بدائل الثانوية الأزهرية| معهد تمريض مستشفى باب الشعرية - الشروط وتفاصيل التقديم    سحر جولر يصنع التاريخ.. ماذا علقت الصحف التركية بعد الفوز على جورجيا في يورو 2024؟    كولر يوضح تصريحاته بخصوص كهربا    "أدافع عن سمعتي".. تصريحات غاضبة من كولر مدرب الأهلي بخصوص موديست    "عيدكم هيبقى في التُرب".. "ولاد رزق" يشعلون مشاجرة بالسلاح الأبيض بمنشأة القناطر    إعلان جديد لفيلم "جوازة توكسيك" استعدادًا لعرضه بشهر يوليو    البنتاجون: لا أحد يريد أن يرى حربا إقليمية فى الشرق الأوسط    "حياة كريمة" بسوهاج تقدم تروسيكل وأجهزة كهربائية لبائع غزل البنات (صور)    انتشال جثة شاب غرق بمياه نهر النيل بالعياط    هيئة بحرية بريطانية: غرق سفينة بعد استهدافها بزورق مفخخ يوم 12 يونيو    أكثر من 28 ألف زائر للأهرامات و3700 للقلعة فى عيد الأضحى حتى اليوم    دليلك الكامل ل بطاقة الخدمات المتكاملة 2024.. الاستعلام وشروط التسجيل والأوراق والمزايا    أبرز تصريحات وزير المالية بشأن تخفيف الأعباء الضريبية| إنفوجراف    البحيرة: وصول 103 آلاف شجرة بالمرحلة الثانية ل "المبادرة الرئاسية"    «المنشاوي» يشيد بالعمل المتواصل بجامعة أسيوط من أجل بيئة أفضل    بطريرك السريان يزور الكردينال جان مارك رئيس أساقفة أبرشية مرسيليا    مساعد وزير الداخلية الأسبق: الجرائم تكتمل بمجني عليه «جاهل طماع» ومتهم «ذكي محتال»    المبعوث الأمريكي إلى لبنان: وقف الحرب بغزة ينهي التصعيد بين لبنان وإسرائيل    نتنياهو: بلينكن أكد سعي أمريكا لإلغاء قيود تقديم السلاح لإسرائيل    مقتل وإصابة 23 شخصا وفقدان 20 جراء انهيارات أرضية في الإكوادور    سرب نحل يغزو ملعب ألمانيا ضد المجر قبل مباراة غد فى يورو 2024.. صور    تفاصيل أكبر حفل جماهيري لتامر حسني في عيد الأضحى 2024 (صور)    تناولها من النهارده، أطعمة تخلصك من وزنك بعد الفتة والرقاق    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 عضو مهن طبية للدراسات العليا بالجامعات    بيت الزكاة والصدقات يستعد لتوزيع 300 طن لحوم على المستحقين غدا    «ري كفر الشيخ»: متابعة مناسيب المياه بالترع والمصارف على مدار الساعة    دار الإفتاء عن حكم التعجل في رمي الجمرات خلال يومين: جائز شرعا    دليلك الكامل للالتحاق ب مدارس التمريض 2024.. شروط التسجيل والأوراق المطلوبة والمزايا    لسهرة مميزة في العيد، حلويات سريعة التحضير قدميها لأسرتك    13 ذو الحجة.. جدول المصحف المرتل بإذاعة القرآن الكريم غدا    أخبار الأهلي : تصنيف "فيفا" الجديد ل منتخب مصر يفاجئ حسام حسن    مطران مطاي يهنئ رئيس مدينة سمالوط بعيد الأضحى    عودة الاقتصاد المصرى إلى مسار أكثر استقرارا فى عدد اليوم السابع غدا    إسماعيل فرغلي يكشف عن تفاصيل إصابته بالسرطان    "تخاذل من التحكيم".. نبيل الحلفاوي يعلق على أزمة ركلة جزاء الزمالك أمام المصري    «البيئة» توضح تفاصيل العثور على حوت نافق بالساحل الشمالي    جدول مباريات ريال مدريد بالكامل فى الدورى الإسبانى 2024-2025    الجارديان: حل مجلس الحرب سيدفع نتنياهو لمواجهة الفشل وحده    «الصحة» تقدم نصائح لتجنب زيادة الوزن في عطلة عيد الأضحى    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    قررنا الأضحية ببقرة وفوجئنا أنها حامل.. ماذا نفعل؟.. الإفتاء تنصح    مجدي يعقوب يشيد بمشروع التأمين الصحي الشامل ويوجه رسالة للرئيس السيسي    تفاصيل جديدة في واقعة وفاة الطيار المصري حسن عدس خلال رحلة للسعودية    الجثمان مفقود.. غرق شاب في مياه البحر بالكيلو 21 بالإسكندرية    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    خبير سياحي: الدولة وفرت الخدمات بالمحميات الطبيعية استعدادا لاستقبال الزوار    الصحة: فحص 14 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    البحيرة تنظم رحلات نيلية وكرنفالات وعروض فنية احتفالا بعيد الأضحى    الاتحاد الأوروبي والصين يعقدان الحوار ال39 بشأن حقوق الإنسان والعلاقات المشتركة    الحرس القديم سلاح البرتغال في يورو 2024    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    عبد الله غلوش: «إفيهات» الزعيم عادل إمام لا تفقد جاذبيتها رغم مرور الزمن    مدرب بلجيكا: لم نقصر ضد سلوفاكيا ولو سجلنا لاختلف الحديث تماما    العثور على جثة شخص بجوار حوض صرف صحى فى قنا    مصرع شخص وإصابة 5 فى حادث تصادم بالدقهلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأبنودي : عمر من النضال والثورة
نشر في الأخبار يوم 21 - 04 - 2015

عندما تكتب عن الأبنودي فإنك لامحالة تكتب عن وطن عشقه الحياة والحرية، ولا يسعك إلا أن تهتف: والأرض فين وفين لما بترمي ف سنبلة بشاعر نبيل. الله يرحمك ياخال.
والأرض فين وفين لما بترمي ف سنبلة بشاعر نبيل. كنا عيالاً لم تزل أعوادنا خضرا، نضرب بجد في رحاب الوطن، كان الوطن فسيحاً، ولم نكن وصلنا مرحلة الفطام السياسي بعد، وكان يلقمنا زاداً لرحلة النضال، أبداً لم يكن بخيلاً مع جيل تكون وعيه في رحاب جمال عبدالناصر ومشروعه الوطني للتحرر والنهضة والبناء، كنا عيالاً نضرب في الأرض علي بوابة الوطن، وكان هو حارساً ضمن حراس بوابة الأرض والعيال، أمل دنقل وصلاح عبد الصبور وصلاح جاهين، وأحمد فؤاد نجم، وفؤاد حداد،وعبد الوهاب البياتي، وملك عبد العزيز ونازك الملائكة والفيتوري ومحمود درويش وسميح القاسم ونزار قباني وأحمد عبد المعطي حجازي ومحمد مهران السيد ومحمد إبراهيم ابو سنة وسيد حجاب وزين العابدين فؤاد، رأيناه في وجوه علي الشط، والأرض والعيال، وحاورناه في الزحمة مع أحمد سماعين، وبعد التحية والسلام، قابلته أنا والناس في السد العالي مع حراجي القط وفاطنة أحمد عبد الغفار في منزلها الكاين بجبلاية الفار تحتضن عزيزة وعيد أبناء الشقاء والكفاح والغربة في عيون الوطن، وفي الفصول والموت علي الأسفلت، عشنا معه ورفاقه المد والجزر والمشروع والممنوع، كان حارساً لنا من أن تعقرنا الكلاب، وكان حائط الصد يطل علينا بعد أن ضرب المشيب رأسه من وراء المربعات وهو لايزال قابضاً علي جذوة الشعر والنضال والحرية.
كان أبانا الذي في سموات الوطن وعلي الأرض. كنا مفتونين بالثورة وجمال عبد الناصر نغني لها وله مع عبدالحليم حافظ. ربما لم نكن نعي بعد عمق النكسة، لكن كانت مناولتنا الأولي علي يديه في عدي النهار والمغربية جاية تتخفي ورا ضهرالشجر، وعشان نتوه في السكة شالت من ليالينا القمر، وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها،جانا نهار مقدرش يدفع مهرها،ياهل تري الليل الحزين أبو النجوم الدبلانين،أبو الغناوي المجروحين، يقدر ينسيها الصباح أبو شمس بترش الحنين، أبدا... بلدنا للنهار... بتحب موال النهار، لما يعدي في الدروب ويغني قدّام كل دار.
عرفته أول مرة في الأرض والعيال، أهدتني الديوان رفيقة العمر وزوجتي بعد ذلك الدكتورة أماني يوسف، ومعه جوابات حراجي القط، والغريب لألبير كامي، واسطوانة ألف ليلة وليلة لريمسكي كورساكوف. لم نكن نتهادي في مراهقة الحب ب «الدباديب» العبيطة. كنا نقرأ ونتبادل الكتب واسطوانات الموسيقي، كنا نغني مع الشيخ إمام أعمال فؤاد نجم ورجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تاني، يامصر إنتي اللي باقية وانت قصد الأماني، ونغني لزين العابدين فؤاد اتجمعوا العشاق ف سجن القلعة، اتجمعوا العشاق ف باب الخلق، والشمس غنوة من الزنازن طالعة، ومصر غنوة مفرعة ف الحلق، اتجمعوا العشاق ف الزنزانة، مهما يطول السجن مهما القهر، مهما يزيد الفجر بالسجانة، مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر.
كنا نقوم بمسرحة أعمال أمل دنقل ومحمود درويش في قصر ثقافة الحرية، ابن مشروع الثقافة الجماهيرية، وقررت مسرحة جوابات حراجي القط، ومن أسف لم تصرح لنا الجامعة بالعرض، وتحايلنا علي الأمر واستعوضناه بعرض «الفيل ياملك الزمان « لسعد الله ونوس. كنا نصدر جريدة الحوار برئاسة المناضل المرحوم عاطف جلال، وكان معنا المرحوم د. محمد عباس منسق كفاية بعد ذلك، ويونس عبادي وعبدالعزيز عمار وخميس عبد العزيز وحمدي ياسين نائب رئيس مجلس الدولة فيما بعد، ولما توقفت وصودرت، رحت أنا وعصام السعدني ومحمود بيرم وأماني يوسف وخالد سعد وإيمان صيام وحورية البدري وعبد الفتاح السيد وأحمد طلعت بن إبراهيم طلعت، نصدر مجلة الرسالة، إحياء لرسالة أحمد حسن الزيات. كنا لانعرف القعود ولا المهادنة، ولما شعرنا باليتم بعد وفاة ناصر أخرجنا الرسالة ولما توفي عبد الحليم حافظ، صوت الثورة، قررنا أن يكون العدد تعبيراً عن 23 يوليو ومشروعنا الناصري، ورحنا نعد نعياً لحليم في عدد ساخن تمت مصادرته في المطبعة، لكننا طبعناه «استنسل» ووزعناه في الجامعة والشوارع ودفعنا الثمن. وكانت مقدمتنا لانتفاضة 18 و19 يناير 1977 التي كانت ضد السادات وبدأت شرارتها من الترسانة البحرية وجامعة الإسكندرية، هكذا ذكرني المستشار محمود بيرم نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية من أسابيع. جاءني صوته مساءً عبر التليفون يذكرني أنه مر علي الرسالة 38 عاماً، لم أكن أحسب أننا إلي هذا الحد هرمنا في حب هذا الوطن. هزتني كلماته في عتاب رقيق، لماذا لم تكتب عن الرسالة؟ وهي التي كانت محرضاً علي أحدات انتفاضة يناير ومقدمة لها. لم يكن هذا في بالي ولا تقديري، لكن الكتابة عن الأبنودي ردتنا للكتابة عن الحركة الوطنية الطلابية وارتباطها العضوي مع الحركة العمالية والشعر والفن يتصدران الثورة.
والأرض فين وفين لما بترمي ف سنبلة بشاعر نبيل، هكذا جاءت كلماته في مقدمة ديوانه الأرض والعيال الذي أهداه إلي فؤاد حداد. وعرفنا بعدها أن النبل كله تجسد في الأبنودي الذي قام بجمع رباعيات صلاح جاهين وأصدر له أعماله الكاملة عندما اكتأب بعد النكسة، فأراد الأبنودي أن يعيده لحضن الحياة والشعر والثورة. في ذلك الوقت كان جاهين أمين خزانة شعر الثورة وصوتها، بينما كان الأبنودي علي نقيض عبدالناصر ودخل السجن لذلك، لكن النبل والوطنية دفعاه لجمع أعمال جاهين ونشرها، كما دفعاه بعد ذلك لرد الاعتبار لجمال عبدالناصر وثورته ومشروعه الوطني. كان مختلفاً مع عبد الناصر، لكن ذلك لم يمنعه من تمجيد مشروعه لبناء السد العالي وقدم ملحمة وطنية ألهمت جيلنا كله والأجيال اللاحقة.
عشرات المرات احتشدت للكتابة عن عبد الرحمن الأبنودي، أشعاره وأفكاره ومواقفه، ووجدتني أكتب عن مصر ومسيرتها وثوراتها، ذلك أنك لاتستطيع الكتابة عن مصر دون الأبنودي ولا الكتابة عنه دون مسيرة نضال طويلة للشعر والفن والسياسة والثورة والوطن، لأنه كما قال في مربعات التحرير،بحر السياسة غويط.. ماكر، أما اللي فوق البر شديد، زي اللي بيبيعوا تذاكر، وعمرهم.. ماسافروا بعيد!!، لكن الأبنودي سافر دائماً لأبعد نقطة في كفاحه ضد الفاشية الدينية وحكم الإخوان، وجاءت كلماته لرئيسهم جارحة واضحة صريحه: الجِبَّة واسْعة علي مَعَاليك، والكُرْسي مِتْهزّ.. مَقَامُه​، رجَّعْتنا لْزَمَن المماليك، يرحم قَراقُوش وِأيَّامُه!! وهو الذي قال: مش كنت حالِف ما تِتْفرعَن ولا تْخالِف؟كام مرّة خَالفْت حِلْفاَنك علي الدستور؟حَالِفْت كل المِلَلْ.. وحْلِفْت ما تحالف..أهالينا.. مِنْ سلطنوك علي روسنا يا الدّكتور!!. ورغم إيمانه الشديد بعبد الفتاح السيسي ودعمه له، ورغم سؤال السيسي عنه في مرضه واهتمامه، فإن الأبنودي الذي أزعجه رفع الدعم والغلاء الذي أتي علي الفقراء لم يتردد في كتابة قصيدته «مرسال» عاتباً علي الرئيس: يا أيها القبطان قانون البحر متخفش علي الصاري وخاف علي اللحم.
عندما تكتب عن الأبنودي فإنك لامحالة تكتب عن وطن عشقه الحياة والحرية، ولا يسعك إلا أن تهتف: والأرض فين وفين لما بترمي ف سنبلة بشاعر نبيل. الله يرحمك ياخال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.