (علي الورق) لأن الواقع يكشف ان سعر كيلو اللحم المستورد ليس أقل كثيراً من اللحوم البلدية فالقاعدة ان أسعار اللحوم البلدية تزيد عن المستوردة من 50 الي 100٪ فإذا كانت اللحوم المستوردة الاثيوبية والهندية وصلت الي 40 جنيهاً فمن الطبيعي ان يصل سعر كيلو اللحوم البلدية الي معدل يتراوح بين 55 و 60 جنيها،ً اما عن سبب ارتفاع أسعار اللحوم المستوردة فالاجابة عند مافيا اللحوم! والحل؟ يرد د. نادر نور الدين: مطلوب الاهتمام بتربية الماشية في المناطق المشهورة بالمراعي الطبيعية في مصر مثل واحة سيوة ذات المياه المتفجرة التي لا يمكن ايقافها ثم شمال سيناء ووادي العريش ذات الامطار الشتوية الغزيرة وإمكانية زراعة الاعلاف الشتوية علي هذه الامطار ثم مناطق حلايب وشلاتين والتي يعمل أهلها علي الرعي بالفطرة كذلك مناطق الواحات بالصحراء الغربية والتي تروي بمياه هامشية غير مكلفة مع تطبيق مشروع البتلو ودعم تربية المواشي في هذه المناطق ومنع الذبح قبل ان يصل وزن العجل 350 كيلو جراماً. ويضيف: كذلك لابد من تنويع مصادر استيراد اللحوم من المناشي الافريقية والعربية والأوروبية مثل موريتانيا التي تمتلك لحوما ذات مواصفات ممتازة او تزانيا ثاني الدول انتاجاً للمواشي في أفريقيا فضلا عن السودان والمغرب فالتنافس بين المصدرين يفرز أسعاراً جيدة ومواصفات ممتازة كما يتطلب الامر ان تستورد الشركة القابضة للصناعات الغذائية ما يلزمها من مواش بعيداً عن شركات القطاع الخاص خاصة في فترات ذروة استهلاك اللحوم مثل عيد الاضحي ورمضان. مافيا الاحتكار أما الدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي: مستشار مركز الدراسات الاقتصادية الزراعية بجامعة القاهرة فيؤكد ان أسعار اللحوم تشهد تصاعدات غير مقبولة نتيجة ممارسات احتكارية تتحكم في السوق وتفرض أسعاراً مرتفعة لتحقيق مكاسب ضخمة علي حساب المستهلك وهذه الحالة يطلق عليها »فشل السوق« بمعني ان آليات السوق الحر والتنافسية لم تمنع وقوع اختناقات متعمدة تصب في صالح المحتكرين. ويشرح د. صيام علمياً ان المكون العلفي يحدد بنسبة تتراوح بين 60و65٪ من تكلفة انتاج اللحوم الحمراء والوضع الحالي يكشف عن انخفاض في اسعار الاعلاف بصورة كبيرة ومع ذلك تواصل أسعار اللحوم ارتفاعها دون مبرر فإذا كان 60٪ من المنتج النهائي انخفضت أسعارها فهل حدث جديد في نسبة ال 40٪ الباقية؟ الاجابة طبعاً لا فلا تكلفة النقل ارتفعت ولا العمالة ولا الخدمات التسويقية والتفسير الوحيد لهذه الارتفاعات وجود (مافيا) احتكارية تتحكم في السوق. ويوضح د. صيام ان مركز الدراسات الاقتصادية الزراعية أجري دراسة علمية لتحديد سعر كيلو اللحوم البلدية خلصت الي ان تكلفة الكيلو لا تتجاوز 35 جنيهاً وأن ارتفاعات سعرية أعلي من ذلك تدخل في خانة الربح الصافي للتجار والجزارين أما بالنسبة للحوم المستوردة فقد قدرت الدراسة سعر الكيلو ب 25 جنيهاً مع تحقيق صافي ربح (2 جنيه) لكل كيلو ورغم ذلك فإن كيلو اللحم البلدي تجاور 55 جنيها والمستورد 37 جنيها وهي أسعار غير مبررة من وجهة نظره. ويري أستاذ الاقتصاد الزراعي ان مشروع البتلو يمكن ان يحقق التوازن في السوق حيث ان 90٪ من إنتاج اللحوم يقع علي صغار المربين من الفلاحين والمزارعين و10٪ فقط علي مزارع التسمين ويمكن ان نمنع الذبح حتي يصل العجل من350 الي 400 كيلو جرام فضلاً عن تشجيع استيراد اللحوم من دول معروفة بمواصفات اللحوم الجيدة، حيث يمكن ان يغطي الاستيراد من 20 الي 25٪ من احتياجات السوق، مع ضرورة تذليل التعقيدات الفنية ورفع العراقيل أمام المستوردين والتي تضعها وزارة الزراعة امام القطاع الخاص والذي يصب بشكل غير مباشر في مصلحة المحتكرين فضلاً عن تحسين السلالات حتي تعطي إنتاجية أعلي. حلول علمية من جانبه يكشف الدكتور محمد عماد عبد الوهاب أستاذ صحة الحيوان بكلية الزراعة جامعة الاسكندرية ان أزمة ارتفاع أسعار اللحوم مفتعلة حيث ان المتحكمين في السوق يحددون الاسعار وفقاً لمصالحهم الشخصية بصرف النظر عن تكلفة الانتاج لذلك يعمدون الي تحقيق أرباح طائلة دون رقابة أو مراعاة للمستهلكين. وتوضح د. عبد الوهاب ان تطبيق الأساليب العلمية الحديثة يكفل توفير أعلاف بكميات كبيرة تكفي السوق المحلي من الناحية الكمية كما انها تساهم في رفع كفاءة انتاج اللحوم من الناحية الفنية ويضرب مثالا علي ذلك بأننا في مصر ننتج 25 مليون طن من المخلفات الزراعية سنويا،ً تتم الاستفادة ب 20٪ منها فقط في الانتاج الحيواني، بينما تحرق الكمية المتبقية وتهدر دون استفادة منها، رغم ان هذه المخلفات الزراعية غنية بالأعلاف التي تحتاجها الماشية ولا يجب التفريط في أي مخلف نباتي ويمكن الاستفادة منها في انتاج (السيلاج) اللازم لتغذية الحيوان، ويمكن أيضا مع بعض الاضافات المعروفة بنسب علمية دقيقة زيادة المادة الجافة الخشنة اللازمة لتغذية الماشية التي تدخل ضمن الحيوانات المجترة. كما تتم حماية بروتين العلائق المركزة من التكسير في (الكرش). ويستطرد د. عبد الوهاب شارحا انه قام بإثبات إمكانية الاستفادة من المصادر النباتية البروتينية الجديدة مثل (كسب الجزوبة) الذي ينتج بروتينات تماثل كسب بذرة القطن بنسبة 27٪ وله زيت عالي القيمة الغذائية. ويشير أستاذ تغذية الحيوان ان الاستيراد يجب ان يظل وسيلة لسد الفجوة بين العرض والطلب وألا يتم الاعتماد عليه كثيراً مع ضرورة السعي نحو الاكتفاء الذاتي من اللحوم من خلال زيادة الاستفادة من المخلفات الزراعية والتوسع في التطبيقات العلمية الحديثة في إنتاج الاعلاف فضلاً عن تشجيع المزارعين علي زراعة الذرة الصفراء وشراء الحكومة للمحصول منهم بسعر السوق لإنتاج الحبوب بالاضافة الي ان الساق بعد نزع الكيزان يمكن الاستفادة منه في إنتاج (السيلاج) كما يقترح رفع سن ذبح الأمهات لأكثر من 7 سنوات حيث ثبت ان الأمهات يمكنها انتاج البويضات عالية الكفاءة حتي سن 8 سنوات مع ضرورة إحياء مشروع البتلو بفكر علمي متطور.