تحدثنا في مقالات سابقة عن مفهوم »فجوة الادارة« وهو موضوع ممتد سنتناوله في مقالات قادمة ان شاء الله.. وفجوة الادارة في واقعنا العربي لها سمات عديدة واسباب لابد من التعامل معها علميا وتقنيا ومجتمعيا وهنا في هذا المقال نؤكد ان شخصية المدير أو المسئول المتوازنة والمدربة علي التعامل مع تعقيدات الواقع هي هدف رئيسي ينبغي ان تهتم به كل مراكز اعداد القادة في واقعنا. وابدأ حديثي في هذا المقال باستدعاء سؤال استهلالي هو ماذا يحدث لك عزيزي القاريء وماذا تستدعي عندما تشاهد فيلما مثل »الناصر صلاح الدين الايوبي« ذلك الفيلم الشهير الذي اخرجه بعبقرية يوسف شاهين وانتجته اسيا وقام بتمثيله الفارس الحقيقي احمد مظهر؟ والاستجابات المحتملة عديدة، ومنها مثلا ان يتأمل المشاهد ملامح شخصية الناصر صلاح الدين ليري كيف استطاع بحكمته واجتهاده وادائه المتميز ان يوحد صفوف الامة كلها وان يحرر القدس ويسترد المقدسات حين دخل القدس فاتحا وليس زائرا بعد حصوله علي موافقة »قوات الافرنجة« شخصية القائد صلاح الدين وسيرته تقول بانه كان قائدا له كل سمات القائد التحويلي من حكمة وذكاء وجداني وذكاء حسابي وكيف انه آمن بمبدأ القيادة بالمشاركة والشوري والمودة وعدم الاندفاع وانه كذلك كان حاسما يعرف كيف يتعامل مع الامور الفوضوية بالحسم والحكمة وليس بعنتريات اصحاب نظرية السيطرة السلبية القاصرة والمندفعة وعلي النقيض من شخصية القائد صلاح الدين الايوبي اريد ان اتوقف هنا امام شخصية »رينوه السفاح« كي اوضح من خلالها نوعية المدير أو القائد صاحب نظرية السيطرة السلبية والاندفاع والنرجسية والغرور والخيلاء.. لو اعاد القاريء مشاهدة فيلم الناصر وتأمل شخصية »رينوه السفاح« سيجد ان: 1- شخصية مستبدة متسلطة. 2- شخصية نرجسية بها الكثير من الكِبر ولا تري إلا نفسها وسلطاتها فوق الاخرين إلي آخر رمق.. 3- لانها شخصية تستبيح الكذب والتلفيق وهنا يكذب علي زملائه القادة وخاصة لحلفائه ممن هم في موقع القائد الاعلي للتحالف الغربي حينذاك »ريتشارد قلب الاسد«. 4- انها شخصية مستبدة لا تقدر ظروف من معهم فهو يحصل علي كل ما يريد من طعام وشراب وخلافه بينما جنوده يصيبهم الجوع والعطش فيطلب منهم الانصياع التام لما يطالبهم به حتي لو دفعوا حياتهم ثمنا لاوامر سيادته.. 5- انه شخصية مندفعة تتحكم فيها سمات الغرور والخيلاء التي يحاول اخفاءها. لقد قرأ الناصر صلاح الدين شخصية »رينوه السفاح« بدقة وعلم ان السمة الخامسة المذكورة عن الغرور والخيلاء هي القناطر والحاضنة للسمات السلبية الاربعة الاخري التي ذكرناها، وهنا يقوم القائد صلاح الدين بتعميق الغرور عند »رينوه«. وذلك يتضح حينما وضع خطته لمقاومة هذا البلاء من الناس، في مناخ من العمل الجماعي والقيادة بالمشاركة فحين ناقش الخطة مع زملائه تحفظ »حسين رياض« قائلا ان الخطة تعتمد علي ان يقتحم رينوه احد الممرات، وقد لا يفعل؟! وهنا كانت اجابة صلاح الدين الواثقة »سيدفعه غروره حتما لاقتحام الممر..« ولقد كان وهنا قضي صلاح الدين علي هذه الشخصية المستبدة المغرورة.. نعود هنا ثانية إلي تلك الشخصية المستبدة والمندفعة التي تمارس السيطرة السلبية في واقعنا الاداري علي اصعدة عديدة انها شخصية ينبغي الكشف عن مكنونها فهي قادرة علي الاستعباط وخلق طواحين هواء وتحاول تصوير قصورها وتخلفها الفكري الاداري حينما تختبيء وراء شعار انها تضرب بيد من حديد علي »التسبيب والفوضي« وهي الاكثر اسهاما في التسيب والفوضي وتحقق التدمير العشوائي لما تبقي من كيانات ادارية مترهلة اصلا في واقعنا العربي بدلا من استنهاض القوة الكامنة وخلق الدافعية واعادة الهيكلة الهادئة والحاسمة.. انها شخصية تفتقد مكونات القيادة الحقيقية وتستنكف التدرب علي تقنيات وادوات عديدة.. ولكنها مع الاسف في حالة من التكاثر والتزايد في واقعنا ولابد من وقفة معها حتي نعيد لهذا الوطن المصري والعربي وضعه الذي يستحقه بكل ادوات الحكمة والنضال التفاوضي.