عرفت الحق.. صان الحق من عرفه وعرفت الدنا بالحق.. في بطحاء »مكة«.. في ضواحي »يثرب« الغراء.. في بدر.. وفي احد.. وفي عرفه. وامعنت التعرف والتعارف.. كل معركة ترد الكيد فيها عن حياض الحق ترسل خطوك النبوي في ممشي حديقته.. فتدخل بيته.. مستفتحا أبوابه.. متجاوزا اعتابه.. مستشرفا غرفه. وقيل انظر - رسول الله - دونك.. وانتظر »جبريل«.. كل في الخلائق مدرك مقداره.. وملازم شرفه. »فطه« خير خلق الله كلهم.. أجل.. وهو المقدم في السما والارض.. ام الانبياء جميعهم في المسجد الاقصي.. وأم الانبياء التابعين لهم.. فكان كل الصالحين علي مدار الدهر خلف لوائه الخفاق عائلة علي الايمان مؤتلفة. ويحمله »البراق« إلي السما الأولي.. ويلقي »آدم« الأب والنبي.. ويلمح الاجيال تتري - مثل موج البحر - في عينيه حتي آخر الدنيا.. وان لم ينس »هابيل« ابنه المصروع.. لم يفقد علي مأساته أسفه. ويصعدها سماء بعد أخري.. يلتقي فيهن »إبراهيم«.. والصديق »يوسف«.. والكليم.. وكلمة الرحمن »عيسي«.. يحتفي جمع النبوة بالنبي الخاتم الهادي.. يودعهم علي أمل اللقاء بهم.. فكل ناظر كلف.. وكل لاثم كتفه. ويغشي السدرة العصماء نور الله يغمرها ويكسوها.. ويرنو المنتهي صبا لنور الله مشدوها.. وتسبح مفردات الكون حول العرش تأليها وقلب المصطفي يزهو بنور الله زهوا لم يزغ طرفه. وينشد كل من بين السما والأرض: لا رب سوي الرحمن.. اكرم بالعروج حبيبه.. وأراه من آياته تحفة. وتهتف جنة المأوي: إليّ انظر رسول الله.. ما لم تكتحل عين برؤيته.. وما لم يحك انسان حكايته ببنت شفه. ويطلعه علي الفردوس مبدعه.. فلا احلي ولا ابهي.. لكل زهيرة عطر الهي.. وكل شجيرة تشدو.. وكل بحيرة شهد.. هو الفردوس - قبل العبث - مثل اللؤلؤ المكنون في الصدفة. ويطلعه علي النار التي انتظرت وفود الاثمين لها.. فهل يدري مصير الاثم ذياك الذي اقترفه. وبين النار والفردوس مقعدك المخصص للشفاعة.. يا رسول الله أدركنا بيوم سادر في الطول.. يوم اقامة الميزان.. نعبر فيه اودية اللظي فرقا.. كأنا عابرون لها علي سعفه.. فذد عنا لهيب النار.. نعرف انها بذنوبنا الخرقاء تطلبنا.. ولكن - سيدي - يا من به لذنا عرايا.. خذ لنا من رحمة الرحمن سترا.. من له إلاك في عز الشفاعة - يانبي - صفه. رسول الله ملء القلب حلم. تعايشه الجوانح وهي يقظي.. فتكسر نير دنياها.. وتسمو. وتحياه القلوب عوالما قدسية.. تزهو بحب الله وهو حقيقة الكون الوحيدة.. دونها التفكير سفسطة ووهم. تطيب لنا الحياة اذا احتوتنا سيرة المختار.. واستسقت جوارحنا سحابته المقيمة في سمانا.. ثم راحت بالهدي والنور في الغيث المبارك تستحم. وتخضر البوادي في ضمائرنا لذكرك - سيدي - وجدا.. وتترع بالحدائق.. والحدائق في ظلال المصطفي تنمو.. وتنمو وتصبح جنة في الأرض تشبه جنة المأوي جمالا واحتفالا.. في خمائلها الرضا وسكينة الارواح.. والعشق المقدس يستجم وتصطف البيارق حين ينهمر الشذي والمسك.. والالحان تصدح: يانبي الله.. ياخير البرية.. انت يا »طه« لفعل الخير اسم. وانت علامة الايمان نرصد ضوءها في كل مفترق.. وأنت منارة يهدي بها في زحمة الامواج والزبد الخضم. صحبنا حلمك النبوي من يوم إلي يوم.. فليس يمر - دون تمثل الحلم الجميل علي مدار العمر يوم. غزونا حيث تغزو في سبيل الله احقابا من الشرك المعسكر في ذراريه.. لنا في كل معركة تخوض غمارها قوس وسهم. نهاجر كل يوم من بقاع الحقد فينا نحو »يثربك« الجميلة حيث نحفر خندقا لنرد عنها كيد احزاب الضغينة والتعصب والهوي.. حتي تجيء الريح تحصدهم فلا يبقي لزند الشرك عزم.. تبعنا خطوك النبوي.. كنا في مؤخرة الجيوش نشاهد الوقعات.. نهتف في الرماة هناك في »احد«: رسول الله يأمركم بألا تتركوا ابدا اماكنكم.. فينفذ فيكم - ياقوم - قوم. ويشتد الهجوم علي رسول الله.. يجرح وجهه النبوي سهم كافر.. يفديك مني يارسول الله قلب واجد واب وأم. وتغشي يارسول الله فينا كل معركة.. يحارب ضدنا فيها من الاعداء: اشراك خفي ذائب في مادة الدنيا.. ومعصية مقنعة.. ودون تنكر اثم. حنانك يارسول الله.. انت رسالة الحب.. خطاب الله للقلب.. فضضناه.. قرأناه فهمناه.. وعشناه.. وكان كلامه القدسي يعنينا.. يناقش كل ما فينا.. من القلق الذي يرتادنا دوما إلي القرح الذي يشتد في الجنب، قرأناه.. تداركنا معانيه.. وادركنا مراميه.. لمحنا فيه خارطة الخروج من المتاهة.. والصعود الي الضحي من عتمة الجب. لمحنا فيه خارطة الوصول إلي كنوز الله في الانسان: ياقوت المحبة.. فضة الايثار.. فيروز الرضا.. وزمرد الحدب.