أظن أن آية الله خامئني كان يعلم مقدماً ماذا سيقول المصريون عنه تعليقاً علي »الخطبة العصماء«، التي ألقاها يوم الجمعة الماضي ، وإلاّ لما اضطر إلي أن يبدأ كلامه مخاطباً »أبناء الكنانة« قائلاً: »الأبواق الإعلامية للعدو سوف ترفع عقيرتها بالقول إن إيران تريد أن تتدخل و تريد نشر التشيع في مصر، وتريد أن تصدر ولاية الفقيه إلي مصر«. قد يوحي خامئني بأن المقصود ب »العدو« :أمريكا وإسرائيل وأوروبا المقطوعة علاقات إيران بها، ونسي أن مصر من أولي الدول التي قطعت علاقاتها بالثورة الخومينية عندما كشفت عن كراهيتها الدفينة لشعب مصر فور اغتيال الرئيس المصري الراحل في السادس من أكتوبر عام1981. لم يحترم آيات الله الخومينيون مشاعر الشعب المصري في مصابهم الأليم، وإنما هبوا يصفقون ويهللون للجريمة الإرهابية البشعة التي ارتكبت وراح ضحيتها بطل الحرب والسلام كما كان الشعب المصري ولايزال يصف الرئيس أنور السادات. لن أعيد التذكير بالسفالات التي نطق بها هؤلاء الإيرانيون ضد السادات، والبذاءات التي وصفوا بها انتصاراته وإنجازاته في توفير الأمن والسلام لشعبه. فما قالوه لا يستحق الإشارة إليه أو إلي أصحابه. ما يهمنا هنا فقط أن الثورة الخومينية اعتبرت قاتل زعيم مصر الإسلامبولي شهيداً، و أطلقت اسمه علي أحد أهم شوارع العاصمة: طهران! تصور هؤلاء أن وضاعتهم السياسية تحقق ثأرهم من السادات الذي كان إنساناً راقياً عندما استضاف شاه إيران في أرض الكنانة بعد أن رفضته كل الدول التي كانت أنظمتها حليفة له وطامعة في بترول بلده، وبمجرد عزله سارعت بالتنكر له وأغلقت حدودها في وجهه! قرار زعيم مصر جاء تعبيراً عن شعب مصر المضياف، الكريم، الرحيم، المرحب علي امتداد تاريخه الحضاري الطويل بكل من طلب أو يطلب اللجوء إليه طلباً للعيش في أمان وسلام وكرامة. بعد رحيل الرئيس السادات، وتولي الرئيس حسني مبارك مهامه، توهم الخومينيون أن النظام الجديد سيتنكر للراحل العظيم، وسيعيد العلاقات فوراً مع إيران فكانت صدمتهم في أن مبارك ليس من يظنونه، وإنما جاء ليواصل المسيرة ويضيف إليها بما ينتظره الشعب منه. عندما سعت طهران لإعادة العلاقات مع القاهرة لم يرفض الرئيس مبارك الاقتراح فهو الحريص منذ البداية علي تحسين علاقات مصر مع كل الدول بدءاً بالدول العربية التي قطعت علاقاتها مع مصر عقاباً لها كما تصوّرت علي اضطرارها إلي المضي في عملية السلام التي كان السادات يتمني مشاركة العرب في تلك المسيرة، واضطر آسفاً إلي المضي فيها لاستعادة سيناء المصرية من أيدي المحتل الإسرائيلي. لم يرفض الرئيس حسني مبارك رغبة طهران في إعادة العلاقات مع القاهرة، لكنه انتظر من آيات الله أن يعتذروا عما قالوه في حق مصر عندما هللوا لاغتيال زعيمها، ونددوا بنظام حكمها. لم يطلب مبارك اعتذاراً مكتوباً، ولا تعهداً علنياً ومسبقاً بعدم التدخل في الشأن المصري الداخلي، وإنما كان الاعتذار المطلوب يتمثل فقط في رفع اسم القاتل الإرهابي الإسلامبولي الذي أطلقوه علي أحد شوارع طهران، وما يتبعه من وقف الحملات المحمومة ضد السياسات والمواقف المصرية. رغم التكتم علي الاعتذار المطلوب، ترفعاً من جانب الرئيس المصري، وحفاظاً من جهة أخري علي ماء وجه آيات الله الخومينيين.. إلاّ أنهم رفضوا رفع اسم قاتل رئيس مصر، وبالتالي رفض الرئيس مبارك إعادة العلاقات مع إيران حتي الآن.. وهو من أعظم القرارات في تصوري التي أصدرها الرئيس حماية لمصر ولأمن شعبنا. فكلنا تابعنا علي امتداد العقود العديدة الماضية ما تقوله، وتفعله، قيادات الثورة الخومينية ليس ضد مصر وحدها، وإنما ضد كل الدول العربية القريبة منها والبعيدة عنها. كلها أقوال وأفعال تآمرية، تحريضية، انتقامية، لم تسلم منها العديد من الدول العربية التي زرعوا فيها من خدعوا في الثورة الإيرانية، وفي إسلام قادتها، فعاثوا في بلادهم و وسط شعوبهم إظلاماً وإرهاباً وتخريباً وتدميراً. ويبدو أن ما حققه آيات الله في تلك الدول ليس كافياً، فتطلعوا إلي مصر أملاً في مد أيديهم داخلها.. كما فهمنا مما قاله مرشدهم الأعلي »خامئني« في خطبة صلاة الجمعة. .. وللحديث بقية .