قدمت دار الكرمة التي يديرها شاب من أذكي الذين عملوا بمهنة النشر، أعني سيف سلماوي نصاً جميلاً فريداً عندما صدر منذ أربعة عقود هزني وقدمته في الأخبار، إنه مذكرات الشهيد أحمد حجي أحد شهداء مصر في حرب الاستنزاف المجيدة والتي حاول النظام الساداتي التعتيم عليها بل وتشويهها مع أن هذه الحرب من أعظم الحروب التي خاضتها مصر، ولكن الحقد علي جمال عبد الناصر كان أعلي من تاريخ الأوطان وأمجاد الجيش المصري. لم أكن شاهداً عليها فقط ولكن مدافعاً عما عشته وقد وصل الأمر إلي ساحة القضاء عندما قام البعض بمحاولة تشويهها واصطف معي مصريون نبلاء أذكر منهم اللواء طيار محمد زكي عكاشة البطل الذي افتقده كثيراً منذ غيابه عن الوجود، رحمه الله، كذلك استاذي الوطني وجيه ابو ذكري طيب الله ثراه. من قاد هذه الحرب قائد عسكري عظيم متجرد، صارم الجندية، شرفت بمعرفته والاقتراب منه، أعني الفريق أول محمد فوزي. أذكر أنني قرأت عناوين الصحف صباح الأحد الثاني عشر من يونيو، بعد ان استجاب الرئيس جمال عبد الناصر لهبة الجماهير في مصر ليلتي التاسع والعاشر من يونيو بعد ظهوره شاحباً، منكسراً علي شاشة التليفزيون معلنا الهزيمة وتحمل المسئولية والتنحي، تحقق هنا القانون المصري العميق الذي يتضمن مبدأ الكل في واحد، أي عندما يتحرك الشعب المصري في لحظة معينة كشخص واحد، وهذا لا يتحقق إلا عند الشعوب العريقة الضاربة في الحضارة، قرأت في العناوين الرئيسية ما مضمونه أن وزير الحربية الجديد أقسم اليمين وان الرئيس كلفه بإعادة البناء العسكري ما بين هذه اللحظة ويوم السبت السادس من أكتوبر تحققت معجزة بطلها الشعب المصري وفي الطليعة جيشه العظيم، اختار جمال عبد الناصر قائدين عظيمين يكمل كل منهما الآخر، الاول معروف بانضباطه وصرامته وتخرجت علي يديه دفعات عديدة من الكلية الحربية، المعهد العلمي العريق الأقدم علي الاطلاق في العالم، والثاني عالم في العسكرية وفنون الحرب، علي درجة عالية من الثقافة. الفريق عبد المنعم رياض الذي استشهد في التاسع من مارس 1969 علي حافة القناة وخرج المصريون مرة أخري ليشيعوه في مشهد رهيب، ما بين يونيو 1967 ومايو 1971 قاد الفريق أول فوزي عملية إعادة بناء الجيش وتأهيله للعبور الذي جري في اكتوبر. غير أن السادات اعتقله في انقلاب مايو الذي قاده، وأذكر أنني عندما رأيت صورته في الزنزانة أجهشت بالبكاء، وبعد خروجه من السجن ارتبطت به، وعندما قرر السادات وضعه في الحراسة لم يجد لديه ما يمتلكه سوي بيت متواضع في مساكن الضباط بالحلمية لم يكن قد سدد إلا بعضاً من قيمته التي كان يدفعها علي أقساط، كان فوزي من أعظم القادة ومصر مدينة له ولرفاقه الذين اعادوا بناء الجيش، ماذا عن رؤيته للمعارك في حربي الاستنزاف وأكتوبر؟ هذا ما تضمنه كتاب الإعداد لمعركة التحرير الذي أعاد تقديمه سيف سلماوي من خلال دار الكرمة.