مع شكري لدار الكتب علي مبادرتها بإقامة احتفالية بسيطة وصادقة وإنسانية ببلوغ الشاعر شعبان يوسف سن الستين. إلا أنني قلت عندما دعاني حلمي النمنم للحديث أنني كنت أتمني لو أقيمت الاحتفالية في ورشة الزيتون الإبداعية التي ارتبطت بشعبان وارتبط بها. لدرجة أنه من المستحيل معرفة أين تنتهي الورشة ليبدأ شعبان؟ وأين يبدأ شعبان لتنتهي الورشة؟. بل إنني عندما سمعت من أحد المتحدثين قبلي أن شعبان كتب علي موقعه علي الفيس بوك أنه يودع الورشة لجيل جديد يقودها بعد سنوات تولاها متطوعاً متبرعاً. لم يحصل علي أي عائد سوي إحساسنا بدوره العام الذي ربما طغي علي دوره الخاص كشاعر كان لديه مشروع شعري. وأتمني أن يكون المشروع الشعري ما زال له وجود في وجدانه. فقد حاول مؤخراً أن يدخل ميدان المسرحية الشعرية. ولكن الدور العام طغي علي مشروعه الشخصي. المثقفون نوعان. نوع يعمل علي مشروعه الخاص، لا يري سواه. يقرأ ويكتب كل ما يمكن أن يقدم خدمة لهذا المشروع. ونوع آخر يري أن الدور العام لا يقل أهمية عن إبداعه. باعتبارنا نعيش في مجتمع ما زال في أمس الحاجة لما يمكن أن نقدمه له. وأنه ربما كان من الأنانية أن ينصرف كل منا لقراءته وكتابته. وينسي أنه جزء من شعب وزمن. وأن هذا الوضع يوجب عليه التزامات لا بد من القيام بها حتي لو شغلته عن مشروعه الشخصي. فالوطن يسبق كل الأفراد مهما كان موقعهم. ومهما كانت مواهبهم الشخصية. تاهت من ذاكرتي أول مرة رأيت فيها شعبان من حيث الزمان والمكان. ربما كان هو يعرف. فالرجل مشغول بتوثيق وقائع حياتنا الثقافية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتي الآن. وعندما لا يكون متأكداً من أمر أو معلومة. فإنه يتصل بمن يمكن أن يجد لديه اليقين حول الأمر الذي يريد توثيقه. لكن من المؤكد أن مشهد ورشة الزيتون الإبداعية يظل المكان البطل في علاقتي به. رأيته هناك كثيراً. وآخر مرة رأيته كانت في المجلس الأعلي للثقافة بعد احتفاليته بيوم واحد كان ذاهباً للمشاركة في احتفالية بذكري الشاعر الذي ظلمناه كثيراً عندما صنفناه سياسياً ونسينا قراءة شعره. ولم نتوقف أمام مواقفه بما يستحق الرجل. وكان شعبان آتياً من آخر الدنيا مستقلاً مترو الأنفاق كعادته لكي يقوم بواجب ألزم نفسه به تجاه شاعر رحل عن عالمنا. لكني الآن أقابله كل صباح بطريقة أخري مبتكرة من خلال بابه الثابت الذي يحرره في جريدة التحرير: أيام لها تاريخ. وهو عنوان كتاب جميل وعذب لأحمد بهاء الدين. وهو الباب الذي أتمني عندما يكتمل عامه الأول أن يصدر علي شكل كتاب يمكن أن يكون اللبنة الأولي في محاولة لتدوين ما جري وما وقع وما حدث في زماننا الصعب والعصيب. لكن الرجل أهم من كل هذا. فهو حارس الضمير المصري وممثله اليقظ بيننا بعد رحيل خيري شلبي بأيام كان له كتاب عنه عنوانه: خيري شلبي فيلسوف الهامش. وبعد رحيل الشاعر حلمي سالم أصدر عنه كتاباً: حلمي سالم ناقداً ومحاوراً. وبعد أن خطف الموت منا إبراهيم أصلان كان لديه كتاب عنه عنوانه: خلوة الكاتب النبيل. وفي ملتقي الرواية كانت أهم مطبوعاته كتابه الذي جمع فيه كتابات لم تنشر في كتب من قبل لفتحي غانم مع مقدمة طويلة قرأتها وأعجبت بها واختلفت معها. وقابل شعبان اختلافي بنفس المحبة. فالرجل مشغول بمشروعه بعيداً عن مشاغبات كل يوم. أما شعره ففي مكتبتي منه ديوان: مقعد ثابت في الريح صادر سنة 1999، وديوان: تظهر في منامي كثيراً. أما الذي خطفه من شعره فكان الدور العام. أسس ورشة الزيتون الإبداعية. وكانت ندوته مساء الإثنين أسبوعياً. ملتقي ثابت لنا عندما كان الحي في شكله القديم قبل التغييرات العمرانية المفجعة التي تمت فيه. ثم أخذته أقداره إلي مخازن الصحف والمجلات القديمة بشارع فيصل. وأصبح ينفق ماله - وأمواله قليلة جداً - في شراء كل ما يضع يده علي تاريخ المثقفين المصريين والعرب وأبناء العالم. لدرجة أنه أصبح شيخ طريقة. كل من يريد العثور علي كتاب نادر يتصل به. كل من يرغب في التوثق من معلومة مهمة أو معرفة ما لا يعرفه عن تاريخنا يهاتفه. وعن نفسي طلبت منه كتباً كثيرة نادرة وأحضرها وقام بتصويرها علي نفقته الخاصة وأتي بها إليَّ في مدينة نصر. والأمثلة علي ذلك كثيرة. أتمني لك يا شعبان طول العمر وتألق الدور العام وقبله وبعده قول الشعر. والأهم: الصحة والعافية.