هل تكتمل الوحدة الاقتصادية التى بدأتها روسيا و كازاخستان و بيلاروسيا ؟ تعاني روسيا اليوم من أزمة اقتصادية خانقة، سوف تستمر لفترة زمنية أطول من تلك التي تعرضت لها منذ سنوات وتضررت علي إثرها البلاد لنحو عامين عقب الأزمة المالية العالمية، ليس فقط بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها علي خلفية الأزمة الأوكرانية بل ايضا بسبب تراجع الروبل الروسي أمام الدولار الأمريكي، إضافة إلي تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية. يواجه الاقتصاد الروسي خطر الركود خلال الفترة المقبلة، كما ان المصارف الروسية لا يمكنها أن تقدم الائتمان الكافي للمؤسسات الاستثمارية الروسية، فضلا عن ارتفاع تكاليف القروض، وهو ما يدفع المستثمرين إلي التراجع عن الاقتراض، ومن ثم تقلص النشاط الاستثماري في روسيا. اضافة الي تسبب تدني سعر صرف الروبل الروسي في ارتفاع معدلات التضخم. ويتعين علي الحكومة الروسية القيام بضخ ما يعادل 40 مليار دولار أمريكي، من أجل العمل علي إنقاذ النظام المصرفي، بعد أن تعرض لضغوط معقدة خلال الأشهر الأخيرة؛ بسبب العقوبات التي تفرضها الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الغربية، بعد أن أقدمت روسيا علي ضم شبه جزيرة القرم في مارس من العام الماضي. وفي محاولةٍ للتخفيف من آثار الأزمة المالية الأعنف منذ 17 عاماً، التي تتعرض لها روسيا اليوم، ستقوم السلطات الروسية ببيع 88 مليار دولار من احتياطيها المالي بالعملة الصعبة، من أجل رفع قيمة العملة المحلية أي الروبل. المالية الروسية والبنك المركزي الروسي سيقومان معاً ببيع جزء من احتياطياتهما المالية بالعملة الصعبة، وستعمد المالية إلي إرسال ودائع بالروبل إلي البنوك، بهدف الحفاظ علي السيولة النقدية للعملة الروسية. ومن التدابير التي تنوي الحكومة اتخاذها لدعم قطاع الصناعة، قيامها بتعويض الصناعيين عن جزء من نفقاتهم المترتبة من فوائد القروض المخصصة لتمويل المشاريع، كما سيتم تخصيص أموال إضافية لقطاع الزراعة. يظهر من خلال هذه الخطوات ان روسيا بدأت تنتهج سياسة اقتصادية لمواجهة الحالة الطارئة التي تتعرض لها البلاد، بعد الانخفاض الصادم الذي تعرّض له الروبل الروسي مقابل الدولار الأميركي. ويأتي ذلك بعد ان خلّفت الأزمة الأوكرانية نتائج سلبية علي الاقتصاد الروسي، بدأت تنعكس علي العلاقات الروسية الخارجية. فمهما خفّفت السياسة الاقتصادية الروسية الطارئة من وطأة الأزمة المالية داخلياً، إلا أنّ روسيا لا يمكنها أن تتجنب الآثار الخارجية والسياسية لهذا التراجع الاقتصادي، والذي بدأ يظهر بشكل أوضح عبر تهديده «الحلم» الروسي بإنشاء الاتحاد الأوراسي الاقتصادي الذي عملت روسيا علي تشكيله طوال السنوات الماضية، طامحةً إلي أن يكون قوة اقتصادية عالمية مثل الاتحاد الأوروبي. تُعتبر الاتفاقية الاقتصادية، عام 2011، نواة الاتحاد الأوراسي (الأوروبي الآسيوي)، والتي تجمع بين بيلاروسيا، كازاخستان، وروسيا، وأرمينيا وكان من المفترض أن ينضم إليها كلّ من كازاخستان وأوكرانيا. وخطط الكرملن لتطوير هذه الاتفاقية، لتتحول في ما بعد إلي اتحاد اقتصادي تزول بين دوله الضرائب الجمركية ويشمل التعاون العسكري والتعاون السياسي، وهو من أبرز المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية التي كانت القيادة الروسية تسعي إلي تحقيقها في عام 2015. ولكن التراجع الاقتصادي الروسي لم يعد عاملاً محفزاً للدول المشاركة في الاتفاقية لاستكمال إنشاء الاتحاد خوفاً من أن تنسحب آثار تراجع الاقتصاد الروسي علي اقتصادياتها أيضاً. ولم يتوان رؤساء هذه الدول عن التعبير عن ترددهم في شأن الانضمام إلي هذا الاتحاد. فقد صرّح رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، أنّ المهمة تحددت وهي التعامل بالدولار لا بالروبل، وكان علينا أن نعمل منذ مدة طويلة لمطالبة الروس بأن يدفعوا لنا بالعملة الصعبة، وهذا الكلام يشير إلي زعزعة ثقة بيلاروسيا في روسيا. الطموح الروسي كان أن تنضم أوكرانيا كذلك إلي الاتحاد، وهو أمر لم يعد ممكناً نظراً إلي الظروف الحالية، أما بالنسبة إلي كازاخستان، ثاني أكبر دولة في هذا الاتحاد بعد روسيا، فقد اعتمدت سياسة اقتصادية مغايرة للسياسة الروسية، مباشرةً بعد انضمام القرم إلي روسيا، ولا يمكن بالتالي تحقيق هذا الرابط بين الدولتين، وإنشاء اتحاد اقتصادي تعتمد أكبر دولتين فيه، وهما روسيا وكازاخستان، سياستين اقتصاديتين مختلفتين. إضافة إلي ذلك، قد تواجه روسيا في ظلّ تراجعها الاقتصادي الذي أضعف نفوذها ضمن محيطها الحيوي، خللاً في علاقتها مع الصين، فقد تتحوّل من كونها علاقة ندية تجمع بين دولتين كبيرتين، إلي علاقة تكون فيها الصين هي الطرف المسيطر. فلقد جرت طروحات بين مسئولين صينيين حول إمكانية إنقاذ الحليف الروسي من ورطته الاقتصادية، إذا ما اتضحت الحاجة إلي ذلك فعلاً، وهو أمر يهدد التوازن الدولي، ويذكر بنهاية الحرب الباردة في ثمانينيات القرن الماضي. ففي حال لم تتمكن موسكو من استعادة عافيتها سريعاً، أصبح من الصعب وصف المشهد الدولي بأنّه متوازن بين حليفين كبيرين، روسياوالصين من جهة، والولاياتالمتحدة وحلفائها من جهة ثانية. ونصت معاهدة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي التي وقعها رؤساء روسياوبيلاروسيا وكازاخستان، في 29 مايو الماضي، علي إطلاق حرية تحرّك وتنقّل السلع والخدمات ورؤوس الأموال والقوي العاملة بين الدول الأعضاء، وانتهاج السياسة الاقتصادية المتفق عليها وتوحيدها بين الدول الأعضاء مستقبلا. وستبلغ حصة أرمينيا في إيرادات الجمارك الاتحادية 1.13 في المائة، بينما تنخفض حصة كل من روسياوبيلاروسيا وكازاخستان من 88 إلي 86.97 في المائة، ومن 4.7 إلي 4.65 في المائة، ومن 7.3 إلي 7.25 في المائة. وتم توقيع اتفاقية انضمام أرمينيا للاتحاد في 10 أكتوبر الماضي بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأرميني سيرج سركسيان، لتتحول إلي عضو كامل العضوية في الثاني من يناير الحالي.