كثرت الهموم، واختلطت كل الأوراق في عالمنا العربي. ومع ذلك فعلينا أن ننظر بالكثير من الاهتمام لما يجري علي أرض العراق المنكوب فلعلنا نكون أمام نقطة ضوء حقيقية في مشهد عربي يهدده طيور الظلام من كل جنس ولون. في العراق اندلعت مظاهرات بدأت احتجاجا علي سوء الأحوال المعيشية وانقطاع الكهرباء والماء في صيف تتجاوز فيه درجات الحرارة الخمسين حين يكون معتدلاً! لكن الأمر سرعان ما تطور،وتحولت المظاهرات إلي مطالب أكبر تريد ضرب الفساد وإصلاح القضاء واستعادة المال المنهوب ومحاسبة اللصوص ومحاكمة المسئولين عن تسليم نصف البلاد لعصابات الإرهاب الداعشي وغير الداعشي، ووضع مصير البلاد رهن إرادة القوي الخارجية، وكان لافتا في هذه المظاهرات عدة أمور مهمة: أن الحشود التي خرجت للتظاهر والتي وصلت في بغداد وحدها إلي ما يقارب المليون، كانت في غالبيتها العظمي من شيعة العراق. ولهذا لم يستطع أحد اتهامها بالطائفية وهي تطلب محاكمة كل المسئولين عن الحكم منذ الغزو الأمريكي علي ما ارتكبوه من فساد غير مسبوق، ومن إهدار للمال العام وسرقة جاوزت كل الحدود. أن المرجعية الشيعية الأكبر في العراق آية الله السيستاني وقف مؤيداً لمطالب المتظاهرين داعيا لضرورة الإصلاح ومحاربة الفساد، ورافضا الدعوات لتقسيم العراق، والتي كان آخر من بشر بها رئيس أركان الجيش الأمريكي وهو يترك منصبه! أن رئيس الوزراء حيدر العبادي قد أعلن استجابته لمطالب المتظاهرين وبدأ في اتخاذ اجراءات منها التخلص من نواب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وبدا أن المقصود هو رئيس الوزراء السابق المالكي الذي كان قد تحول إلي ديكتاتور يحكم باسم إيران ويسعي لحكم طائفي أثار أبناء العراق من السنة والأقليات، وفتح الباب أمام داعش، ثم ارتكب كل الأخطاء مع معاونيه لكي يترك نصف العراق لداعش من غير قتال! وهو الآن مطلوب للمحاكمة وهارب إلي إيران. إن الميليشيات التابعة لإيران مازالت موجودة، وهي تحاول إفساد التظاهرات ونشر الفزع، لكن أبرز ما تحقق هو انهيار جدار الخوف لدي إخواننا من شيعة العراق وخروجهم ليهتفوا في قلب بغداد«إيران بره بره.. بغداد حرة حرة». كنا منذ بداية الأزمة ومع تصاعد النفوذ الإيراني وتغلغله في الجسد العربي، وتفاخر بعض زعمائه بأن راياتهم تحكم أربع عواصم عربية.. والبقية تأتي!.. كنا نقول إن الحل لن يكون أبداً في التسليم بالنفوذ الإيراني، وإنما في عروبة تجمع الشيعة والسنة العرب في سبيكة واحدة تبني أوطانها وترفض أي تدخل في شئونها. الأشقاء في العراق تحركوا بشجاعة علي الطريق الصحيح، إيران وميليشياتها لن تسكت إلا إذا رأت أن تحرك الملايين من الشيعة العرب في العراق أكبر من أوهامها. وداعش وأخواتها ستقاوم ويهتفون بسقوط الطائفية ويرفضون الإرهاب. والسؤال هو: هل سيكتفي العرب بالفرجة، أم يدركون أنهم أمام فرصة لا تتكرر للإنقاذ ولاستعادة عروبة العرب التي كادت تتحول إلي تاريخ يروي، بعد أن تركنا المستقبل يكتبه الآخرون؟!