ماذا جري للمصريين أحفاد الفراعنة وأصحاب حضارة السبعة آلاف سنة، لماذا تسطحت أفكارهم وزيفت مشاعرهم وشاعت فيهم العداوة والبغضاء بعد أن كانوا بقيمهم ومثلهم العليا نجما تهتدي به كل الأمم، لماذا حلت الكراهية محل الحب ولماذا استبدلت الرحمة في القلوب والصدور بالقسوة والرغبة الجامحة في الانتقام فهذا يقتل جاره لأن زوجتيهما تشاجرتا بسبب نشر الغسيل، وامرأة في المنيا تتخلي عن طفلتها الرضيع وتتركها في المستشفي العام لأن حماتها وبختها بسبب كثرة الانجاب في ظل حالة الفقر التي تعيشها الأسرة، وذاك رجل هشم رأس زوجته في الأسكندرية بسبب مصروف المنزل ورجل يشوي طفل زوجته لأن بكاءه أزعجه وهو نائم، وهؤلاء أبناء عمومة رزقهم الله من فضله فصاروا أغنياء فلم يشكروا النعمة ولم يزدهم الثراء إلا كبرا وغرورا فأفشلوا كل مساعي الصلح التي بذلت من أجل إنهاء احتقان خلافاتهم علي سبعة قراريط أرض تتوسط مساكنهم في دمنهور بالبحيرة وقام طرف منهم بحرق حظيرة الماشية المملوكة لأبناء عمومتهم وأثناء هرب الجناة تتبعهم أبناء عمومتهم حتي دخلوا منازلهم وقبل أن يفيق أصحاب الحظيرة المحترقة من صدمتهم انهمر عليهم الرصاص من فوق سطح المنزل فقتل أحدهم وأصيب الآخرون وانتهت المأساة بطرد الجناة من القرية بعد سدادهم مليوني جنيه وترك منازلهم بما فيها من منقولات وعاقبتهم المحكمة برئاسة المستشار صبحي عبد المجيد بالسجن المشدد 15 سنة لكل منهم وكان عددهم خمسة وجاء الحكم بالسجن بدلا من الإعدام لأن المحكمة راعت الصلح. تلك نقطة في بحر مما يحدث يوميا من جرائم يشيب لها الولدان، حتي مشاعر الحزن في الموت زيفوها فالصراخ والعويل يستمر حتي خروج المتوفي فاذا أخذت الجنازة طريقا للمقابر انصرف أهل البيت والأقارب كل إلي شأنه وحاله رافعين شعار الحي أبقي من الميت، والسؤال إذا كنا مؤمنين بأن الموت حق وأن الحزن في القلب فلماذا الصراخ والعويل المبالغ فيهما حتي لحاد القبور الذي تبكيك كلماته التي يرددها علي رأس المتوفي بعد سد القبر عليه فيما يطلق عليه تلقين الميت لا تتم إلا بمقابل مادي؟ أضف إلي ذلك الأجور الخرافية التي يطلبها المقرئون في سرادقات العزاء ويشترطون تقاضيها قبل المغادرة.. فهل ما نحن فيه إصابة تستوجب العلاج أم هي من طبائع البشر؟ وقد لخص الشاعر عروة بن أذينة هذه الحالة في قصيدة مطلعها.(نراع اذا الجنائز قابلتنا.. ويحزننا بكاء الباكياتكروعة ثلة لمغار سبع..فلما غاب عنها عادت راتعات).