كنت بين اليوم واليقظة عندما سمعت هذا الشطر من الشعر من محطة BBC، ولكني لم اتمكن من معرفة قائله، فجفا النوم عيوني متفكرا في المعني العميق الذي يسوقني التفكير إليه. وتوارد في خاطري ما جاء في آيات الذكر الحكيم والأحاديث النبوية »يوم يرث الله الأرض ومن عليها« - »ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام« »والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم«. وكما يري عالم النفس مكدوجل فإن الغرائز الهامة هي أربع عشرة ومن بين اهمها غريزة التملك وغايتها - في صورتها المادية - حيازة الأشياء. ويأتي الدين والعرف والقوانين الوضعية بوضع الحدود لتهذيبها لمصلحة المجتمع ككل بعيداً عن المصلحة الشخصية التي لو تركت علي عواهنها لأديت إلي فساده وانهياره. وعندما تنصح الأديان بالتوجيه إلي أن »القناعة كنز لا يفني«.. حتي أنها تصل في المسيحية بما تدعو إليه من الزهد في الحياة وأعتزال العالم وإلي الاتجاه للرهبنة بعيدا تماما عن مغريات الحياة. كما توجد ديانات أخري تتجه نحو هذا الاتجاه مثل البوذية والتي تنمو في اقصاها إلي نوع من الرياضة الصوفية لبلوغ مرتبة النرفانا، وكذلك في البرهمية. اما الإسلام فإنه لا يتجه إلي هذا النوع من البعد عن الحياة. ويطالب الفرد أن يكون معتدلاً وطموحا وليحصل علي رزقه بالمال الحلال »قل من حرم زينة الله التي أخرجها لعباده والطيبات من الرزق« »ولا تنس نصيبك من الدنيا« إلا أنه يطالب بمراعاة حقوق المحتاجين »ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا« وغير ذلك في الكثير من الايات. ومن الصعب أن نجد غنيا يستعفف ويتوقف عن الطموح في زيادة ما يمتلكه، وليصل إلي أن البعض يتملكه المال لا أن يمتلك المال. ويتحول الكثيرون سواء أغنياء أم فقراء إلي الانحراف بمحاولة الحصول علي المال ولو بالاعتداء علي حقوق الآخرين، ويبررون هذا المسلك بشتي الأسباب والمبررات حتي يقنعوا أنفسهم بغير حق أنهم لا يخطئون!! ولعل لنا عبرة فيما جاءت به الأديان عن حب الناس للجاه والمال والحياة الدنيا، ففي سيرة الرسول الكثير فعندما واجه الكفار من قريش برسالته السماوية - ذهب إليه عتبة بن ربيعة مندوباً عنهم وليتحاور معه بمنطقهم وكان فيما قاله »..إن كنت تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتي تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد تشريفا سودناك علينا، فلا نقطع أمراً دونك، وان كنت تريد ملكا ملكناك علينا..« فكان رد الرسول أن تلا عليه سورة السجدة وعتبة منصت يستمع الي أحسن القول ويري أمامه رجلا لا مطمع له في مال ولا تشريف ولا في ملك. وهناك موضع آخر لفت نظري وذلك عند فتح مكة، بعد أن نقضت قريش صلح الحديبية، وكان جيش المسلمين قد بلغ عدته عشرة الاف ليدخل مكة من جميع اجنابها، وهنا جاء العباس ابن عم الرسول بابي سفيان قائد المشركين وحكيمهم وحبسه بمضيق الوادي عند مدخل الجبل الي مكة حتي تمر به جنود المسلمين فيراها ليحدث قومه بها عن بينة، ومرت القبائل بأبي سفيان فما رأي إلا الكتيبة الخضراء تحيط بمحمد فيها المهاجرون والانصار لايري عنهم إلا الحدق من الحديد، فلما عرف أبوسفيان أمرهم قال: »يا عباس ما لا حد بهؤلاء قبل ولا حاجة، والله يا ابا الفضل لقد اصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما..« »وكان رد العباس عليه قاطعا »بل انها النبوة« لم يكن في عقل أبي سفيان إلا التفكير في الجاه والملك! وإذا كان لنا في رسول الله اسوة حسنة فإننا كذلك نقتدي بما تحدث به المسيح عليه السلام »من أخذ منك رداءك فأعطه قميصك مع الرداء« وكما يقول العقاد أن النفس الانسانية هي المقصود وليس المقصود هو الرداء أو القميص، فليكن العطاء حبا وطواعية. »لا يقدر أحد ان يخدم سيدين لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون ان تخدموا الله والمال«، فمن يملك أموال الدنيا غير عابد للمال فلا جناح عليه، ومن يعبد الله ويستعبد المال فلا جناح عليه. أراد السيد المسيح أن يعبد الانسان سيدا واحدا، ولا يعبد سيدين. »من له ثوبان فليعط من ليس له« »بل من أراد ان يصير فيكم عظيما يصير لكم خادماً، ومن أراد أن يصير فيكم أولاً يكون للجميع عبداً« ومملكة الضمير في قرارة كل إنسان أبقي من ممالك العروش والتيجان ومن أقواله »لا تكنزوا لكم كنوزاً علي الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون، بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا سوس ولا صدأ ولا لصوص، وحيث يكون الكنز يكون القلب« يحاسبون علي البعوضة ويبلعون الجمل« ويلكم أيها المراءون لانكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر جميلة من خارجها وهي من داخلها مملوءة عظام أموات« »غني يدخل باب السماء كحبل غليظ يدخل في سم الخياط« إن الإنسان خاسر إذا ملك العالم بأسره، وفقد نفسه، وان ملكوت السماء في الضمير وليس في القصور والعروش، وان المرء بما يضمه ويفكر فيه وليس بما يأكله وما يشربه وما يلبسه وما يقيمه من صروح المعابد والمحاريب.