اتيح لي ان أزور استراليا قبل أكثر من عشرين عاماً. وهي دولة في غاية الجمال والنقاء، وفيها جالية عربية كبيرة اغلبيتها من اللبنانيين والفلسطينيين والمصريين، الا ان العراق استطاع انتزاع زعامتها بعد ان أصبحت الجالية العراقية وهي خليط من العرب والاكراد والمسيحيين أكبر جالية عربية في استراليا. والوصول الي استراليا ممكن جواً وبحرا، وأكثر الذين يسافرون اليها جواً هم الميسورون مادياً. أما الفقراء واصحاب الدخول المحدودة فطريقهم هو البحر الذي قد يصل بهم الي استراليا أو الآخرة. ويقول أحد التقارير الصحفية ان العراقيين خرجوا من بلدهم المحترق هربا من الموت فما كان من الموت إلا أن لاقي بعضهم في عرض البحر. هذا المشهد المأساوي لا ينطبق فقط علي العراقيين، بل يشاركهم فيه أفغان وإيرانيون وفلسطينيون ومغاربة ومصريون خلال هجرتهم من بلادهم إلي أستراليا. ولكن الكثير منهم يركب سفن الموت لدخول البلاد خلسة. ولا تزال حادثة غرق قارب صيد إندونيسي في قلب المحيط قبل عدة أسابيع ومقتل 48 شخصا معظمهم من العراق محل جدل في أستراليا حتي اليوم. وقوارب الموت الإندونيسية التي تحمل المهاجرين إلي أستراليا تعتبر أشد خطورة وأكثر مأساوية من مثيلاتها في البحر المتوسط، فهي نعوش عائمة. إذ إن المسافة التي تقطعها هذه القوارب الخشبية التي تحمل أكثر بكثير من طاقتها الاستيعابية تصل إلي أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر خاصة إذا سلكت طرقا متعرجة هربا من قوات حرس الحدود البحرية الأسترالية، حيث من الممكن أن تتعرض لعواصف استوائية كبيرة لا طاقة لها علي تحملها فتغرق في المحيط. وهي في أحسن الأحوال تصطدم ببعض الجرز الصغيرة غير المأهولة المتناثرة بكثرة في المنطقة. أما في أسوأها فيتحول المهاجرون الذين يركبونها إلي طعام لأسماك القرش. ويتداول المهاجرون حكايات عجيبة عن عصابات المافيا التي تتخذ من الهجرة السرية مصدرا لجمع ثروات كبيرة. وهي حكايات تمس شخصيات نافذة في البلدان التي تنطلق منها قوارب الموت وأهمها أندونيسيا. فهذه العصابات وبعضها أوروبي تعمل بمساعدة وتنسيق مع عصابات شرق أوسطية وآسيوية، وهي موجودة غالبا في بلدان يكثر فيها الفساد الإداري والسياسي وتستفحل فيها ظاهرة المحسوبيات واستغلال مواقع رسمية من أجل الإثراء الشخصي. . تبلغ تكلفة السفر للشخص الواحد في هذه الرحلة ما بين سبعة وثمانية آلاف دولار ونصف هذا المبلغ بالنسبة للأطفال. وكذلك ألفا دولار إضافية لمن لا يملك جواز سفر. كما أن الإقامة في إندونيسيا تتم علي نفقة صاحب العلاقة إذ لا يتدخل رجال العصابات والسماسرة في دفع تكاليف هذه الإقامة التي قد تمتد شهورا في بعض الأحيان الأمر الذي يدفع البعض إلي اللجوء إلي الأممالمتحدة.. الا أن سوق بيع تجارة الهجرة السرية بين العراقيين تنتشر ليس فقط في العراق، بل إن أكبر سوق لتسويق هذا النوع من الهجرة بين العراقيين توجد في سورية حيث يقف سماسرة يعملون كوسطاء بين عصابات الهجرة السرية في أوروبا ومن يرغب بالهجرة. ويقول غالبية المهاجرين من أصل عراقي الذين دخلوا إلي أستراليا بهذه الطريقة إنهم قدموا من سورية إلي إندونيسيا ومنها بواسطة القوارب إلي أستراليا. وقال بعضهم إن الرحلة كلفتهم ما يزيد علي عشرة آلاف دولار أميركي منها مصاريف الإقامة في إندونيسيا التي تمتد أحياناً إلي أكثر من شهر إلي حين تجميع العدد الملائم وبعدها يتم النقل بالقوارب. لكنهم في أغلب الأحيان لا يصلون إلي أستراليا بل إلي مركز الإقامة الشبيه بالسجن في جزيرة "كريسماس" أو في أماكن أخري لتخزين اللاجئين.. من سوء حظ العراقيين اللاجئين انهم بفضل ديمقراطية بوش يهربون من الموت حرقاً في الانفجارات الي الموت غرقاً في المحيطات. كاتب المقال: كاتب عراقي