أنتصر دائما لمقولة: »أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي ابدا« اهملنا طويلا اجيالا مختلفة في تنشئتها، والعوامل التي ساهمت في صياغة وعيها، همشناهم عن قصد أو بدون وعي.. امتهنا مفهوم الحوار، وقيمته، وكان الرأي الآخر في كثير من الاحيان مجرد صيحات في »هايد بارك« دون استماع حقيقي، ودون مردود ملموس.. لم نلتفت الي الفساد الذي استشري، وتغلغل حتي أصبح اقوي حزب في مصر، وبالمقابل تم إضعاف الحياة الحزبية، وتهميش المجتمع المدني بمؤسساته وأدواره.. خلطنا الثروة بالسلطة، ونجح رجال الأعمال فيما فشل في انجازه الكيميائيون حين عجزوا عن خلط الماء بالزيت، فرأينا الوزير رجل الأعمال الذي يمزج الخاص بالعام، ويسخر كل ما تمتد اليه سلطته لصالح شركاته وشركائه! تأخر الوقت، نعم.. لكن لا يجب أن ندع الفرصة تمر، فاللحظات التاريخية نادرة في حياة الأمم، والاستيعاب الدقيق والواضح للموقف الراهن، يؤسس بالضرورة لمستقبل يحمل في طياته الأمل، تلك الكلمة التي اصبحت عزيزة في قاموس اجيال افتقدت للافق والرحابة، فكان امامها إما ان تنفصل عما حولها، وتهرب للواقع الافتراضي، أو ان تصرخ وترفع صوتها وتعلن رؤيتها حتي لو شاب ذلك ما يشوب قلة الخبرة واندفاع الشباب. تأخر الوقت كثيرا، لكن لماذا لا نحاول تدارك ما فات؟ الغضب الساطع يجب أن يتحول الي قوة بناء وتغيير، وطاقة أمل حقيقية، وأيضا استقرار حقيقي يختلف عن الركود المميت الذي يدفن تحت انقاضه أي قدرة علي المبادرة، وصناعة النهضة والتقدم والتحديث. الغضب النبيل لا يجب هدره بزعم ان هناك من اندس وخرب واثار الفوضي، فقد حدث ذلك بالفعل، لكنه لا يعني اضاعة مزيد من الوقت، لان الذرائع لا تنتهي، إلا اذا خلصت النوايا، وتجاوزنا فكرة الالتفاف أو التجاهل لمطالب مشروعة، يعني إنجازها صياغة لمستقبل أفضل، بعيدا عن جمود طويل فرض علي مصر ألا تكون حيث ينبغي لها، فالدور لا تصنعه الجغرافيا أو التاريخ وحدهما، ولكن إرادة التحدي والعمل الدؤوب، والوعي بقدر وقيمة ما حبانا الله، فتلك هي العوامل القادرة علي ان تلقي مصر ما يليق بقامتها وقيمتها. الآن، وليس غدا، مطلوب اعلان واضح للقطيعة التامة مع اخطاء وسلبيات وتجاوزات تراكمت. لا يجب إهدار أي دقيقة اخري دون التقدم نحو صياغة عقد اجتماعي جديد، وآليات سياسية وقانونية لا يصنعها »الترزية«، ففعلهم وما جنت أياديهم ساهم في فرض العتمة، ومراكمة الغضب، وهدر امكانات الوطن والمواطنين، وهو ما أصبح فوق الطاقة والاحتمال. مرة اخري، أن تأتي متأخرا، خير من ألا تأتي ابدا.. اتمني أن تصل الرسالة في وقتها، وإلي العنوان الصحيح، لانها هذه المرة »بعلم الوصول«.